Sharh Riyadh al-Salihin - Hutaybah
شرح رياض الصالحين - حطيبة
Noocyada
لا يجوز الستر على من سرق مال الآخرين
ذكر أحد الإخوة أنه يعمل مراجع حسابات في مكان ما، والمحاسب الموجود يسرق المال كل يوم، فيقول: لو أخبرت أصحاب الشركة فسيخرجونه، وعنده عيال وأسرة.
فنقول: هذا المراجع أمين على المال، وصاحب الشركة أتى بك من أجل أن يطمئن على حساباته، فأنت أمين لصاحب المكان.
إذًا: في هذه الحالة تأمر هذا المحاسب الذي يمد يده على المال أن يرد المال كله، فإذا رده كله فعليك أن تراقبه بعد ذلك هل ما زال يمد يده ويأخذ المال أم لا، وإذا استمر كما كان فلا فائدة فيه، وفي هذه الحالة قل لصاحب العمل: فلان هذا حرامي أخرجه من هذا المكان؛ لأنك أمين لصاحب العمل، ولولا أنه لا يقدر على إدارة عمله لما أتى بك، فأنت أمين له.
أما أن تستر على هذا الإنسان الذي يمد يده كل يوم ويسرق من هذا المال فلا يجوز، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله ﵎ عنه لما كان خازنًا على زكاة الفطر، فجاء إنسان يسرق من زكاة الفطر، فأمسك به أبو هريرة، وقال: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ، فلم ينكر عليه النبي ﷺ قوله له: لأرفعك إلى النبي ﷺ، ولا قال له: استر عليه، أو لماذا لم تستر عليه؟ لأنه أمين قائم مقام النبي ﷺ في حراسة هذا المال، وقائم مقام المسلمين في حراسته.
فلما شكا إليه حاجة وعيالًا قام أبو هريرة واجتهد أن هذا المال زكاة الفطر، وسيوزع على الناس المستحقين، ويمكن أن هذا من ضمن المستحقين، فتركه.
إذًا: أبو هريرة اجتهد في هذه الحالة، وليس هذا تضييعًا لأمانة المسلمين، بل أبو هريرة حافظ لهذه الأمانة، ولكنه رأى أن زكاة الفطر تجمع من أجل أن توزع على الفقراء، وهذا فقير صاحب حاجة وعنده عيال ويبكي من شدة الفقر، فهو مستحق لهذا المال.
وفي اليوم التالي قال له النبي ﷺ: (ما فعل أسيرك البارحة)، أي: الذي أمسكته البارحة ما الذي حصل منه؟ فقال: (يا رسول الله! شكا إلي حاجة وعيالًا، فقال: كذبك وسيأتيك)، أي: سيأتي إليك مرة ثانية.
فهنا كأن أبا هريرة قال للنبي ﷺ حصل كذا وكذا وشكا كذا فرحمته، والمال زكاة الفطر فلذلك أعطيته منه، أو أنه سرق ومشى، ثم أتى مرة ثانية وثالثة، وفي النهاية لما أصر أن يرفعه للنبي ﷺ قال: دعني أعلمك شيئًا ينفعك الله به، فقال أبو هريرة: علمني، فقال: اقرأ قبل أن تنام آية الكرسي، فتركه أبو هريرة، وفي الصباح سأله النبي ﷺ: (ما فعل أسيرك البارحة) فالوحي كان يأتي النبي ﷺ ويخبره أنه حصل كذا وكذا، فقال: إنه قال: أعلمك شيئًا ينفعك الله به، وعلمني آية الكرسي أقرؤها قبل أن أنام، فقال: (صدقك وإنه لكذوب)، فهو كذاب ولكن في هذه فقط صدقك.
ثم قال: (أتدري من تقاتل منذ ثلاث؟ قال: قلت: لا، قال: إنه شيطان) فهو شيطان كان يأتي ويسرق كل يوم، فلما أمسكته علمك شيئًا ينفعك الله ﷿ به، فصدقك فيه وكذبك في الباقي حينما كان يقول: إنه محتاج وإنه ذو عيال.
والشاهد من هذا: أن أبا هريرة كان أمينًا على هذا المال، وقال: لأرفعنك إلى رسول الله ﷺ، ولم ينكر عليه النبي ﷺ ذلك، فيؤخذ منه أنك إذا كنت أمينًا على مال، ورأيت من يسرق هذا المال، فلك أن ترفعه لصاحب المال، ولك أن تأخذ منه هذا المال وتطرده وانتهى الأمر، هذا إذا كان من خارج.
أما إذا كان من ضمن العمال الذين يشتغلون في المحل، وأنت مراجع فوقه، وهو كل يوم يسرق من المال، فلو سكت عليه فأنت مضيع للأمانة، قد تقول: عنده عيال وزوجة ونحو ذلك، فهنا تلزمه برد المال الذي أخذه، ثم بعد ذلك تبعده عن هذا المال، ولا تتركه يشتغل في هذا المال، وعليك أن تنبه صاحب العمل، فإذا عرفت منه أنه تاب من هذا الشيء وأنه لن يرجع ولك عليه سلطان المراقبة، فأقل شيء أن تلزمه بإرجاع المال كله، وتراقب بعد ذلك، فإن رأيت أنه رجع مرة ثانية لمد اليد، فهنا تنصح صاحب العمل أن فلانًا هذا ليس أمينًا، وتأمره أن يشغله في مكان آخر بعيد عن المال، أو يخرجه من العمل.
إذًا: لا ينبغي أن أرى السارق يسرق من المال وأنا ساكت عليه، وأقول: أستر عليه، وحديث (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) ينافي ذلك، فأنت لم تأخذ على يد السارق، ولم تمنعه من السرقة، ولم تنبه صاحب العمل أن ماله يسرق، بل تركت الحالتين فخنت الاثنين، لا نصحت هذا ولا نصحت ذاك.
إذًا: الستر على الإنسان يكون فيما إذا كان الحق بينه وبين الله ﷿؛ لأن الحقوق إما حق لله ﷿، وإما حق للبشر، والله تعالى أكرم الأكرمين، ويسامح سبحانه ويعفو ويتكرم، فإذا وجدنا إنسانًا على زنا -والعياذ بالله- إذًا فهنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونمنع من المعصية، ولكن في النهاية إذا قدرنا على الستر كان أفضل.
أما أن أستره وأتركه يفعل ما يريد فلا، فلابد أن أزجر الاثنين، ولكن لا أفضحه بين الناس.
أما من يفضح نفسه في الدنيا ويتكلم عن نفسه أنه يفعل كذا، وأنه يخلو بواحدة ويفعل معها كذا، وأنا أعرف أنه يدخل بيت فلان، فلابد أن أحذر هؤلاء منه، وأقول لهم: خذوا حذركم، فلان هذا لا تدخلوه بيتكم؛ لأنه يفتخر بين الناس أنه يفعل الفاحشة.
إذًا: المجاهر بالمعاصي أحذر الناس من مثله، حتى يحذر منه الذين لا يعرفونه، ويتأكد من حاله الذين يعرفونه فيقاطعونه ويمنعونه من هذا الشيء إذا وقع فيه، ولا أسكت على صاحب هذه المعصية.
6 / 6