Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Baare
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وأما ما قال إنه معنى الكلمة فطريف ، لأنه عليه السلام لم يذكر الأنبياء ولا الملائكة ، لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما ، وأي حاجة إلى هذا التقدير الطريف الذي لا يشعر الكلام به ! ومراده عليه السلام ؛ وهو أن نعمه جلت لكثرتها أن يحصيها عاد ما ، هو نفي لمطلق العادين من غير تعرض لعاد مخصوص . قال الراوندي : فأما قوله : لا يدركه بعد الهمم ؛ فالإدراك هو الرؤية والنيل والإصابة ؛ ومعنى الكلام : الحمد لله الذي ليس بجسم ولا عرض ، إذ لو كان أحدهما لرآه الراؤون إذا أصابوه ، وإنما خص بعد الهمم ، بإسناد نفي الإدراك وغوص الفطن ، بإسناد نفي النيل لغرض صحيح ؛ وذلك أن الثنوية يقولون بقدم النور والظلمة ، ويثبتون النور جهة العلو والظلمة جهة السفل ، ويقولون : إن العالم ممتزج منهما ، فرد عليه السلام عليهم بما معناه : إن النور والظلمة جسمان ، والأجسام محدثة ، والبارئ تعالى قديم .
ولقائل أن يقول : إنه لم يجر للرؤية ذكر في الكلام ؛ لأنه عليه السلام لم يقل : الذي لا تدركه العيون ولا الحواس ، وإنما قال لا يدركه الهمم ، وهذا يدل على أنه إنما أراد أن العقول لا تحيط بكنهه وحقيقته .
وأيضا فلو سلمنا أنه إنما نفى الرؤية ، لكان لمحاج أن يحاجه فيقول له : هب أن الأمر كما تزعم ، ألست تريد بيان الأمرالذي لأجله خصص بعد الهمم بنفي الإدراك ، وخصص غوص الفطن بنفي النيل ! وقلت : إنما قسم هذا التقسيم لغرض صحيح ، وما رأيناك أوضحت هذا الغرض ؛ وإنما حكيت مذهب الثنوية ، وليس يدل مذهبهم على وجوب تخصيص بعد الهمم بنفي الإدراك دون نفي النيل ، ولا يوجب تخصيص غوص الفطن بنفي النيل دون نفي الإدراك ، وأكثر ما في حكاية مذهبهم أنهم يزعمون أن إلهي العالم : النور والظلمة ، وهما جسمان ؛ وأمير المؤمنين عليه السلام يقول : لو كان صانع العالم جسما لرئي ، وحيث لم ير لم يكن جسما ، أي شيء في هذا مما يدل على وجوب ذلك التقسيم والتخصيص الذي زعمت أنه إنما خصصه وقسمه لغرض صحيح ! .
Bogga 48