Sharh Mishkat
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)
Baare
د. عبد الحميد هنداوي
Daabacaha
مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Goobta Daabacaadda
الرياض
Noocyada
٢٢_ وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: (قال الله تعالى: يؤذيني ابنُ
آدم يسب الدهر، وأنا الدهرُ، بيدي الأمرُ، أُقَلب الليل والنهار). متفق عليه.
ــ
الحديث التاسع [عشر] عن أبي هريرة ﵁: قوله: (يؤذيني) الإيذاء إيصال
المكروه إلى الغير قولا أو فعلا، أثر فيه أو لم يؤثر، وإيذاء الله تعالى عبارة عن فعل ما يكرهه،
ولا يرضى به، وكذا إيذاء رسول الله ﷺ وقيل: روى السجستانى نصب (الدهر) في (أنا الدهر)
أي أقلب الليل والنهار في الدهر. وقيل: الرفع أولى.: وهو كذلك؛ لأنه لا طائل تحته
على تقدير النصب، أما معنى فلأنه لا فائدة في قوله: (أنا أقلب الليل والنهار في الدهر)؛ لأن
الكلام مسوق للرد على الساب والإنكار عليه، وأما لفظا فإن تقديم الظرف إما للاهتمام، أو
الاختصاص، ولا يقتضي المقام ذلك؛ لأن الكلام مفرغ في شأن المتكلم، لا في الظرف، ولهذا
عرف الخبر باللام لإفادة الحصر، فكأنه قيل: (أنا أقلب الليل والنهار لا ما تنسبونه إليه).
قيل: الدهر الثاني غير الأول، وإنما هو مصدر بمعنى الفاعل، ومعناه أنا الدهر المصرف المدبر
المفيض لما يحدث. (غب) والأظهر أن معناه أنا فاعل ما يضاف إلى الدهر من الخير والشر،
والمسرة والمساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد شتمتموني. (قض): قيل: فيه
إضمار المضاف، والتقدير: أنا مقلب الدهر والمتصرف فيه، والمعنى أن الزمان يذعن لأمري لا
اختيار له، فمن ذمه على ما يظهر فيه صادرًا فقد ذمني، فإني الضار والنافع.
ولقائل أن يقول: وقد تقرر في المعاني أن المعرف إذا أعيد كان الثاني غير الأول. وعلى
التقادير لا يلزم اتحاد المعنى لأن السبب غير المسبب. قلت: ورد النهى على الساب الدهرى الذي
يسب الدهر لا لذاته، بل لتصرفاته وحوادثه التي على خلاف مراده، ويعقد أنه هو الفاعل
الحقيقي، وأنه مستقل بها، كقولهم: (وما يهلكنا إلا الدهر) على قصر القلب كما مر، فقيل
لهم: ما تعتقدونه من الفاعل الحقيقي هو الله تعالى. ويعضد هذا التقرير قوله ﷺ: (بيدى الأمر
أقلب الليل والنهار) فإنه ﷺ أوقع: (بيدى الأمر أقلب الليل والنهار) بيانًا وتفسيرًا لقوله: (أنا
الدهر) ولا ارتياب أن معنى الدهر لغة ليس بذلك.
قال الراغب: (الدهر في الأصل اسم لمدة العالم)، وعليه قوله تعالى: (هل أتى على
الإنسان حين من الدهر) ثم يعبر به عن كل مدة كثيرة، وهو خلاف الزمان، فإنه يقع على
المدة القليلة والكثيرة، فإذا المراد في الحديث بالدهر مقلب الليل والنهار ومصرف الأمور فيها،
ــ
2 / 471