9

Sharh Siyar Kabir

شرح السير الكبير

Daabacaha

الشركة الشرقية للإعلانات

Sanadka Daabacaadda

1390 AH

يُبْتَلَى بِهَذَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ لَمَّا سُوِّيَ التُّرَابُ عَلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵁ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ فَارْتَجَّ الْبَقِيعُ بِالتَّكْبِيرِ. فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: إنَّهُ ضَغَطَهُ الْقَبْرُ ضَغْطَةً اخْتَلَفَتْ مِنْهَا أَضْلَاعُهُ، ثُمَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ. وَلَوْ نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَنَجَا هَذَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ» . وَلَكِنْ فِي حَدِيثِ «عَائِشَةَ ﵂ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: تِلْكَ الضَّغْطَةُ لِلْمُؤْمِنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدَةِ الشَّفِيقَةِ يَشْكُو إلَيْهَا ابْنُهَا الْبَارُّ بِهَا الصُّدَاعَ، فَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهِ تَغْمِزُهُ، وَهِيَ لِلْمُنَافِقِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْضَةِ تَحْتَ الصَّخْرَةِ» . وَمَعْنَى هَذَا الْوَعْدِ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ يُؤَمِّنُ الْمُسْلِمِينَ بِعَمَلِهِ فَيُجَازَى فِي قَبْرِهِ بِالْأَمْنِ مِمَّا يَخَافُ مِنْهُ. أَوْ لَمَّا اخْتَارَ فِي حَيَاتِهِ الْمُقَامَ فِي أَرْضِ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ لِإِعْزَازِ الدِّينِ يُجَازَى بِدَفْعِ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّائِمِينَ إذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْتَوْنَ بِالْمَوَائِدِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ عِطَاشٌ فِي الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُمْ اخْتَارُوا الْجُوعَ وَالْعَطَشَ فِي الدُّنْيَا فَجَازَاهُمْ اللَّهُ بِإِعْطَاءِ الْمَوَائِدِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَوْلُهُ: «وَأَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ وَنَمَّى لَهُ عَمَلَهُ» فَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﷿ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [النساء: ١٠٠] . وَقَالَ ﵇: «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَجَّةً مَبْرُورَةً فِي كُلِّ سَنَةٍ» . فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَيْضًا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَابِطِ إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا فِيمَا يُجْرَى لَهُ فِي الثَّوَابِ.

1 / 9