فمنهم من قال : لا يجوز هذا لأنه قبيح والله تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبح ، وهم النجارية. وقد تقدم الكلام عليهم ، وذكرنا أنه لا معنى لقولهم أنه غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح مع أن سائر القبائح واقعة من قبله على سائر وجوهها ، لأنه لو تفرد به لكان لا يزيد حاله على هذه الحال.
وبعد ، فكان يلزمهم تجويز أن يجعل الله ذلك كسبا لبعض الربانية فيعذبهم بذنوب الفراعنة ، ومن بلغ إلى هذا الحد في التجاهل فقد انسلخ من الدين.
ومنهم من قال : إنا لو خلينا وقضية العقل لكنا نجوز ذلك على الله تعالى إلا أن السمع منع منه. وجوابنا عن هذا أن هذا مكابرة ، لأنه لا ظلم أفحش من معاقبة الغير بذنب الغير ، وقد تقرر قبحه في عقل كل عاقل.
ثم يقال لهم ، وكيف الثقة بالسمع؟ وما الذي أمنكم من أن يكون كاذبا فيما أخبر به في كتابه ، وذكره على لسان رسوله؟ يبين ما ذكرناه ، أن إبليس لو بعث إلينا رسولا أو كتب كتابا يقول فيه أجيبوني وأطيعوني فإني لا أضلكم عن سواء السبيل ، وأهديكم إلى الصراط المستقيم ، فإنا لا نثق بقوله ولا نعتمد خبره لتجويزنا كل قبيح عليه. كذلك كان يجب أن لا تقع لهم الثقة بالله تعالى عندهم ، فإن حاله تعالى الله عن ذلك أسوأ حالا من إبليس.
ومما ألزمهم مشايخنا ، تجويزا أن يبعث الله تعالى رسولا كاذبا إلى الناس ويظهر المعجزة على يديه ليدعوهم إلى الضلال والكفر ، لأن ذلك ليس بأعظم من توليه الإضلال بنفسه.
فعند هذا الإلزام افترقا فرقتين :
فمنهم من قال : إنما لم نجز ذلك لأنه قبيح الله تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبح ، وهم النجارية. والكلام عليهم قد مر ، ونعيد شطرا منه فنقول : أو ليس تقع في العالم الأكاذيب ولا تقع إلا متولدة عن الاعتمادات ، وعندكم أن المتولد لا يتعلق بالعبد أصلا لا اكتسابا ولا إحداثا فقد تفرد الله تعالى بها ، فكيف تقولون إنه غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح؟.
وأيضا فإنه قادر على إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص عند دعوى المدعي للنبوة وهو صادق ، فيجب أن يكون قادرا على ذلك وهو كاذب ، لأن القدرة على ذلك مما لا يتغير بكذب المدعي ولا بصدقه.
Bogga 216