القول الأول: أنه إذا دُبِغَ حُكِمَ بطهارته، وهو مذهب الجمهور من حيث الجملة، واستدلوا بما ثبت في الصحيح عنه ﵊ أنه مرّ على شاة ميتة فقال: [هلا إنتَفَعتُمْ بِإهَابِها؟] فقالوا: يا رسول الله إنّها ميتة، فقال ﵊: [إذا دُبِغ الإهابُ فَقدْ طَهُر] فقد نصَّ ﵊ على أن جلد الميتة يطهر بالدبغ، وهو ما أكّده بقوله في الحديث الحسن: [دِباغُ الأَدِيمِ ذَكاتُه] فكما أن الذكاة تعمل في طهارة لحم الحيوان المباح الأكل، كذلك الدِّباغ يعمل في طهارة الجلد في الميتة المحرمة الأكل.
القول الثاني: لا يطهر جلد الميتة بالدبغ، وهو مذهب الحنابلة، واستدلوا بحديث عبد الله بن عُكَيْمٍ عن أشياخ من جُهينَة أنهم أتاهم كتابُ النبي ﷺ قبل أن يموت بشهرٍ، أو شهرين: [أَلا تَنْتَفعوا من الميتةِ بإهابٍ، ولا عَصَبٍ]، فقالوا: إن هذا الحديث ناسخٌ، لكونه متأخرًا في آخر حياته عليه الصلاة، والسلام.
والذي يترجح في نظري والعلم عند الله هو القول بطهارة جلد الميتة بالدبغ، وذلك لما يلي:
أولًا: لصحة دلالة السنة الصحيحة على ذلك كما تقدم بيانه.
ثانيًا: وأما الاستدلال بحديث عبد الله بن عُكيمٍ فيجاب عنه من وجهين:
الوجه الأول: ضعف إسناده، فقد ضعّفه غير واحد من الأئمة ﵏، وعن الإمام أحمد ﵀ أنه رجع عن هذا الحديث في آخر حياته، كما نقل الترمذي ذلك عنه، وبيّنا في شرح البلوغ الكلام على سنده.