168

Sharh Talcat Shams

شرح طلعة الشمس على الألفية

Noocyada

واعلم أن أكثر القائلين بجواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة جوزوا تأخير المخصص إلى وقتها أيضا، وهو الذي ذهب إليه البدر رحمه الله تعالى، وإن المانعين من تأخير البيان مطلقا قالوا بمنع تأخير التخصيص، قالوا لأن العموم إذا ورد غير مخصص، وكان المراد منه التخصيص أفضى ذلك إلى التلبيس على السامع، والشرع على خلاف ذلك وذهب أبو الحسن الكرخي، وبعض الشافعية، إلى الفرق بين تأخير البيان، وتأخير التخصيص، فجوزوا تأخير البيان دون تأخير التخصيص واختاره صاحب المنهاج، وحجتهم في منع تأخير التخصيص هي حجة الأولين في حصول التلبيس على السامع ونحن لا نسلم أنه تلبيس بل نقول: إنه مأمور بمقتضى العموم بحسب الظاهر فإن كان المراد من العموم بعضه فلا يشرع المكلف في العمل إلا والمخصص وارد عليه، فإن تأخر المخصص حتى عمل بالعموم صار المخصص ناسخا لبعض العموم لا مخصصا له والحجة لنا على جواز تأخير التخصيص أيضا قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم } الآية، ولم تسمع فاطمة: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، فطلبت ميراثها من أبيها، وقوله تعالى: { اقتلوا المشركين كافة }، ولم يسمع أكثر الصحابة قوله عليه الصلاة والسلام في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، لا يقال إن الذي يشترط وجوده هو اقتران المخصص بالعام لا فهم المخاطب التخصيص ولا علمه به، لأنا نقول أن من يمنع من تأخير التخصيص إنما يمنعه فرارا من حصول التلبيس على السامع من ذكر العموم أولا، ثم سماع بعض المخاطبين لذلك، وأيضا فلو لم يصح تأخير المخصص إلى وقت الحاجة إليه لما نقلت الآية العامة المراد بها الخصوص، أو الحديث العام المراد به الخصوص أيضا، إلا وهو مقترن بمخصصه، ومن المعلوم أن الآيات العامة والأحاديث العامة أيضا قد نقلتها الصحابة والتابعون ممن بعدهم، ولم يقرنوها بمخصصها غالبا بل ربما ينقل العام من الصحابة من التابعين، وتابع التابعين إلى زمامنا هذا فكان ذلك كالإجماع على جواز تأخير المخصص، وأيضا فإن المشاهدة في زمامنا أن أكثر الناس بل وأكابر العلماء يسمعون خطاب الشرع وغالبها مخصص، ولا يطلعون على مخصصها غالبا إلا بعد شدة البحث عن الاطلاع عليه، وإغراق النظر في طلب الوقوف لديه، ولو لم يكن تأخير مخصص جائزا ما احتيج إلى هذا الحال في طلب الوقوف عليه، وأيضا فإن تأخير البيان جائز بما تقدم من الأدلة، فتأخير المخصص مثله إن لم يكن أول منه بالجواز، قال البدر الشماخي: -رحمه الله تعالى- وجائز تأخير بعض المخصصات عن بعض نحو: اقتلوا المشركين، ثم أخرجت أهل الذمة، ثم المرأة، ثم العبد على التدريج، ومنعه بعض؛ يعني إنه إذا كان للعام الواحد جملة مخصصات فيصح أن تتعاقب تلك المخصصات، ولا يجب أن ترد جملة واحدة كما في الآية التي ذكرها، وكما في آية الميراث، أخرج منها: القاتل، والكافر بتدريج، ومنعه بعض القائلين بجواز تأخير التخصيص؛ لأن فعله في البعض يوهم وجوب الباقي من العام

بعد التخصيص الأول.

وأجيب: بأنه إذا لم يمنع إيهام الوجوب بمقتضى العام من تأخير التخصيص فمن الأولى أن لا يمنع إيهام وجوب الباقي بعد التخصيص؛ لأنه بعض ذلك والله أعلم ثم قال:

وهكذا يجوز للرسول ... تأخيره عن زمن النزول

Bogga 187