Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Baare
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
فلو عجبا حتى كليب تسبني
كأن أباها نهشل أو مجاشع
قال الرضي رحمه الله ' ورأيت كلامه عليه السلام يدور على أقطاب ثلاثة ، ألوها الخطب والأوامر ، وثانيها : الكتب والرسائل ، وثالثها الحكم المواعظ ، فأجمعت بتوفيق سبحانه على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثم محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم والأدب ، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ، ومفصلا فيه أوراقا ، ليكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذ علي عاجلا ، ويقع إلي آجلا وإذا جاء شيء من كلامه الخارج في أثناء جوار ، أو جواب سؤال ، أو غرض آخر من الأغراض في غير الأنحاء التي ذكرتها ، وقررت القاعدة عليها ، نسبته إلى أليق الأبواب به ، وأشدها ملامحة لغرضه ، وربما جاء فيخما اختاره من ذلك فصول غير متسقة ، ومحاسن كلم عير منتظمة ، لأني أورد النكت واللمع ، ولا أقصد التتالي والنسق . | الشرح : قوله : أجمعت على الابتداء ، أي عزمت ، وقال القطب الراوندي : تقديره : أجمعت عازما على الابتداء ، قال : لأنه لا يقال إلا أجمعت الأمر ، ولا يقال : أجمعت على الأمر ، قال سيحانه ^ ( فأجمعوا أمركم ) ^ | هذا الذي ذكره الرواندي خلاف نص أهل الله ، قالوا أجمعت الأمر ، وعلى الأمر ، كله جائز ، نص صاحب الصحاح على ذلك . | والمحاسن : جمع حسن ، على غير قياس ، كما قالوا ، الملامح والمذاكر ، ومثله المقابح والحوار ، بكسر الحاء ، مصدر حاورته ، أي خاطبته ، والأنحاء : الوجوه والمقاصد ، وأشدها ملامحه لغرضه ، أي أشدها أبصارا له ونظرا إليه ، وهذه استعارة ، يقال هذا الكلام يلمح الكلام الفلاني ، أي يشابهه ، كأن الكلام يلمح ويبصر من هذا الكلام . | قال الرضي رحمه الله : | ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها ، وأمن المشاركة فيها ، أن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ ، والتذكير والزواجر ، إذا تأمله المتأمل ، وفكر فيه المفكر ، وخلع من قلبه أنه كلام مثله ، ممن عظم قدره ونفذ أمره ، وأحاط بالرقاب ملكه ، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لا حظ له غير الزهادة ، ولا شغل له بغيره العبادة ، قد قبع في كسر بيت ، أو انقطع إلى سفح جبل ، لا يسمع إلا حسه ، ولا يرى إلا نفسه ، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينعمس في الحرب مضلنا سبقه ، فيقطع الرقاب ، ويجدل الإبطال ، ويعود به يلطف دما ، ويقطر مهجا ، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد ، وبدل الأبدال ، وهذه من فضائله العجيبة ، وخصائصه اللطيفة ، التي جمع بها بين الشتات ، وكثيرا ما أذاكر الإخوان بها ، واستخرج عجبهم منها ، وهي موضع العبرة بها ، والفكرة فيها . | الشرح : قبع القنفذ يقبع قبوعاإذا أدخل الرجل رأسه في جلده ، وكذلك الرجل إذا أدخل رأسه في قميصه ، وكل من انزوى في جحر أو مكان ضيق فقد قبع ، وكسر البيت : جانب الحباء وسفح الجبل : أسفله ، وأصله حيث يسفح فيه الماء ، ويقط الرقاب : يقطعها عرضا لا طولا كما قاله الرواندي وإنما ذاك القد ، قددته طولا ، وقططته عرضا . قال ابن فارس صاحب المجمل : قال ابن عائشة كانت ضربات عليه السلام في الحرب أبكارا ، إن اعتلى قد ، وإن اعترض قط ، ويجدل الأبطال ، يلقيهم على الجدالة ، وهي وجه الأرض . وينطف دما : يقطر ، والأبدال : قوم صالحون لا تخلو منهم ، إذا مات أحدهم أبدل الله مكانه آخر ، قد ورد ذلك في كثير من كتب الحديث . | كان أمير المؤمنين عليه السلام ذا أخلاق متضادة . | فمنها ما قد ذكره الرضي رحمه الله ، وهو موضع التعجب ، لأن الغالب على أهل الشجاعة والإقدام والمغامرة والجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية ، وفتك وتمرد وجبرية ، والغالب على أهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذها والاشتغال بمواعظ الناس وتخويفهم المعاد وتذكيرهم الموت ، أن يكونوا ذوي رقة ولين ، وضع قلب ، وخور طبع ، وهاتان حالتان متضادتان ، وقد اجتمعا له عليه السلام . | ومنها أن الغالب على ذوي الشجاعتة وإراقة الدماء أن يكونوا ذوي أخلاق سبعية ، وطباع حوشية ، وغرائز وحشية ، وكذلك الغالب على أهل الزهادة وأرباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا أن يكونوا ذوي انقباض في الأخلاق ، وعبوس في الوجوه ، ونفار من الناس واستيحاش ، وأمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس وأعظمهم وإراقة للدم ، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيات ، وأكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته ، وأشدهم اجتهادا في العبادة وآدابا لنفسه في المعاملة ، وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا ، وأسفرهم وجهها وأكثرهم بشران وأوفاهم هشاشة ، وأبعدهم عن انقباض موحش ، أو خلق نافر ، أو تجهم مباعد ، أو غلظة وفظاظة تنفر معهما النفس ، أو يتكدر معهما قلب ، حتى عيب بالدعابة ؟
Bogga 38