Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Baare
محمد عبد الكريم النمري
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وأما قوله : قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين ، فمراده أمر عثمان وتقديمه في الخلافة عليه . ومن الناس من يحمل ذلك على خلافة الشيخين أيضا . ويبعد عندي أن يكون أراده ، لأن المدة قد كانت طالت ، ولم يبق من يعاتبه ليقول : قد كانت أمور لم تكونوا عندي فيها محمودين ، فإن هذا الكلام يشعر بمعاقبة قوم على أمر كان أنكره منهم . وأما بيعة عثمان ، ثم ما جرى بينه وبين عثمان من منازعات طويلة ، وغضب تارة ، وصلح تارة ، ومراسلات خشنة ولطيفة ، وكون الناس بالمدينة كانوا حزبين وفئتين : إحداهما معه عليه السلام ، والأخرى مع عثمان ؛ فإن صرف الكلام إلى ما قلناه بهذا الاعتبار أليق .
ولسنا نمنع من أن يكون في كلامه عليه السلام الكثير من التوجد والتألم لصرف الخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ؛ وإنما كلامنا الآن في هذه اللفظات التي في هذه الخطبة ، على أن قوله عليه السلام : سبق الرجلان ، والاقتصار على ذلك فيه كفاية في انحرافه عنهما .
وأما قوله : حق وباطل . . إلى آخر الفصل ، فمعناه كل أمر فهو إما حق وإما باطل ، ولكل واحد من هذين أهل ، وما زال أهل الباطل أكثر من أهل الحق ؛ ولئن كان الحق قليلا لربما كثر ، ولعله ينتصر أهله .
ثم قال على سبيل التضجر بنفسه : وقلما أدبر شيء فأقبل ، استبعد عليه السلام أن تعود دولة قوم بعد زوالها عنهم ؛ وإلى هذا المعنى ذهب الشاعر في قوله :
وقالوا يعود الماء في النهر بعدما . . . ذوى نبت جنبيه وجف المشارع
فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا . . . ويعشب جنباه تموت الضفادع
ثم قال : ولئن رجعت عليكم أموركم ، أي إن ساعدني الوقت ، وتمكنت من أن أحكم فيها بحكم الله تعالى ورسوله ، وعادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرة مماثلة لسيرته في أصحابه ؛ إنكم لسعداء .
ثم قال : وإني لأخشى أن تكونوا في فترة ، الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها ؛ كالفترة التي بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لم يكن بينهما نبي ، بخلاف المدة التي كانت بين موسى وعيسى عليهما السلام ، لأنه بعث فيها أنبياء كثيرون ، فيقول عليه السلام : إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم ، فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع والأحكام ، وكأنه عليه السلام قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه .
Bogga 170