Sharh Mushkil
شرح المشكل من شعر المتنبي
) وَلَوَ آن الحياة تبقى لِحي ... لَعَدَدنا أضلنا الشُّجعانا (
اي أن الحياة لا تدوم، فما ينبغي للحي أن يجبُن، إذ لا بُد من لقاء الموت. وفي الجُبن العار. ولو كانت الحياة تدوم، لكان أضلنا الشجاع الذي يتعرض للقتل فيقتل، فحرم بذلك نفسه بقاء الحياة ولذاتها. ولكن إذا كان الموت لا بُد منه، وفي الشجاعة المجدُ، فهي أولى من ضدها.
وله ايضا:
) كأن رِقَاب الناسِ قالت لِسَيفهِ ... رَفِيقُكَ قَيسىٌّ وأنتَ يَمَانِ (
قيس من عندنان، واليمن من قحطان، وبينهما منافرة. فيقول: كثُرَ تقطيعُ شبيب لرقاب الناس بسيفه، فأغرت الرقابُ بينهما، ليفترقا فتسلم. وقوله:) رفيقُك قيسىٌّ وأنت يمانِ (، ترويةٌ عن قولهم: لمَ تتفقان وأنما بالنسب مفترقان. ونحوه قوله الآخر:
أيها المُنكحُ الثُّريا سُهيلًا ... عَمْرك اللهَ كَيف يلتَقيَان
هي سامِيةٌ إذا ما استقلت ... وسُهيلٌ إذا استقل يمانِ
والألف في يمانِ عوض من إحدى ياءى النسب، التي في قولك) يَمَنى (.
ومن العرب يقول: يماني. فهذا ليس على الوض، لانه لم يحذف منه شيئًا فتكون الألف عوضًا منه، ولكنه من بوادر النسب.
) أتُمسِكُ ما أوليتهُ يدُ عاقلٍ ... وتُمسِك في كُفرانهِ بِعِنَان (
اي سبيل النعم التي زالت من يدك إلى يده، أن تَنهي كفه عن الإمساك بعنان في معصيتك، فهلا فعل ذلك؟ ينكر على شبيب كفره أيادي كافور بنفاقه عليه، وخلعه طاعته.
) ثَنى يده الإحسانُ حتى كانها ... وقد ُبضت كانت بغير بنَانِ (
اي لما هم بمعصيتك، ثنت كثرةُ أياديك عن العصيان يده، حتى ألقت السيف كأنه لابنان لها يُمسكهُ بها، وقوله:) وقد قبضت (: جملة في موضع الحال من الضمير الذي في) كأنها (. و) كانت (ها هنا يجوز أن تكون المفتقرة إلى الخبر، ويجوز أن تكون بمعنى خُلقتن فتكون الغنية.
حكى سيبويه: أنا أعرفك مُذ كنت، اي مذ خلقت، ويكون المجرور على هذا في موضع الحال، وكما ذهب إليه سيبويه في رواية من روى: إذا كان يومٌ ذو كواكب أشنَعَا من أن أشنع حال، ولا تكون خبرًا لكان، لان الخبر سبيله أن يكون مفيدًا، وليس في أشنع من الفائدة إلا ما في قوله:) ذو كواكب (لان اليوم إذا كان ذا كواكب كان شنيعًا إذ ظهور الكواكب إنما يكون للقتام الذي يكسِف ضوء الشمس، فتظهر. وهذا من دقائق سيبويه التي يسميها المتأمل إعجازًا.
وله ايضا:
) عُيونُ رَواحلي إن حِرتُ عَيني ... وكُل بغام رازحةٍ بغُامِي (
حِرت: اي تَحَيرت، والعيون ها هنا: يجوز أن تكون جمع عينن وهي الشخص، اي أني ماهر بالفلاة معاود لها أحس فيها أملى فأدعها ذؤاما في الطريق، فإذا أنا تحيرت في التيه، فدليلى كل عُود أخليه، لأني أرى شخصه فيكون لي كالمنار الذي يُستدل به. وقد تكون العيون هنا جمع العين التي هي كالجارحة النظرية، اي تبدو لي أعين هذه الروايا، وخص أعينها بقوله: عيني. وكذلك إذا أردتُ استنباح الكلاب، ليُدل نُباحها على الحِلاَل، وأمان الحُلال، بَغَمت ناقتي، والبُغام: صوت تقطعه ولا تمُدُه، فيسمع الكلب بُغامها فينجح، فذلك البُغام يغنيني أن أستنبح الكلاب، والرازِحة: الناقة المعيبة، رَزَحَت تَرزَح رُزُوحًا ورُزاحقًا. وخص الرازِحة، لانه يصف نفسه بإدمان السير، والصبر على التعب في السفر.
) فقدْ أردُ المياه بغير هادٍ ... سِوى عَدى لها بَرْق الغَمَام (
يصف نفسه بمعرفة الارتياد، ويتعرب بذلك، فيقول: لا أحتاج على الماء دليلًا، إذا ابتغينا إليه سبيلًا، لأني عالم بمخايل المطر، كعلم رُواد العرب ومنتجعيهم بذلك. وهم يزعمون أن البرق إذا لمع مائة ومْضة، وثقوا بالمطر وانتجعوا الناحية، التي لاح منها ذلك البرق.
وقيل: إذا بَرَقت السماء أربعين برقة، وثقوا فساروا، وربما طاردوا جوه عشرًا، فوافقوا الماء.
) يضيقُ الجلدُ عن نفسي وعنها ... فتُوسُعه بأنواع السقام (
اي أنحلتني هذه الحُمى، فكأنها وجدت جلدي لا يسع نف سي وإياها، فأكلت اللحم، ليتسع الجلد فيجمعهما، كما وَسِع النَّفس والنّفس.
) وَضاقت خُطةٌ فخلَصتُ مِنها ... خَلاَص الخمرِ من نسيجِ الفدام (
1 / 89