Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Baare
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وشبيه بهذا المعنى قول الفضل بين الربيع في أيام فتنة الأمين يذكر حاله وحال أخيه المأمون : إنما نحن شعب من أصل ، إن قوي قوينا ، وإن ضعف ضعفنا ، وإن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء ، يشاور النساء ، ويقدم على الرؤيا ، قد أمكن أهل الخسارة واللهو من سمعه . فهم يمنونه الظفر ، ويعدونه عقب الأيام ، والهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل ، ينام نوم الظربان ، وينتبه انتباه الذئب ، همه بطنه وفرجه ، لا يفكر في زوال النعمة ، ولا يروي في إمضاء رأي ولا مكيدة ، قد شمر له عبد الله عن ساقه ، وفوق إليه أسد سهامه ، يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ ، والموت القاصد ، قد عبأ له المنايا على متون الخيل ، وناط له البلايا بأسنة الرماح وشفار السيوف ، فهو كما قال الشاعر :
لشتان ما بيني وبين ابن خالد . . . أمية في الرزق الذي الله يقسم
يقارع أتراك ابن خاقان ليله . . . إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم
وآخذها حمراء كالمسك ريحها . . . لها أرج من دنها يتنسم
فيصبح من طول الطراد وجسمه . . . نحيل وأضحي في النعيم أصمم
وأمية المذكور في هذا الشعر ، هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ابن عبد شمس ، كان والي خراسان ، وحارب الترك . والشعر للبعيث .
يقول أمير المؤمنين عليه السلام : شتان بين يومي في الخلافة مع ما انتقض علي من الأمر ومنيت به من انتشار الحبل واضطراب أركان الخلافة ، وبين يوم عمر حيث وليها على قاعدة ممهدة ، وأركان ثابتة ، وسكون شامل ، فانتظم أمره ، واطرد حاله ، وسكنت أيامه .
قوله عليه السلام : فيا عجبا ، أصله فيا عجبي ، كقولك : يا غلامي ، ثم قلبوا الياء ألفا ، فقالوا : يا عجبا ، كقولهم : يا غلاما ، فإن وقفت وقفت على هاء السكت ، فقلت : يا عجباه ! ويا غلاماه ! قال : العجب منه وهو يستقيل المسلمين من الخلافة أيام حياته ، فيقول : أقيلوني ثم يعقدها عند وفاته لآخر ، وهذا يناقض الزهد فيها والاستقالة منها . وقال شاعر من شعراء الشيعة :
حملوها يوم السقيفة أوزا . . . را تخف الجبال وهي ثقال
ثم جاؤوا من بعدها يستقيلو . . . ن وهيهات عثرة لا تقال !
وقد اختلف الرواة في هذه اللفظة ، فكثير من الناس رواها : أقيلوني فلست بخيركم ، ومن الناس من أنكر هذه اللفظة ولم يروها ، وإنما روى قوله : وليتكم ولست بخيركم . واحتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة . ومن رواها اعتذر لأبي بكر فقال : أقيلوني ، ليثور ما في نفوس الناس من بيعته ، ويخبر ما عندهم من ولايته ، فيعلم مريدهم وكارههم ، ومحبهم ومبغضهم ؛ فلما رأى النفوس إليه ساكنة ، والقلوب لبيعته مذعنة ، استمر على إمارته ، وحكم حكم الخلفاء في رعيته ، ولم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته .
قالوا : وقد جرى مثل ذلك لعلي عليه السلام ، فإنه قاله للناس بعد قتل عثمان : دعوني والتمسوا غيري ، فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا . وقال لهم : فأنا كأحدكم ، بل أنا أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم . فأبوا عليه وبايعوه ، فكرهها أولا ، ثم عهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته .
Bogga 106