Sharh Talcat Shams
شرح طلعة الشمس على الألفية
Noocyada
يقول: لهم ذلك، ونحن نقول: لا، وعليه كثير من قومنا، وكذلك إن قال لزوجته: إن أكلت تمرا ثم خبزا ثم لحما، فأكلت الجميع على الترتيب من غير مهلة بين الأكلين، أو قرنت الجميع في الأكل، أو قدمت المؤخر من ذلك، أو أكلت شيئا دون شيء، فإنها لا تطلق في جميع ذلك ما لم ينو الطلاق بذلك، وإنما تطلق بما إذا أكلت الأول ثم الثاني ثم الثالث على التراخي، كما هو ظاهر الأثر، وبه أفتى القطب متعنا الله بحياته، فلا عبرة بخلاف من نازعنا في ذلك، وإن كان غير خارج عن محل الاجتهاد، ولكن الصحيح في باب الحكم هو ما قدمته لك جريا على حقيقة ثم، إذ لا سبيل إلى العدول عن الحقيقة إذا أمكنت إلا بقرينة تدل على أن المراد غيرها، كما مر تحقيقه، وتستعمل ثم مجازا بمعنى الفاء، كما في قول الشاعر:
كهز الردينى تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثم اضطرب
إذ المعنى: فاضطرب، إذ ليس بين الجري في الأنابيب وبين اضطراب الرمح مهلة، وتستعمل أيضا بمعنى الواو مجازا، كما في قوله تعالى: { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } (الزمر: 6) (1)، والجعل قبل خلقنا، وكما قوله - صلى الله عليه وسلم - : "من حلف على يمين، ورأى غيرها خيرا منها؛ فليكفر عن يمينه، ثم ليأت بالذي هو خير"، وإنما حملناه على ذلك عملا بالرواية الأخرى، "فليأت بالذي هو خير، ثم ليكفر عن يمينه"، فإن ثم في هذه الرواية على حقيقتها، إذ الكفارة واجبة بعد الحنث إجماعا، وهذه الرواية هي المشهورة، ولا تعارضها الرواية الأولى؛ لأنها غير مشهورة، وقد أشكل على بعض النحاة وجه مجيء ثم بمعنى الفاء، فأنكر إفادتها المهلة لذلك، وأشكل على بعضهم وجه مجيئها بمعنى الواو، فأنكر إفادتها الترتيب لذلك، والحق أن مجيئها للتراخي هو حقيقة وضعها، وأن مجيئها لغير ذلك مجاز، والله أعلم.
ثم إنه أخذ في بيان حكم: بل، فقال:
وبل للإعراض عن المعطوف ... عليه مع تدارك المخوف
فيثبت الأخير إن قال علي ... فلس بل اثنان لذياك الفتي
وتثبت الثلاث إن طلقها ... واحدة بل اثنتين عقها
__________
(1) - المؤلف كتب الآية بالشكل التالي: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها". وهو تصحيف، فليتأمل.
Bogga 228