فبغت الشاب، والتفت إلى هانئ وابتسم، وقد استأنس بذلك السؤال وقال: «نعم يا سيدي هذا هو اسمي.»
وكان عبد الرحمن يسمع ذلك ويتعجب، ونظر إلى هانئ نظرة استفهام فقال هانئ بصوت منخفض: «إن هذا المسكين حفيد حسان وله قصة تعرفها مريم.»
فالتفت عبد الرحمن إلى رودريك وقال: «اقصص علينا سبب مجيئك.»
قال: «عندما رجعنا من الدير المذكور ومعنا سالمة ذهبنا بها إلى خيمة باتت فيها تلك الليلة، وفي الصباح التالي جاءوا بها إلى مجلس الدوق وكنت في جملة الحرس الواقفين ببابه، ورأيت عنده امرأة جميلة كانت جالسة بجانبه عرفت بعد ذلك أنها ابنته لمباجة، وأنها كانت في معسكر العرب وفرت إلى أبيها في تلك الليلة، فلما دخلت سالمة خفت عليها من غضب الدوق، ولكنني رأيت من إجلاله إياها واحترامه لها ما كاد يذهب برشدي، وسمعتها تخاطبه بجرأة وقوة وهو يتحمل منها ويستعطفها كما يستعطف المحب حبيبته، وقد سمعته يسميها بغير اسمها ويعاتبها وأخيرا أمر بإرجاعها إلى خيمتها، وكانت قد لاحت منها التفاتة وهي خارجة فرأتني وعرفتني، فأومأت إلي خلسة أن أقابلها، فاحتلت في مقابلتها تلك الليلة فلما رأتني قالت: «إنك عربي وأولى بنصرة العرب مني فامض إلى معسكر الدوق شارل واستطلع أحواله، وأخبر أمير جند العرب بذلك؛ لأنهم إذا عرفوا قوة عدوهم هان عليهم أن يحاربوه.» وألحت علي بسرعة الذهاب فخرجت في تلك الساعة والمعسكران متقابلان، وبت في معسكر شارل وقضيت طول الأمس واليوم في الاستقصاء، ولما أمسى المساء فررت إليكم كما رأيتموني.»
فأعجب الأميران بشهامة سالمة، وتذكر هانئ قولها إنها ستكون في معسكر أود أنفع لهم مما في معسكر العرب، فقال عبد الرحمن: «ما الذي عرفته من أحوال الجند؟»
فقال: «اعلم يا مولاي أن قائد هذا الجند رجل شديد اسمه شارل (قارله) بن ببين وهو رئيس حاشية ملك نوستريا من العائلة الميروفيجيانية، ونظرا لضعف ذلك الملك كان حظ شارل من تلك المملكة دوقية أوستراسيا وراء نهر لوار لكنه لم يقنع بالدوقية بل طمع في لبس التاج، ولذلك كان أود هذا من أكبر منافسيه ولم يستنجد به على العرب إلا بعد اليأس الشديد، فلما استعان به، جرد ما يستطيع جمعه من قبائل الإفرنج وما يمكن حمله من العدة والسلاح واستقر في هذا المعسكر ...»
فقطع عبد الرحمن كلامه قائلا: «كم عدد جنده؟»
قال: «لم أستطع معرفة عدده تماما ولكنني علمت أنه كثير، وربما زاد على ضعفي عدد جيشكم، على أنني تحققت أنه مؤلف من عدة قبائل تختلف لغاتها وعاداتها وأخلاقها، وإن كانت تعد في الجملة من الإفرنج، أو الأوروبيين ولكنها على التخصيص مؤلفة من شعوب عديدة من جملتهم الأوستراسيون أهل البلاد الأصليون، والأتوريون، والبروكتيون، والطورنجيون، والهيميون، وغيرهم، وعليهم دروع من الجلد وعلى صدور خيولهم دروع من الحديد الثقيل أسلحتهم السيوف الطويلة المعتدلة ذات الحدين والفئوس الحادة، والرماح المستطيلة، والدبابيس الثقيلة في رءوسها حسك الحديد، والجند مؤلف من المشاة والفرسان، أما الفرسان فإنهم قليلون وهم وحدهم يرمون النبال.»
وكان رودريك يتكلم باهتمام، وعبد الرحمن وهانئ يصغيان لكل كلمة يقولها، فلما بلغ إلى هنا ابتسم هانئ والتفت إلى عبد الرحمن وقال: «نحن بلا ريب غالبون؛ لأن فرساننا كثيرون وقد عرفت بسالتهم وخبرت مهارتهم، وفيهم الرماة وحملة السيوف والفارس العربي يفوق ثلاثة من الفرسان الإفرنج، ولأن مشاتنا فيهم الرماحة والرماة، والنصر من عند الله يؤتيه من يشاء.»
والتفت عبد الرحمن إلى رودريك فرآه يتحفز للنهوض، فقال له: «وهل عندك خبر آخر؟»
Bog aan la aqoon