[خطبة الطيبة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم:
قال محمد هو ابن الجزري ... يا ذا الجلال ارحمه واستر واغفر
الحمد لله على ما يسره ... من نشر منقول حروف العشرة
ثم الصلاة والسلام السرمدي ... على النبي المصطفى محمد
وآله وصحبه ومن تلا ... كتاب ربنا على ما أنزلا
وبعد: فالإنسان ليس يشرف ... إلا بما يحفظه ويعرف
لذاك كان حاملوا القرآن ... أشراف الأمة اولي الإحسان
وأنهم في الناس أهل الله ... وأن ربنا بهم يباهى
وقال في القرآن عنهم وكفى ... بأنه أورثه من اصطفى
وهو في الاخرى شافع مشفع ... فيه وقوله عليه يسمع
يعطى به الملك مع الخلد إذا ... توجه تاج الكرامة كذا
يقرا ويرقى درج الجنان ... وأبواه منه يكسيان
فليحرص السعيد في تحصيله ... ولا يمل قط من ترتيله
وليجتهد فيه وفي تصحيحه ... على الذي نقل من صحيحه
فكل ما وافق وجه نحو ... وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يحتل ركن أثبت ... شذوذه لو أنه في السبعة
فكن على نهج سبيل السلف ... في مجمع عليه أو مختلف
Bogga 7
وأصل الاختلاف أن ربنا ... أنزله بسبعة مهونا
وقيل في المراد منها أوجه ... وكونه اختلاف لفظ أوجه
قام بها أئمة القرآن ... ومحرزو التحقيق والإتقان
ومنهم عشر شموس ظهرا ... ضياؤهم وفي الأنام انتشرا
حتى استمد نور كل بذر ... منهم وعنهم كل نجم دري
وها همو يذكرهمو بياني ... كل إمام عنه راويان
باب التراجم
ترجمة نافع وراوييه
(فنافع) بطيبة قد حظيا ... فعنه قالون وورش رويا
هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم المدني. ولد في حدود سنة سبعين، وأصله أصبهاني وكان أسود حالكا؛ انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة وأجمع الناس عليه بعد التابعين، وكان إذا تكلم تشم من فيه رائحة المسك لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في فيه (1). توفي سنة تسع وستين ومائة على الصحيح. وطيبة اسم المدينة سماها بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وكان اسمها يثرب فنهى (2) عن ذلك، وهي أفضل البقاع عند الإمام مالك رحمه الله تعالى، وقوله حظيا: أمي حصلت له بها حظوة بخت كبير وقبول كثير حتى أقرأ بها أكثر من سبعين سنة، وقال مالك: قراءة نافع سنة.
وقالون: هو عيسى بن مينا الزرقي، لقبه نافع بقالون لجودة قراءته لأنه بلغة الروم جيد، وكان قارئ المدينة ونحويها. ولد سنة عشرين ومائة، ومات سنة عشرين ومائتين.
وورش: هو أبو سعيد عثمان بن سعيد القبطي المصري، ولد سنة عشر ومائة، ولقب بورش لشدة بياضه، انتهت إليه رئاسة الإقراء بمصر مع التجويد وحسن الصوت، ومات سنة سبع وتسعين ومائة رحمه الله تعالى، وقوله: رويا:
أي روى كل منهما عن نافع بنفسه بغير واسطة.
Bogga 8
ترجمة ابن كثير وراوييه
(وابن كثير) مكة له بلد ... بز وقنبل له على سند
هو أبو سعيد عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان ابن فيروزان بن هرمز الداري المكي إمام الناس في الإقراء بمكة. ولد سنة خمس وأربعين، وكان فصيحا بليغا أبيض اللحية طويلا أسمر جسيما، يخضب بالحناء ذا سكينة ووقار، لقي بعض الصحابة، ومات سنة مائة وعشرين. ومكة هي البلد الحرام، وأم القرى، ومهبط الوحي، وأفضل البقاع عند الجمهور.
والبزي: هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع ابن أبي بزة المكي، كان إماما في القراءة محققا ضابطا لها ثقة قيما؛ انتهت إليه مشيخة الإقراء بمكة وكان مؤذن المسجد الحرام. ولد سنة مائة وسبعين ومات سنة مائتين وخمسين.
وقنبل: هو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد بن جرجة بجيمين بضم أولاهما مع إسكان الراء، وقنبل لقب له، كان إماما في القراءة متقنا ضابطا؛ انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز، ورحل إليه الناس من الأمصار. ولد سنة مائة وخمس وتسعين، ومات سنة مائتين وإحدى وتسعين، يقال رجل قنبل: أي غليظ شديد ولذا اختلف في تلقيبه بذلك، والضمير في قوله له عائد على ابن كثير يعني هما راويان له على معنى الاختصاص، أو تكون اللام بمعنى عن كما في قوله تعالى: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه (1) أي عن الذين آمنوا، وقوله على سند: أي معتمدين على سند منهما إليه فيكون الجار والمجرور في موضع الحال منهما؛ والسند الذي بينهما وبين ابن كثير أنهما قرآ على أبي الحسن أحمد بن محمد بن علقمة القواس، وقرأ هو على أبي الإخريط، وقرأ على إسماعيل بن عبد الله، وقرأ على ابن
كثير.
ترجمة ابى عمر وراوييه
ثم (أبو عمرو) فيحيى عنه ... ونقل الدوري وسوس منه
هو زبان بن العلا بن عمار بن العريان بن عبد الله المازني البصري، اختلف في اسمه كثيرا، كان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الثقة والأمانة والدين. ولد سنة ثمان وستين ومات سنة مائة وخمس (2) وخمسين.
Bogga 9
ويحيى: هو ابن المبارك بن المغيرة أبو محمد اليزيدي، كان ثقة إماما في القراءة وعلامة في اللغات والأدب، مات سنة مائتين واثنتين.
والدوري: هو أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان البغدادي الضرير شيخ الإقراء في وقته مع الثقة والضبط والإتقان، مات سنة مائتين وست وأربعين.
والسوسي: هو أبو شعيب صالح بن زياد بن عبد الله الرقي، ثقة ضابط مقرئ جليل، مات سنة مائتين وإحدى وستين وقد قارب التسعين.
ترجمة ابن عامر وراوييه
ثم (ابن عامر) الدمشقي بسند ... عنه هشام وابن ذكوان ورد
هو أبو عمران عبد الله بن عامر بن يزيد بن تميم بن ربيعة اليحصبي، إمام جامع دمشق وقاضيها وشيخ الإقراء بها، إمام كبير وتابعي جليل؛ ولد سنة إحدى وستين ومات سنة مائة وثمان عشرة.
وهشام: هو أبو الوليد هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي الدمشقي، ولد سنة مائة وثلاث وخمسين، وكان عالم دمشق وخطيبها ومقريها ومحدثها ومفتيها ثقة ضابطا، مات سنة مائتين وخمس وأربعين.
وابن ذكوان: هو أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القوشي الدمشقي، ولد سنة مائة وثلاث وسبعين، وكان شيخ الإقراء بالشام على الإطلاق، مات سنة مائتين واثنتين وأربعين، وقوله: بسند نصب على الحال: أي ملتبسين بسند، وقوله: ورد: أي جاء، تقول ورد عن فلان كذا أي جاء، وروى:
يعني كل منهما جاء راويا عن ابن عامر بسند لا أنهما رويا عنه نفسه، وذلك أنهما قرآ على أبي سليمان أيوب بن تميم، وعلى أبي محمد سويد بن عبد العزيز، وعلى أبي العباس صدقة بن خالد، وقرأ الثلاثة على أبي عمرو يحيى بن الحارث الذماري، وقرأ هو على ابن عامر رحمه الله تعالى:
ترجمة عاصم وراوييه
ثلاثة من كوفة (فعاصم) ... فعنه شعبة وحفص قائم
أي ثلاثة من الأئمة العشرة من مدينة الكوفة، وهم عاصم وحمزة والكسائي كما سيأتي. والكوفة في الأصل: الرملة الحمراء وبها سميت الكوفة، وهي مما مصر زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
Bogga 10
فعاصم: هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد السلمي جلس موضعه ورحل إليه العالم من الأقطار، جمع بين الإتقان والفصاحة والتجويد وحسن الصوت، مات سنة مائة وسبع وعشرين.
وشعبة: هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم بن الحناط بالنون الأسدي الكوفي، واختلف في اسمه وهو الأشهر، ولد سنة خمس وتسعين، وكان من الأئمة الأعلام حجة ثقة، مات سنة مائة وثلاث وتسعين.
وحفص: هو أبو عمر حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي الكوفي الغاضري البزاز ولد سنة تسعين. وكان أعلم أصحاب عاصم بقراءة عاصم. قال ابن معين: الرواية الصحيحة التي رويت من قراءة عاصم رواية حفص، مات سنة مائة وثمانين، وقوله قائم: أي قائم بالقراءة، يقال قام بأمر كذا: أي نهض به وتولاه:
ترجمة حمزة وراوييه
(وحمزة) عنه سليم فخلف ... منه وخلاد كلاهما اغترف
هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي الزيات. ولد سنة ثمانين، وكان إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش، وكان ثقة كبيرا حجة مجودا (1) فرضيا نحويا حافظا للحديث، ورعا زاهدا خاشعا ناسكا، مات سنة مائة وست وخمسين، رحمه الله تعالى.
وسليم: هو أبو عيسى سليم بن عيسى بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، كان إماما في القراءة أخص أصحاب حمزة وأضبطهم، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة، مات سنة مائة وثمان وثمانين.
وخلف: هو أبو محمد خلف بن هشام البزار وسيأتي ترجمته عند ذكره (2).
وخلاد: هو أبو عيسى خلاد بن خالد الشيباني مولاهم الكوفي، كان إماما ثقة في القراءة محققا مجودا ضابطا أجل أصحاب سليم وأضبطهم، مات سنة
Bogga 11
مائتين وعشرين، وقوله منه: أي من سليم، وقوله كلاهما: أي خلف وخلاد، وقوله: اغترف من الاغتراف: وهو تناول الماء باليد: أي أنهما أخذا القراءة من سليم بلا واسطة لما كان بحرا من بحور القراءة.
ترجمة الكسائى وراوييه
ثم (الكسائي) الفتى علي ... عنه أبو الحارث والدوري
هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبد الله بن تميم بن فيروز الكسائي الكوفي، كان إمام الناس في القراءة في زمانه وأعلمهم بالقراءات وبالنحو ولغة العرب، رحل إليه الخلق وكثر عليه الآخذون حتى كان يجمعهم في مجلس واحد ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادئ؛ وكان ذا كرم وحشمة وجاه عريض، أدب الخليفتين الأمين والمأمون، مات سنة مائة وتسع وثمانين وبه تم القراء السبعة.
وأبو الحارث: هو الليث بن خالد البغدادي، كان ثقة محققا للقراءة قيما بها ضابطا، مات سنة مائتين وأربعين.
والدوري: هو أبو عمر حفص بن عمر المتقدم (1) عن أبي عمرو، وقوله:
الفتى: الكريم السخي، وعنه: أي رويا عنه بلا واسطة.
ترجمة ابى جعفر وراوييه
ثم (أبو جعفر) الحبر الرضى ... فعنه عيسى وابن جماز مضى
هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي المدني تابعي جليل، أخذ القراءة عن الصحابة، وكان كبير القدر، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالمدينة. وقال أبو الزناد: لم يكن بالمدينة أقرأ للسنة من أبي جعفر. وقال مالك: كان أبو جعفر رجلا صالحا. وقال نافع: لما غسل أبو جعفر بعد وفاته نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف، فما شك أحد ممن حضره أنه نور القرآن؛ ورؤي في المنام على صورة حسنة، فقال: بشر أصحابي وكل من قرأ القرآن على قراءتي أن الله قد غفر لهم، مات سنة مائة وثلاثين، وهو ثامن القراء بالنسبة إلى هذا الترتيب.
Bogga 12
وأما عيسى: فهو أبو الحارث عيسى بن وردان المدني الحذاء، كان رئيسا في القراءة ضابطا محققا من أصحاب نافع في القراءة على أبي جعفر ومن قدماء أصحابه، وقد مات في حدود سنة ستين ومائة.
وابن جماز: هو أبو الربيع سليمان بن مسلم بن جماز الزهري مولاهم المدني، كان مقرئا جليلا ضابطا مشارا إليه في قراءة أبي جعفر ونافع، مات بعيد سنة مائة وخمس وسبعين. والحبر بالفتح على المشهور، ويجوز كسره وهو العالم، والرضى مصدر وصف به للمبالغة: أي مرضي، وقوله: عنه: أي رويا عنه بلا واسطة، وقوله: مضى: أي ذهب، ويقال: أمضى الأمر: أي أنفذه.
ترجمة يعقوب وراوييه
تاسعهم (يعقوب) وهو الحضرمي ... له رويس ثم روح ينتمي
أي تاسع القراء العشرة على ترتيب الناظم: هو أبو محمد يعقوب ابن إسحاق بن يزيد بن عبد الله بن إسحاق الحضرمي مولاهم البصري، كان إماما كبيرا ثقة عالما، انتهت إليه رئاسة الإقراء بعد أبي عمرو، وكان إمام جامع البصرة. قال أبو حاتم السجستاني: كان أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهب النحو، مات سنة مائتين وخمس.
ورويس: هو أبو عبد الله محمد بن المتوكل اللؤلؤي البصري المعروف برويس، كان إماما في القراءة ضابطا مشهورا من أحذق أصحاب يعقوب، مات سنة مائتين وثمان وثلاثين.
وروح: هو أبو الحسن روح بن عبد المؤمن بن عبدة الهذلي مولاهم البصري النحوي، كان ثقة ضابطا مقرئا حاذقا من أوثق أصحاب يعقوب، مات سنة مائتين وخمس وثلاثين، وقوله: له: أي عنه، وينتمي: أي ينتسب في القراءة.
[ترجمة خلف البزاز وراوييه]
والعاشر البزار وهو (خلف) ... إسحاق مع إدريس عنه يعرف
أي من الشموس المشار إليهم بقوله: فمنهم عشر شموس: هو أبو محمد خلف بن هشام بن ثعلب البزار بالراء. ولد سنة خمسين ومائة، وحفظ القرآن وهو ابن عشر سنين، وكان إماما جليلا عالما ثقة زاهدا، مات سنة مائتين وتسع وعشرين.
Bogga 13
وإسحاق: هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عثمان بن عبد الله الوراق المروزي البغدادي، كان قيما بالقراءة ضابطا ثقة، انفرد برواية اختيار خلف عنه، مات سنة مائتين وست وثمانين.
وإدريس: هو أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد، كان إماما ضابطا محققا ثقة، سئل عنه الدارقطني، فقال ثقة وفوق الثقة بدرجة، روى عن خلف روايته واختياره، مات سنة مائتين واثنتين وتسعين، وقوله: عنه: أي عن خلف، ويعرف بالرواية والقراءة.
باب فى بعض مباحث التراجم
مبحث طرق الطيبة وراوييه
وهذه الرواة عنهم طرق ... أصحها في نشرنا محقق
يعني العشرين؛ لأنه ذكر عن كل قارئ راويين فبلغوا بذلك عشرين إلا أن الدوري منهم روى عن أبي عمرو وعن الكسائي؛ فهم من حيث الذات تسعة عشر، ومن حيث الرواية عشرون، والطرق جمع طريق، وهي لغة: السبيل والمذهب، واصطلاحا هي الرواية عن الرواة عن أئمة القرآن وإن سفلوا، فتقول مثلا: هذه قراءة نافع من رواية قالون من طريق أبي نشيط من طريق بن بويان (1) من طريق الفرضي، ولا يقال رواية نافع كما لا يقال قراءة قالون ولا طريق قالون كما لا يقال رواية أبي نشيط؛ فما كان عن أحد الأئمة العشرة أو من هو مثلهم يقال قراءة، وما كان عن أحد رواتهم يقال رواية، وما كان عمن بعدهم وهلم جرا يقال طريق سواء كان من مؤلفي الكتب أو غيرهم؛ فيقال طريق الداني مثلا وطريق الشاطبي، وطريق أبي العز، وطريق الكندي ونحو ذلك، وقد يعد بعض الراويين طريقا بالنسبة إلى قراءة، ويعد رواية بالنسبة إلى أخرى كإدريس هو بالنسبة إلى قراءة حمزة في رواية خلف طريق وبالنسبة إلى خلف في اختياره رواية.
إذا علم ذلك، فليعلم أن المؤلف أثابه الله تعالى نظر في هذه الروايات العشرين وجعل في كتابه النشر أصح طرق وردت عنهم، فاختار منها عن كل راو طريقين، وعن كل طريق طريقين فيكون عن كل راو من العشرين أربع طرق غالبا. وحيث لم يتأت له ذلك من رواية خلف وخلاد عن حمزة جعل عن خلف
Bogga 14
أربعة عن إدريس عنه وعن خلاد بنفسه أربعة، وفي رواية رويس عن التمار عنه أربعة، وفي رواية إسحاق عن خلف أربعة اثنين عن نفسه واثنين عن ابن أبي عمر عنه، وفي رواية إدريس أربعة عن نفسه ليتم عن كل راو أربعة ويكون عن الرواة العشرين ثمانون طريقا ثم تتشعب هذه الطرق فيما بعد فتبلغ عدة الطرق عن الأئمة العشرة تقريبا من ألف طريق كلها مذكورة في النشر مسماة. فهذا ملخص معنى ما في هذا البيت والبيت الآتي بعده، وأصح الطرق التي عن هؤلاء الرواة مذكور في النشر محقق واضح.
باثنين في اثنين وإلا أربع ... فهي زها ألف طريق تجمع
تقدم بيانه في البيت السابق: أي بطريقين في طريقين كما تقدم بيانه ونزيده الآن إيضاحا؛ مثاله في ورش ذكره من طريقين وهما الأزرق والأصبهاني، وعن الأزرق طريقين وهما النحاس وابن سيف، وعن الأصبهاني طريقين وهما هبة الله والمطوعي فصارت طريقين في طريقين، وقوله: فهي زها ألف الخ بيان كون تلك الطرق الثمانين تبلغ ألف طريق أو نحوها أن قالون مثلا ذكره من طريقين: أبي نشيط والحلواني. فأبو نشيط من طريقي ابن بويان والقزاز، فابن بويان اجتمع له إحدى وعشرون طريقا، والقزاز إحدى عشرة طريقا فيكون لأبي نشيط اثنان وثلاثون طريقا. وأما الحلواني فذكره من طريق ابن أبي مهران وجعفر بن محمد؛ فابن أبي مهران من تسع وعشرين طريقا وجعفر من أربع طرق فيكون لقالون خمسة وستون طريقا، وخذ على ذلك؛ ومن أعظم فوائد معرفة الطرق تحقيق الخلاف وعدم التخليط والتركيب بما لم يقرأ به، فقد وقع في التيسير مع اختصاره مواضع خرج فيها عن طرقه وتبعه على ذلك الشاطبي كما نبه عليه في النشر مع أنه لم يكن في التيسير عن الأربعة عشر راويا الذين هم عن السبعة سوى أربعة عشر طريقا فليعلم من ذلك قدر ما زاد المؤلف على كتاب التيسير والشاطبية من الطرق والروايات ولله الحمد وهو المستعان؛ وإذا جمعت طرق العشرة الأئمة من النشر تبلغ أكثر من تسعمائة وثمانين طريقا كما فصلت عن راو راو والله أعلم (1).
Bogga 15
مبحث رموز الائمة العشرة ورواتهم
جعلت رمزهم على الترتيب ... من نافع كذا إلى يعقوب
أي جعل الناظم أثابه الله تعالى لتسعة من هؤلاء العشرة ورواتهم رمزا يعرف به قراؤهم ورواتهم على الترتيب في الكلام الآتي في البيت الآتي وهي تسع كلمات كل كلمة على ثلاثة أحرف، الحرف الأول للقارئ والحرفان الآخران لكل راو من راوييه على الترتيب الذي رتبهم في نظمه السابق. بيان ذلك أبج الأولى من الكلمات التسع، الألف منها لنافع والباء لقالون لأنه المذكور بعد نافع، والجيم لورش لأنه بعد قالون ثم كذا في دهز الدال لابن كثير والهاء للبزى والزاى لقنبل، وهكذا في كلمة كلمة وقارئ
قارئ وراو راو حتى يعقوب وكلمته ظغش، فالظاء ليعقوب والغين لرويس والشين لروح.
(أبج دهز حطى كلم نصع فضق ... رست ثخذ ظغش) على هذا النسق
أي على هذا النظام من الترتيب وإنما جعل رمزهم كذلك ليسهل على أهل هذه الصناعة فإنهم ألفوا ذلك بمناسبة ما رتبته الشاطبية، واستمد ذلك عنهم وما أراد أن يخالف هذه الطريقة ليكون من يحفظها قادرا على استخراج ما في الشاطبية، وكذلك من يحفظ الشاطبية يقدر على استخراج ما فيها وجعلت الكلمتان الأخيرتان دليلا على رمز أبي جعفر ويعقوب ورواتهما لأن حروفهما جعلت في الشاطبية دليلا على الجمع، فجعل الناظم رمز الجمع كلمات (1).
Bogga 16
والواو فاصل ولا رمز يرد ... عن خلف لأنه لم ينفرد
أي أنه جعل الواو فاصلة بين أحرف الخلاف وذلك أنه لما استكمل القراء ورواتهم سبعة وعشرين حرفا لم يبق إلا الواو فجعلها للفصل، ولو لم يجعل ذلك لاختلطت المسائل وعسر التمييز في أكثرها فجعلت لذلك عند الاحتياج إليها، وربما لم يأت بها عند أمن اللبس كقوله: مالك نل ظلا روى السراط مع البيت؛ وأما عند اللبس فلا بد من الإتيان بها نحو قوله: صحب بميت بلد، والميت هم البيت ونحو: وجزمه مدا شفا ويحسب، ونحو ذلك فلا بد من الإتيان بها، وقد تكون الواو في الفصل زائدة كما مثل به وقد تكون من نفس الكلمة نحو قوله:
... وبعد مؤمنا فتح ... ثالثه بالخلف ثابتا وضح
وقد تكون من حرف القرآن نحو: لا تأثيم لا لغو مدا كنز، ولا يقبل أنث حق وأعدنا أقصرا، وقوله فاصل؛ يعني فاصلة، والحروف يجوز تذكيرها وتأنيثها باعتبار اللفظ واعتبار المعنى، وعدل عن قول الشاطبية فيصلا إلى فاصل لأنه المشهور إلى هذه الصيغة من أجل سناد التأسيس الذي هو من عيوب القافية ولا رمز يرد الخ، أشار إلى وجه كونه لم يذكر لخلف رمزا وهو أنه لم يكن له حرف من حروف الخلاف انفرد فيها عن قراءة واحد من السبعة أو رواتهم بل انفرد عن حمزة والكسائى وشعبة إلا في حرفين أحدهما (وحرام على قرية أهلكناها) في الأنبياء (1) قرأه على رواية حفص وغيره، والثاني في سورة النور (2) قرأه على قراءة غيرهم، وكذلك في وجه السكت بين السورتين على ما ذكره أبو العز القلانسى ومن تبعه، ولذلك ذكره الناظم صريحا كما سيأتي، وكذلك ذكر خلاف إدريس عنه في يعكفون في الأعراف (3) صريحا؛ فإنه لم يبق له من الحروف ما يجعل له رمزا فإن الحروف استغرقت الأئمة التسعة السابقين ورواتهم كما تقدم ولم يبق منها سوى الواو وجعلت فاصلة؛ ولما كانت موافقته تارة لحمزة وهو الأكثر، وتارة للكسائي، وتارة لشعبة جعل له مع كل رمزا على حدة كما سيأتي، لذلك
Bogga 17
جعله داخلا في رمز حمزة والكسائي ومعهما وشعبة ومعهما وحفص ومع الكوفيين كما سيأتي بيانه قريبا.
وحيث جاء رمز لورش فهو ... لأزرق لدى الأصول يروى
ومن هنا أخذ في بيان اصطلاحه فذكر في ذلك أنه إذا جاز رمز لورش وهو الجيم فلا يخلو إما أن يكون في الأصول وهي الأبواب المذكورة إلى الفرش كما سيأتي فإنها على ورش من طريق الأزرق ويكون من طريق الأصبهاني كقالون، وذلك لأن الخلاف من طريقى الأزرق والأصبهاني في الأصول كثير فلا بد من إفراده لئلا يقع التركيب، فإن اتفق الأزرق والأصبهاني في حرف سمى ورش باسمه؛ وأما إذا وقع رمز ورش في الفرش فالمراد به ورش من الطريقين، ولم يخرج عن ذلك إلا في حرف واحد وهو «اصطفى» في الصافات (1) ذكر فيه الخلاف عن ورش وهو مفرع على الطريقين، فالوصل للأصبهاني والقطع للأزرق كالجماعة واغتفر له ذلك لأنه لا تركيب فيه.
والأزرق: هو أبو يعقوب يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصرى، كان عدلا أستاذا كبيرا محققا ثقة ضابطا قام بالقراءة بعد ورش بمصر وتلقى الناس روايته من طريقه بالقبول، وأجمع أهل مصر والمغرب والأندلس عليها، ولذلك لم يذكر في التيسير ولا في التبصرة ولا في الهادى ولا في الهداية ولا في الكافي ولا في العنوان ولا في الشاطبية ولا في أكثر كتبهم غيرها؛ ولهذا كانت متقنة محررة عندهم، بخلاف من ذكرها غيرهم كالعراقيين فإنها عندهم غير محققة ولا منقحة ولا صحيحة أيضا، وتوفى الأزرق في حدود الأربعين ومائتين.
والأصبهاني كقالون وإن ... سميت ورشا فالطريقان إذن
هو أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن سعيد بن يزيد بن خالد الأسدي الأصبهاني، كان إماما في رواية ورش ضابطا لها ثقة رحل بسببها إلى مصر فقرأها على أصحابه
وأصحاب أصحابه، ثم رجع إلى بغداد فكان أول من أدخلها العراق وأخذها عنه الناس حتى صاروا لا يعرفون رواية ورش إلا من طريقه ولذلك تنسب
Bogga 18
إليه دون من أخذها هو عنه، مات في بغداد سنة مائتين وست وتسعين؛ مثال ما وقع في الأصول من ذلك قوله في باب البسملة وهو أول ما وقع فيه: فاسكت فصل والخلف كم حماجلا، فإنه يدل على أن لكل من ابن عامر وأبي عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق ثلاثة أوجه وهي السكت والوصل والبسملة كما سيأتي، فيكون للأصبهاني عن ورش مثل قالون له البسملة فقط، وذلك من قوله في أول الباب: (1) بسمل بين السورتين بي نصف؛ ومثال ما سمى فيه ورش من الأصول ليدخل الطريقان قوله في صلة ميم الجمع: وقبل همز القطع ورش؛ ومثاله أيضا قوله: في باب الهمزتين من كلمتين:
وسهل الأخرى رويس قنبل ورش وثامن، وقيل تبدل مدا زكا جودا الخ كما سيأتي (2) (3)
Bogga 19
(فمدني) ثامن ونافع ... (بضريهم) ثالثهم والتاسع
يعني إذا ذكر المدني فالمراد به نافع وأبو جعفر الذي هو ثامن القراء على ما تقدم ترتيبه، وذلك لأنهما كانا بالمدينة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: والمدني نسبة إلى المدينة؛ وكذلك إذا ذكر البصرى فالمراد به أبو عمرو الذي وهو ثالث القراء ترتيبا، ويعقوب الذي هو تاسعهم أيضا لأن كلا منهما كان من البصرة. والبصرة بفتح الباء: المدينة المشهورة التي مصرت زمن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وحكى كسر صادها؛ ومعناها في الأصل الحجارة البيض الرخوة وبها سميت البصرة، والنسبة إليها بكسر الباء على الفصيح وهو مما خرج عن القياس في باب النسب، وقيل للفرق بين النسب إلى الحجارة وإلى البلد.
وخلف في الكوف والرمز (كفى) ... وهم بغير عاصم لهم (شفا)
أي في الكوفة؛ والكوف والكوفات من أسماء الكوفة، يريد أن خلفا داخل في الكوفيين الذين هم عاصم وحمزة والكسائي كما تقدم من قوله ثلاثة من كوفة، فعاصم وإنما أدخله فيهم لأن مادة قراءته منهم ولا يخرج عن قراءتهم ولا عن قراءة أحدهم كما تقدم قوله والرمز كفا: أي ورمز الكوفيين وخلف فيهم كفا.
فيكون مدلول كفا لعاصم وحمزة والكسائي وخلف، واختار ذلك لهم لخفته وسهولة دلالته عليهم من حيث الاشتقاق الأكبر ولدلالته على الكفاية وهي مما يثنى به على القراءة كقوله: كفلها الثقل كفا، أو على القارئ كقوله: فرح ظهر كفا أو عليهما، نحو قوله: وقبلا كسر أو فتحا ضم حق كفا؛ قوله وهم الخ يعني رمز هؤلاء بغير أن يكون معهم عاصم شفا فيكون مدلول شفا لحمزة والكسائي وخلف، واختار لهم ذلك لأنه كثيرا ما يرد في الشاطبية لحمزة والكسائي فيكون معينا لحافظ أحد الكتابين كما ذكره في الرمز الحرفي ولحسن دلالته أيضا ولكثرة التصرف في معانيه، فإنه يأتي اسما بمعنى حرف الشيء وطرفه، كقوله تعالى «شفا جرف هار» وبمعنى البقية وبمعنى القليل كقولهم: ما بقى منهم إلا شفا، ويأتي نحو شفا الله، وقد استعمله الناظم بحسب ما يناسبه من المعاني تارة اسما وتارة فعلا وتارة قد يحتملهما.
وهم وحفص (صحب) ثم (صحبه) ... مع شعبة وخلف وشعبه
Bogga 20
أي رمز هؤلاء الثلاثة ومعهم حفص صحب، فيكون مدلول صحب لحمزة والكسائي وخلف وحفص وهو جمع صاحب كراكب وركب وهو أخف من صحاب الذي استعمله الشاطبي في مدلول حمزة والكسائي وحفص (قوله ثم صحبة) أي رمز صحبة للثلاثة المذكورين ومعهم شعبة فيكون مدلول صحبة لحمزة والكسائي وخلف وشعبة وهو أيضا جمع صاحب كفارة وفرهة وهو في الشاطبية لحمزة والكسائي وشعبة فوافقه الناظم أيضا (قوله وخلف الخ) وأول البيت الآتي يعني ورمز خلف وشعبة صفا، لأنه يأتي في الشاطبية لشعبة، ولأنه يأتي اسما مقصورا جمع صفاة: وهو الحجر الأملس، وممدودا وهو خلاف الكدر وفعلا من ذلك ومن الخلاصة:
(صفا) وحمزة وبزار (فتا) ... حمزة مع عليهم (رضى) أتى
أي ورمز حمزة مع خلف فتا، لأن الفاء لحمزة فيسهل استحضاره وخلف من جملة رواته؛ والفتى الكريم والسخي والشاب، ويستعمل في الكامل الأخلاق وذي الصفات الجميلة، وقوله: رضى: يعني أن رمز حمزة إذا اتفق مع الكسائي (رضي) لأن الراء رمز الكسائي وهو صاحب حمزة وهو مصدر يوصف به للمبالغة في الثناء ويكون بمعنى المرضى.
وخلف مع الكسائي (روى) ... وثامن مع تاسع فقل ثوى
أي رمز خلف مع الكسائي روى فإن الراء للكسائي وخلف من الآخذين عنه وروى يأتي اسما ممدودا بمعنى أنه حلو وعذب ولطيف، يقال ماء روا إذا وصفته بذلك،
ويأتي فعلا من الرواية ومن الرواء أيضا على لغة طيء، يقال رويت من الماء ورويت منه على قلب الياء ألفا في لغتهم (قوله وثامن الخ) أي ورمز أبي جعفر ويعقوب (ثوى) لأن الثاء رمز أبي جعفر فيسهل تناوله ومعناه أقام؛ يقال ثوى بالمكان: إذا أقام به ثواء بالمد.
ومدن (مدا ) وبصري (حما) ... والمدني والمك والبصري (سما)
يعني رمز المدني وتقدم أنه عبارة عن نافع وأبي جعفر مدا من أجل سهولة النظم ومبادرة دلالته على ذلك من حيث الاشتقاق كما ذكره في كفا للكوفيين ومعناه كفاية (قوله: وبصرى) أي رمز البصرى الذي هو أبو عمرو ويعقوب حما،
Bogga 21
لأن الحاء رمز أبي عمرو فيبادر إليه ولأن يعقوب كثير الموافقة له، ومعناه الممنوع من القرب منه والتعرض إليه، ويجيء ممدودا ومعناه المدافع عنه، يقال حاميت عن فلان حمى: أي ناءيت عنه ودافعت (قوله: والمدني الخ) أي رمز المدني والمكى والبصرى سما فيكون مدلوله لنافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، وقد وافق الشاطبية على ذلك إلا أنه أدخل فيهم أبا جعفر ويعقوب ومعناه علا وارتفع، وقد يأتي اسما من الممدود وهو كل ما علاك؛ والسماء أيضا المطر والسماء واحد السموات يذكر ويؤنث.
مك وبصر (حق) مك مدني ... (حرم) و (عم) شامهم والمدني
أي رمز المكى والبصرى حق فيكون مدلوله لابن كثير وأبي عمرو ويعقوب وتبع فيه الشاطبية أيضا (معناه خلاف الباطل) قوله مك أي رمز المكى والمدني حرمى وهو مما تبع فيه الشاطبية أيضا إلا أنه أدخل فيه أبا جعفر وأصله حرمى نسبة إلى الحرمين الشريفين فخفف (1) كما خفف غيره من المكى والمدني ونحو وأجرى مجرى المنقوص، ومن ذلك قول الشاعر:
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها ... لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
(قوله: وعم) أي رمز لابن عامر ونافع وأبي جعفر تبع في ذلك الشاطبي أيضا وهو يأتي اسما وفعلا ومركبا من حرف واسم؛ فمن الإسم العم أخو الأب والعم الجماعة من الناس والمحترم منهم، والفعل من العموم ومن المركب «يتساءلون» أصله عن ما فأدغم وحذف ألف الاستفهام.
و (خبر) ثالث ومك (كنز) ... كوف وشام ويجيء الرمز
يعني ورمز (حبر) لأبي عمرو وابن كثير ومعناه العالم المقتدي به فوافق كون الحاء لأبي عمرو وهو أحد أصحاب ابن كثير الذي مادة قراءته منه فكأنهما واحد.
قوله: (كنز) أي ورمز كنز للكوفيين وابن عامر ووافق أن الكاف لابن عامر فيبادر الفهم إليه ومعناه المال المجموع والمدفون والمدخر؛ وفي الجملة فكل هذه
Bogga 22
الكلمات دالة على الثناء بالكفاية والصحبة والاصطحاب والصفا والفتوة والرواية والثبات والحماية والسمو، ونحو ذلك قوله: ويجيء الرمز. لما فرغ من الرموز الحرفية والكلمية أخذ في بيان فروعهما في كتابه، ثم ذكر مصطلحه فقال ويجيء الرمز: يعني من الكلمى والحرفي بعد حرف القراءة وقبله كما سيأتي في البيت الآتي بعد.
قبل وبعد وبلفظ اغنى ... عن قيده عند اتضاح المعنى
مثاله بعد الحرف وهو الغالب قوله:
من الحرفى وأزال في أزل ... فوز وآدم انتصاب الرفع دل
ومن الكلمى ينزل خف حق، وقوله: والغيث مع منزلها حق شفا، ومن الكلمى والحرفي جميعا: مالك نل ظلا روى، وقوله ويكتمون حبر صف، وقوله وكسر حج عن شفا، ومثاله قبل الحرف في الحرفي قوله: وصف يمسك خف، وفي الكلمى وعم يرتدد ومنهما جميعا ودم رضا حلا الذي يبشر قوله: (وبلفظ أغنى الخ) يعنى أنه ربما يلفظ بالقراءة في بعض المواضع من غير تقييد وذلك حيث المعنى وأمن اللبس إما بالوزن أو بالخط أو بهما فتارة يلفظ بإحداهما ولا يقيد الأخرى لشهرتها كقوله: مالك نل ظلا، روى السراط مع سراط زن خلفا غلا كيف وقع وتارة يلفظ بإحداهما ويقيد الأخرى كقوله: تفجر الأولى كتقتل ظبا، وتارة بلفظ بالقراءتين معا من غير تقييد لواحدة منهما، كقوله وما يخادعون يخدعون كنز ثوى، وتارة يلفظ بالقراءتين ويقيد بعض الأخرى كقوله: وفي وطأ وطاء واكسر أحزكم (1).
وأكتفي بضدها عن ضد ... كالحذف والجزم وهمز مد
يعني أنه إذا كان قيد القراءة ضد للقيد الآخر فإنه يكتفي بذكر أحدهما عن الآخر للاختصار فإن الضدين يدل على الآخر كالحذف مثلا، فإن ضده الإثبات وبالعكس؛ وفي معنى الإثبات قوله زد، وفي معنى الحذف قوله دع، وكالجزم
Bogga 23
ضده الرفع ولكنه لا ينعكس، لأنه ذكر بعد ذلك أن الرفع ضده النصب وكالهمز ضده عدم الهمز وبالعكس وكالمد ضده القصر وبالعكس وكالتحريك ضده التسكين
وبالعكس، وكالتنوين ضده عدم التنوين وبالعكس ، وكالنقل ضده عدم النقل وبالعكس، وكالإمالة ضدها الفتح ولا عكس لأنه ذكر أن ضد الفتح الكسر وسيأتي كالإدغام ضده الإظهار وبالعكس، وكالجمع ضده التوحيد وبالعكس، وكالغيب ضده الخطاب وبالعكس وكالتذكير ضده التأنيث وبالعكس وكالتخفيف ضده التشديد وبالعكس وكالاختلاس ضده الإتمام؛ أي إتمام الحركة ولا ينعكس لاختلاف الحركات، وكالتغليظ ضده الترقيق وبالعكس وكذلك التفخيم، وكالقطع ضده الوصل وبالعكس، وكالإهمال ضده الإعجام وتسمية الفاعل ضدها تجهيله وبالعكس، وكل ذلك سيأتي في موضعه فلا حاجة إلى ذكر أمثلته هنا.
ومطلق التحريك فهو فتح ... وهو للاسكان كذاك الفتح
أي إذا أطلق التحريك فإن المراد به الفتح دون الضم والكسر كقوله وكسفا حركا عم نفس. يعني فتح السين بخلاف ما إذا قيد كقوله: نصب إضم حركا به عفا ومقابله الإسكان فيكون ضده سواء كان التحريك مطلقا أو مقيدا كالفتح مع الكسر وكالنصب مع الخفض وكالنون مع الياء؛ فكل من هذه الأربعة يقابل الآخر ويكون ضدا له طردا وعكسا قوله: (وهو للإسكان) أي والتحريك المطلق طردا وعكسا كقوله: حسنا فضم اسكن نها حز عم دل، قوله: والدرك سكن كفا قوله:
(كذاك الفتح) أي مثل الفتح للكسر كما سيأتي طردا وعكسا كقوله، واتخذوا بالفتح كم أصل، وقوله: وفتح السلم حرم رشفا.
للكسر والنصب لخفض إخوة ... كالنون لليا ولضم فتحة
أي النصب للخفض طردا وعكسا كقوله: وأرجلكم نصب ظبا عن كم أضا، وقوله: أخفض نوره صحب دد ووجه كون هذه الأربعة إخوة لأضدادها جعل كل اثنين منهما يغنى ذكر أحدهما عن الآخر قوله: (كالنون) يعني كذلك النون أخ للياء طردا وعكسا كقوله: نجمعكم نون ظبا، وقوله: ويا سنوتيهم فتا قوله:
(ولضم فتحة) أي وجعل أيضا للضم الفتح ضدا طردا وعكسا كما سيأتي في البيت الآتي كقوله: ضم يخافا فز ثوى، وليس في شيء من هذه إشكال لأن أضداد هذه
Bogga 24
الثلاثة لا يأتي بها إلا مقيدة كقوله: أولاد نصب شركائهم يجر ومثله لا يعقلون خاطبوا وتحت عم، وقوله: يقبل أنث حق. فإن قيل ذكر هذا تكرار لأن قوله وبلفظ أغنى عن قيده عند اتضاح المعنى. فالجواب أن قوله عند اتضاح المعنى يرده، وليعلم أيضا أن هذه الثلاثة لم تأت في جميع الكتاب مطلقة بل المراد أنها إذا أطلقت من غير قيد يكون كذلك وذلك بحسب ما تيسر في النظم، وإلا فقد وردت مقيدة في كثير من المواضع كقوله: قتل ارفعوا يقول يا فز يعملو، وقوله غيبا وما تشاءون، وقوله خف تساقط في علا ذكر صدا.
كالرفع للنصب اطردن وأطلقا ... رفعا وتذكيرا وغيبا حققا
أي كذل جعل الرفع ضد النصب كقوله: يقول ارفع ألا العفو حسنا. وقوله اطردا: يعني أن هاتين الحركتين المذكورتين (1) وهما الضم والرفع يكون ضدهما الفتح والنصب كما ذكر على وجه الطرد من غير عكس؛ لأنه تقدم أن الفتح ضده الكسر والنصب ضده الخفض طردا وعكسا، وقوله أطلقا الخ؛ يعني أنه ذكر هذه الأحوال الثلاثة وهي الرفع والتذكير والغيب مطلقة ويريد بها التقييد: أي يعلم من إطلاقه لها أنها المرادة لا أضدادها كقوله: وصية حزم صفا ظلا رفه، وقوله:
يكون إذ حما نفا، وقوله: ويغلبون يحشرون رد فتا، وقد جمع الثلاثة في بعض بيت وهو قوله: خالصة إذ يعلموا الرابع صف يفتح في روى.
وهذه أرجوزة وجيزة ... جمعت فيها طرقا عزيزه
ولما فرغ من اصطلاحه أخذ في ذكر منظومته وما ذكر فيها، فقال وهذه إلى آخر الأبيات وأرجوزة أفعولة من الرجز، وهو ضرب من الشعر؛ سمى بذلك لتقارب أجزائه وقلة حروفه، وجيزة: أي مختصرة من أوجزت الكلام: إذا اختصرته وقصرته مع توفية المعنى، وطرقا: أي روايات ومذاهب، وعزيزة: أي قليلة الوجود كثيرة الدلالة عظيمة القدر.
ولا أقول إنها قد فضلت ... حرز الأماني بل به قد كملت
فضلت: أي غلبت في الفضل، من فاضله ففضلته إذا غلبته في الفضل،
Bogga 25
وكملت: أي تمت انتهت وجاءت كاملة من غير نقص، وفي كملت ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها وهو أقلها، ووجه كما لها بحرز الأماني أن ناظمها هو المتقدم، والفضل للمتقدم: وأنه الفاتح لهذا الباب والآخذ من كل فضل بأسباب ومقترح ذلك المصطلح، وما وصل صاحب هذه الأرجوزة إلى ما وصل إلا ببركة ذلك الكتاب، وحفظه له حالة الصغر منذ كان في الكتاب، ولولاه لم يصل إلى هذه الرتبة ولم يكن له من هذا العلم نصيب ولا حبة، فالله تعالى يتغمده بالرحمة والغفران ويبوئه في الدار الآخرة أعلى الجنان.
وحرز الأماني هي الشاطبية نظم الإمام ولى الله أبي القاسم بن فيرة ابن خلف الرعينى الشاطبي شيخ الإقراء بالديار المصرية رحمه الله تعالى وجزاه عنا خيرا، توفى في ثامن عشر جمادى الأخرى سنة خمسمائة وتسعين بقاهرة مصر.
حوت لما فيه مع التيسير ... وضعف ضعفه سوى التحرير
أي جمعت هذه الأرجوزة لما في حرز الأماني ولما في كتاب التيسير من القراءات والطرق والروايات ومثله ومثل مثله، وبيان ذلك تقدم عند قوله: وهذه الرواة عنهم طرق، ويجوز في ضعف النصب عطفا على موضع لما فيه والخفض عطفا على ما والتيسير أيضا، وضعف الشيء: مثله، وضعف ضعفه: مثل مثله، وضعفاه: مثلاه، ولو قيل
وضعف ضعيفه لجاز وصح ولعله أولى، قوله سوى التحرير: أي غير ما فيها من الإتقان والتحقيق والتقويم، ومن نظر في ذلك بعين الإنصاف علم ذلك بحقه.
ضمنتها كتاب نشر العشر ... فهي به (طيبة) في النشر
يعني كتاب نشر العشرة وهو كتاب القراءات الذي ألفه الناظم يرجو به رضى الله عنه جزيل ثوابه، ولا حاجة إلى زيادة في وصفه وإطنابه، فإن من وقف عليه علم مقداره حتى قال بعض العلماء من المصنفين: لا تصح رواية القراءة لأحد بعد تأليفه حتى يطلع عليه، وسميت هذه الأرجوزة طيبة؛ وفي تسميتها بذلك تورية حسنة تامة تخدم في معان من طيب الرائحة ومن الحياة ومن البسط ومن الإذاعة ومن كتاب النشر.
وها أنا مقدم عليها ... فوائدا مهمة لديها
Bogga 26