Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Tifaftire
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وليس له أن يقول : إنما أراد بالمثل وجها واحدا ، وهو وقوعها من غير مشاورة ، لأن ذلك إنما تم في أبي بكر خاصة بظهور أمره واشتهار فضله ، ولأنهم بادروا إلى العقد خوفا من الفتنة ؛ وذلك لأنه غير منكر أن يتفق من ظهور فضل غير أبي بكر واشتهار أمره وخوف الفتنة ما اتفق لأبي بكر ، فلا يستحق قتلا ولا ذما ، على أن قوله : مثلها يقتضي وقوعها على الوجه الذي وقعت عليه ، فكيف يكون ما وقع من غير مشاورة لضرورة داعية وأسباب موجبة مثلا لما وقع بلا مشاورة ، ومن غير ضرورة ولا أسباب ! والذي رواه عن أهل اللغة من أن آخر يوم من شوال فلتة من حيث إن من لم يدرك فيه الثأر فإنه قول لا نعرفه ، والذي نعرفه أنهم يسمون الليلة التي ينقضي بها آخر الأشهر الحرم ويتم فلتة ، وهي آخر ليلة من ليالي الشهر ، لأنه ربما رأى الهلال قوم لتسع وعشرين ولم يبصره الباقون ، فيغير هؤلاء على أؤلئك وهم غارون ، فلهذا سميت تلك الليلة فلتة ؛ على أنا قد بينا أن مجموع الكلام يقتضي ما ذكرناه من المعنى ، لو سلم له ما رواه عن أهل اللغة في احتمال هذه اللفظة . قال : وقد ذكر صاحب كتاب العين أن الفلتة الأمر الذي يقع على غير إحكام ، فقد صح أنها موضوعة في اللغة لهذا ، وإن جاز ألا تختص به ، بل تكون لفظة مشتركة .
وبعد : فلو كان عمر لم يرد بقوله توهين بيعة أبي بكر ، بل أراد ما ظنه المخالفون ، لكان ذلك عائدا عليه بالنقص ، لأنه وضع كلامه في غير موضعه ، وأراد شيئا فعبر عن خلافه ، فليس يخرج هذا الخبر من أن يكون طعنا على أبي بكر ؛ إلا بأن يكون طعنا على عمر .
واعلم أنه لا يبعد أن يقال : إن الرضا والسخط ، والحب والبغض ، وما شاكل ذلك ، من الأخلاق النفسانية وإن كانت أمورا باطنة ، فإنها قد تعلم ويضطر الحاضرون بقرائن أحوال تفيدهم العلم الضروري ؛ كما يعلم خوف الخائف وسرور المبتهج وقد يكون الإنسان عاشقا لآخر فيعلم المخالطون لهما ضرورة أنه يعشقه ، لما يشاهدونه من قرائن الأحوال ، وكذلك يعلم من رقائن أحوال العابد المجتهد في العبادة ، وصوم الهواجر وملازمة الأوراد وسهر الليل ، أنه يتدين بذلك . فغير منكر أن يقول قاضي القضاة رحمه الله تعالى : إن المعلوم ضوروة في حال عمر تعظيم أبي بكر ورضاه بخلافته وتدينه بذلك ، فالذي اعترضه رحمه الله تعالى به غير وارد عليه .
وأما الأخبار التي رواها عن عمر فأخبار غريبة ، ما رأيناها في الكتب المدونة ، وما وقفنا عليها إلا من كتاب المرتضى ، وكتاب آخر يعرف بكتاب المسترشد لمحمد بن جرير الطبري - وليس هو محمد بن جرير صاحب التاريخ ، بل هو من رجال الشيعة - وأظن أن أمه من بني جرير من مدينة آمل طبرستان ، وبنو جرير الآمليون شيعة مستهترون بالتشيع ، فنسب إلى أخواله ، ويدل على ذلك شعر مروي له وهو :
بآمل مولدي وبنو جرير . . . فأخوالي ويحكي المرء خاله
فمن يك رافضيا عن أبيه . . . فإني رافضي عن كلاله
وأنت تعلم حال الأخبار الغريبة التي لا توجد في الكتب المدونة كيف هي ؟ فأما إنكاره ما ذكره شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى من أن الفلتة هي آخر يوم من شوال ، وقوله : إنا لا نعرفه ؛ فليس الأمر كذلك بل هو تفسير صحيح ، ذكره الجوهري في كتاب الصحاح قال : الفلتة آخر ليلة من كل شهر ، ويقال : هي آخر يوم من الشهر الذي بعده الشهر الحرام . وهذا يدل على أن آخر يوم من شوال يسمى فلتة ، وكذلك آخر يوم من جمادى الآخرة ، وإنما التفسير الذي ذكره المرتضى غير معروف عند أهل اللغة .
Bogga 22