416

Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen

شرح عمدة الأحكام لابن جبرين

Noocyada

الذبح في الأضحى بعد الصلاة
من أحكام عيد الأضحى أن يبدأ بالصلاة قبل الذبح، ففي عيد النحر يتقرب الناس بذبح أضاحي قربة إلى الله تعالى، فيذبحونها للنسك، ويسمونه عند الذبح، فهذا النسك الذي يذبحونه يحيون به سنة أبيهم إبراهيم، فإنه عندما امتحنه الله بذبح ولده فداه سبحانه كما قال: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات:١٠٧] فقال النبي ﷺ في هذه الأضاحي: (إنها سنة أبينا إبراهيم)، وأخبر بأن لهم فيها أجرًا، وجعل من أحكامها أنها لا تذبح إلا بعد الصلاة، فلما صلى وخطبهم أخبرهم بأن من ذبح قبل الصلاة فلا نسك له، يعني: كأنه لم يذبح أضحية، وأن وقت الذبح بعد الانتهاء من الصلاة والخطبتين، ولما أخبر بذلك قام هذا الرجل الذي هو خال راوي الحديث البراء بن عازب، وهو أبو بردة بن نيار، وسأله عن هذا الحكم، وهو أنه ذبح قبل الصلاة، وأراد أن تكون شاته أول ما يؤكل في بيته، فذبحها آخر الليل، وطبخ منها، وأكل قبل أن يأتي إلى الصلاة، فأخبره النبي ﷺ بأن شاته شاة لحم، وليست أضحية، وأنها كسائر الذبائح التي تذبح لأجل الصدقة أو لأجل الكرامة أو لأجل اللحم أو نحو ذلك، ولا تكون أضحية إلا إذا ذبحت بعد الصلاة.
وحيث إنه ذبحها جاهلًا بالحكم، ولم يكن عنده أضحية يذبحها أخرى إلا عناقًا صغيرة لم تبلغ أن تكون مجزئة، ولكنها أغلى عنده من شاتين -يعني: لسمنها أو للرغبة فيها- فأخبره ﷺ بأنها تجزئه، ولا تجزئ عن أحد غيره لجهله.
وأخذوا من ذلك أنه لابد أن تشتمل الخطبة على بعض أحكام الأضاحي ونحوها، فالخطباء يشرحون للناس أحكام الأضحية حتى يعرفها الناس، وأخذوا من ذلك أن وقت الذبح بعد الصلاة لا قبله، وأن من ذبح لم تجزئه تلك الذبيحة، بل تكون شاة لحم كسائر اللحوم التي تذبح لأجل التفكه ونحو ذلك، وأخذوا من ذلك أن من ذبح قبل الصلاة فعليه أن يذبح أخرى.
وقد استدل به بعضهم على أن الأضحية واجبة على من وجد الثمن؛ ولقوله في حديث آخر: (من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا-)، ولكن لعل هذا من باب التأكيد لها، فالجمهور على أنها مستحبة ولا تصل إلى الوجوب.
وعلى كل حال فهي من شعائر الإسلام، وعلى المسلمين أن يهتموا بها، وأن يذبحوا ما تيسر لهم.
ولها موضع آخر في باب: الذبائح والأضاحي، وسيأتي في آخر الحج إن شاء الله، وعلى كل حال فمحل ذبحها -كما في هذه الأحاديث- بعد الصلاة وبعد قدر الخطبتين، ومن ذبح فعليه أن يعيد الذبح مرة أخرى.
وأخذ من هذا أيضًا أن الذبح يكون باسم الله كما في الحديث الأخير، وهو قوله: (ومن لم يذبح فليذبح باسم الله.
فهذا ونحوه دليل على أنه ﵊ كان يجعل في الخطبة شيئًا من التعاليم ومن العلوم التي تهم المسلمين، ويهتمون بتعلمها وبتعليمها.

24 / 6