252

Sharh Nahj Balagha

شرح نهج البلاغة

Tifaftire

محمد عبد الكريم النمري

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1418 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

وأما مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين ، فإنه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة ؛ والأغلب أن تقابل الجملة الماضية بالماضية ، والمستقبلة بالمستقبلة .

وقد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة ؛ فمن ذلك قوله تعالى : ' قل إن ضللت على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي ' ، فإن هذا تقابل من جهة المعنى ، لأنه لو كان من جهة اللفظ لقال : وإن اهتديت فإنما أهتدي لها .

ووجه التقابل المعنوي ، هو أن كل ما على النفس فهو بها ، أعني كل ما هو عليها وبال وضرر فهو منها وبسببها ، لأنها الأمارة بالسوء ، وكل ما لها ينفعها فهو بهداية ربها وتوفيقه لها .

ومن ذلك قوله تعالى : ' ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ' ، فإنه لم يراع التقابل اللفظي ، ولو راعاه لقال : والنهار ليبصروا فيه ، وإنما المراعاة لجانب المعنى ، لأن معنى مبصرا ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات ، وأما مقابلة المخالف ؛ فهو على وجهين : أحدهما : ان يكون بين المقابل والمقابل نوع مناسبة وتقابل ، كقول القائل :

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة . . . ومن إساءة أهل السوء إحسانا

فقابل الظلم بالنمغفرة ، وهي مخالفة له ، ليست مثله ولا ضده ، وإنما الظلم ضد العدل ؛ إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها وبين الظلم ، ونحو هذا قوله تعالى : ' أشداء على الكفار رحماء بينهم ' ، فإن الرحمة ليست ضدا للشدة ، وإنما ضد الشدة اللين ، إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين حسنت المقابلة بينها وبين الشدة .

وكذلك قوله تعالى : ' إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا ' . فإن المصيبة أخص من السيئة ، فالتقابل ههنا من جهة العموم والخصوص .

الوجه الثاني : ما كان بين المقابل والمقابل بعد ؛ وذلك مما لا يحسن استعماله ، كقول امرأة من العرب لابنها ، وقد تزوج بامرأة غير محمودة :

تربص بها الأيام عل صروفها . . . سترمي بها في جاحم متسعر

فكم من كريم من قد مناه إلهه . . . بمذمومة الأخلاق واسعة الحر

فمذمومة ليست في مقابلة واسعة ، ولو كانت قالت : بضيقة الأخلاق ، كانت المقابلة صحيحة ، والشعر مستقيما . وكذلك قول المتنبي :

لمن نطلب الدنيا إذا لم ترد بها . . . سرور محب أو مساءة مجرم !

فالمقابلة الصحيحة بين المحب والمبغض ؛ لا بين المحب والمجرم .

Bogga 66