Sharh Mishkat
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
Baare
د. عبد الحميد هنداوي
Daabacaha
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
ــ
و(الذي جاء بالصدق وصدق به) أي حقق ما أورده قولا لما تحراه فعلا، فعلى هذا التقدير
تخصيص النهي في قوله: (لا تبشر) مخصوص ببعض الناس، دون بعض فإن مثل هذا المعنى
لا يدركه إلا الراسخ في العلم، ويعضده حديث أبي هريرة ﵁ الذي يورده في
الفصل الثالث من هذا الكتاب، وهو قوله: (من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه
فبشره بالجنة) وفيه أنه منع عمر ﵁ أبا هريرة عن التبشير، فعلم أن المراد
بالتخصيص ما ذكره؛ إذ لو لم يكن يرد ذلك لم يخبر معاذا وأبا هريرة وأنسا وعمر (رضي الله
عنهم) وأمثالهم، واحتج به محمد بن إسماعيل وبمثله أن يخص العالم بالعلم قوما دون قوم؛
كراهة أن لا يفهموا.
ثم بعد تأويل الحسن قول من قال: الحديث كان في بدء الإسلام في وقت لم يجب فيه شيء
من الأركان؛ فحينئذ يكون قد أتى بما يجب عله فحومه الله على النار، وأما بعد وجوب الأركان
فلا يكون ذلك كافيا في الخلاص، ويؤيده ما روى البخاري عن عائشة ﵂
قالت: (إنما نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء (لا تشربوا الخمر) لقالوا: لا ندع الخمر
أبدا، ولو نزل: (لا تزنوا) لقالوا: لا ندع الزنى، ولقد نزل بمكة على محمد ﷺ (بل الساعة
موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده).
قال بعض المحققين: قد يتخذ أمثال هذه الأحاديث المبطلة والمباحية ذريعة إلى طرح
التكاليف، ودفع الأحكام، وإبطال الأعمال، معتقدين بأن الشهادة وعدم الإشراف كاف، وربما
يتمسك بها المرجئة. وهذا الاعتقاد يستلزم طي بساط الشريعة، وإبطال الحدود والزواجر
السمعية، ويوجب أن يكون التكليف بالترغيب في الطاعات والتحذير عن المعاصي والجنايات
غير متضمن طائلا، وبالأصل باطلا، بل يقتضي الانخلاع عن ربقة الدين والملة، والانسلال عن
قيد الشريعة والسنة، والخروج عن الضبط، والولوج في الخبط، وترك الناس سدى مهملين
يموج بعضهم في بعض معطلين من غير مانع ولا دافع، وذلك يفضي إلى خراب الدنيا بعد أن
أفضى إلى خراب العقبى. والمتثبت بهذا الحديث ونظيره ساقط، وعن معارج القدس إلى
حضيض النفس لا قط، مع أن قوله: (يعبدوه) يتضمن جميع أنواع التكاليف الشرعية، وقوله: (لا
تشركوا) يشمل كلا قسمي الشرك: الجلي، والخفي.
قال أهل التحقيق: العبادة لها ثلاث درجات: الأولى: أن يعبد الله طمعا في الثواب، وهربا
من العقاب، وهذا المسمى بالعبادة، وهذه الدرجة نازلة جدا؛ لأن معبوده في الحقيقة هو ذلك
ــ
2 / 477