187

Sharh Talcat Shams

شرح طلعة الشمس على الألفية

Noocyada

قال صاحب المنهاج: لكن ما زعموه باطل؛ لأن الوصف بالحقيقة، والمجاز، إنما يجري على الألفاظ فقط؛ لأنها هي المستعملة دون القرائن، والقرائن لا تختص بالألفاظ إذ قد تكون شاهد حال، وغير ذلك مما ليس من فعل المتكلم، ومنعت الظاهرية وقوع المجاز في القرآن لوجهي:

أحدهما: أنهم قالوا بقبح وقوعه في القرآن؛ لأنه كذب بدليل أنه يصح نفي مثبتة فيصدق النفي ألا ترى أنه يصدق قولك لمن قال: إن زيدا حمار، إنه ليس بحمار، فلو كانت الجملة الأولى صادقة لم يصدق نفيها.

وثانيهما: إنهم قالوا: لو وقع المجاز في القرآن لزم أن يوصف الباري سبحانه بأنه متجوز.

- وأجيب عن الوجه الأول: بأن المجاز يمتاز عن الكذب بالقرينة المنصوبة على المعنى المراد منه، والكذب لا قرينة معه، فالمجاز صدق لا قبح فيه، وإنما يكذب نفي المثبتة حيث توجه النفي والإثبات إلى معنى واحد والنفي في هذه الصورة لم يتوجه إلى المثبت بل إلى غيره فهو صدق، فالمنفي هو غير المعنى الذي أثبته في المجاز.

- وأجيب عن الوجه الثاني: بأن أسماء الله تعالى متوقفة على الأذن السمع؛ ولأنه يوهم أنه يتهاون بفعل قبيح، أو صغير، كما في الشاهد؛ إذا قلنا: فلان يتجوز في الأمور، وما أوهم الخطأ امتنع إطلاقه على الله حقيقة كان أو مجازا، وأيضا فنحن نقطع أن المجاز وقع في القرآن وذلك نحو: قوله تعالى: { واسأل القرية التي كنا فيها } والمراد أهلها، وقوله تعالى: { فوجد فيها جدارا يريد أن ينقض }، وليس بجدار إرادة، لكن شبهت حالته بحالة من يفعل الشيء عن إرادة، وقوله تعالى حكاية عن قول فرعون: { يا هامان ابن لي صرح }، وليس هامان هو الباني حقيقة، لكن بأمره يكون البناء، وقوله تعالى: { واخفض لهما جناح الذل }، وليس للذل جناح لكن شبه الولد بطائر له جناحان، جناح ذل، وجناح تعزز، فأمر بخفض جناح الذل لهما، ومما روي أن رجلا من منكري المجاز في اللغة اعترض أبا تمام لما قال في شعره:

لا تسقني ماء الكآبة إنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي

Bogga 206