وإنما اختلفوا في مقدار ما ينزح، فصار ذلك أصلًا في وجوب تطهيرها ينزح بعضها، لأنا لا نعلم لهم مخالفًا من السلف.
* ووجه آخر: وهو ما روي عن النبي ﷺ أنه سئل عن فأرة ماتت في سمن، فقال: "إن كان جامدًا: فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا: فأهريقوه"، فاستفدنا من أمره بإلقاء الجامد وما حوله معنيين.
أحدهما: أن ما كان نجسًا في نفسه: فإنه ينجس ما جاوره.
والثني: أن ما نجس بالمجاورة: لا ينجس ما جاوره فيما لا يوجب غسل ما حصل فيه؛ وذلك لأن الفأرة لما كانت نجسة في نفسها: حكم ﷺ بنجاسة ما جاورها من السمن، ولم يحكم بنجاسة السمن المجاور لهذا السمن النجس.
فإذا لم يكن السمن نجسًا في نفسه، وإنما كانت نجاسته من جهة الحكم لمجاورته الفأرة: فقلنا على هذا: إن ما جاور الفأرة من ماء البئر: نجس، وما جاور هذا الماء الذي لحقه حكم النجاسة بالمجاورة: ليس بنجس، كما لم يحكم النبي ﷺ بنجاسة السمن المجاور للسمن الذي نجس بالمجاورة.
* وإنما جعلنا ماء البئر في معنى السمن الجامد، دون المائع الذي حكم النبي ﷺ بنجاسة الكل، من قبل أن البئر إذا حلتها نجاسة، فأخرجت، ونزح ماؤها: لم يجب طمها، ولا حفر جوانبها، ولا غسلها، فأشبه من هذا الوجه السمن الجامد؛ لأن موت الفأرة فيه لم