183

Sharh Matn Abi Shuja - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar

شرح متن أبي شجاع - محمد حسن عبد الغفار

Noocyada

المنهيات في قضاء الحاجة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠ - ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: إن هذا الدين الخاتم قد اصطفى الله له أقوامًا يحملون رايته وينشرونه بين الناس، ومكن لهم ورفعهم على عباد الله أجمعين، حيث دخل ربعي بن عامر على رستم وهو يسأله: من أنتم؟ وماذا تريدون؟ فيرد عليه بكل يقين وإيمان: نحن عباد لله ابتعثنا الله؛ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
ونشروا دين الله جل في علاه في مشارق الأرض ومغاربها، فيا له من دين لو أن له رجالًا! فرجل بأمة، ورجل بقبيلة، ورجل بقوم هو الذي يستطيع أن يحمل راية هذا الدين فينشرها بين الناس.
ولا أرى في هذه العصور أفضل من يحمل هذا الدين من أهل العلم وطلبة العلم، فهم أشرف الناس، وأخلق الناس، وأصدق الناس، وأعلم الناس بمراد الله ومراد رسول الله ﷺ.
وقد قيل للشافعي: أيمكن المرء أم يبتلى؟ قال: لن يمكن حتى يبتلى، وإن المشقات تجلب بعد ذلك المسرات، وإن الأقوياء لا تظهر قوتهم إلا بعد الطحن في عظامهم.
وقد قالوا قديمًا: الضربات التي لا تقصم الظهر تقويه.
انتهينا من آداب التخلي أو آداب قضاء الحاجة وهي التي تمثل الإيجابيات، ونأخذ السلبيات أو المنهيات التي نهى عنها النبي ﷺ.
من تلك المنهيات: أنه لا ينبغي للمرء أن يستنجي بيمينه، بل لا يصح له أن يفعل ذلك، ويكره أن يستنجي بيمينه، والدلالة على ذلك: ما صح عن نبينا ﷺ من فعله وقوله، كما قالت عائشة ﵂ وأرضاها: (وكان النبي ﷺ يجعل شماله لقضاء الحاجة)، أو قالت: (للقلائل)، أو كما قالت ﵂ وأرضاها.
وفي حديث سلمان ﵁ قال: (ونهانا رسول الله أن نستنجي باليمين)، وفي حديث أبي هريرة أيضًا: (أن النبي ﷺ نهى المرء أن يستنجي بيمينه)، أو قال: (نهى أن يمس ذكره بيمينه).
وحمل الجماهير وعلماء المذهب هذا النهي على الكراهة وليس على التحريم، فمن استنجى بيمينه صح استنجاؤه وقد وقع في الكراهة، والذي جعل النهي -الذي الأصل فيه التحريم- للتنزيه والكراهة هو أن هذا من باب الأدب، وأن هذا ليس فيه تكليف، فليس فيه افعل أو لا تفعل.
فالقاعدة عندهم أن الآداب تصرف الأوامر من الوجوب إلى الاستحباب، وتصرف النواهي من التحريم إلى الكراهة، والصحيح الراجح أن هذه المسألة على ظاهرها -وإن كان ما قاله الجمهور له اعتبار قوي جدًا، لكن ندور مع الشرع حيث دار، فالنهي يقتضي التحريم ما لم يرد الفعل أو القول أو الإشارة من النبي ﷺ على الكراهة.
ولذلك نهى النبي ﷺ أن يقرن المرء تمرتين، وصرح الشافعي في الرسالة: أنه يحرم أن يقرن بين التمرتين، وهذا التفصيل يدل على أن الغرض في النهي التحريم سواء كان في الآداب أو في غير الآداب؛ لأن هذه الآداب آداب طعام.
وعند ابن حزم: لا يصح وضوء من فعل هذا؛ لأنه على التحريم.
ومن الآداب: أن يبعد عن المنزل، ويستتر عن الناس، ويحفظ عورته، كما قال النبي ﷺ: (احفظ عورتك إلا من أهلك)، وورد في الآثار الصحيحة والأحاديث عن النبي ﷺ: في سنن أبي داود بسند صحيح أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يقضي حاجته أبعد المنزل، وهذا من حديث المغيرة حيث قال: (فتوارى عني)، أي: أبعد المنزل، وكذلك الحديث الصريح جدًا في الصحيحين وهو: (أن النبي ﷺ مر على قبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير -بل يعذبان في كبير- قال: وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله)، والرواية الثانية في السنن قال: (لا يستنزه من بوله)، ففيها دلالة: على أنه كان يظهر عورته، والمفروض أن يحفظ المرء عورته إلا من أهله.
ومن الآداب: ألا ينظر إلى عورته، وهذا حدث من فعل الصحابة الكرام أبي بكر وعثمان وعلي فما كان أحد ينظر إلى سوءته بحال من الأحوال، حتى أنه ورد أن أبا بكر كان إذا دخل الخلاء غطى رأسه حتى لا ينظر إلى عورته، فهذه من الآداب التي لابد للإنسان أن يستعملها.
من الآداب أيضًا: ألاّ يبول في المساجد، فالمساجد لم تبن للبول ولا للغائط، بل ولا لللغط من الكلام، وإنما بنيت لذكر الله، وإقامة الصلاة، وتعليم الناس، والحديث الصريح في ذلك كما في الصحيحين: (أنه قام أعرابي فبال في ناحية المسجد فقام الصحابة وهموا به ليقتلوه).
ففيه دلالة: على أنه فعل حرامًا، فلما هموا به قال لهم النبي ﷺ بشفقته ورحمته على أمته: (لا تزرموه أو لا تقطعوا عليه بوله، ثم أمر بذنوب من ماء يراق على هذا البول)، ثم علمه بلطف وبرفق فقال: (إن هذه المساجد لم تبن لذلك، وإنما بنيت لذكر الله ولتعليم الناس).
فبين له أن هذه المساجد ليست خاصة لهذا الأمر، ويتفرع على ذلك قول العلماء: إذا اعتكف المرء وأراد أن يبول وليس هناك حمامات في المسجد، كما كانت المساجد في الرعيل الأول، فقال بعضهم: إنه يجوز للمعتكف في المسجد أن يتخذ إناءً يبول فيه، وهذه المسألة فيها تفصيل، فالنبي ﷺ كان له قدح من عيدان يبول فيه، وكان هذا القدح تحت سريره، فكان يبول فيه إذا قام من الليل، فله أن يتخذ إناءً يبول فيه، وبعد ذلك يصرفه حيثما شاء.
لكن العلماء دققوا النظر وقالوا: إن قلنا بجواز البول في الإناء فلابد أن تشترط شروطًا وقيودًا، فالقيد الأول: أن يتوارى عن الناس، بأن يكون في مكان ينأى بنفسه عن أعين الناس؛ حتى لا تظهر عورته، وقلنا: ستر العورة من الوجوب بمكان.
والقيد الثاني: ألا يصيب الرذاذ أو الرشاش الصادر من البول المسجد فيلوثه، فإن لم يأمن أو لم يتوفر هذين الشرطين فلا يجوز له أن يفعل ذلك.
لكن انظروا إلى حرص أهل العلم: فقد كان بعضهم إذا جاء وقت مجلس التحديث لـ أبي نعيم أو لـ وكيع أو لغيرهما من المحدثين، يحرص على أن يكون هو في مقدمة الصف حتى يسمع الحديث ويضبطه ولا يهم في كتابته الحديث، فكان أحدهم يجعل له إناء يخصصه للبول فيه لكي لا يتحرك من مكانه؛ لأنه يخشى أن يأتي أحد فيأخذ مكانه وهو حريص على مسألة الطلب والتحديث؛ ولذلك رفعهم الله جل في علاه وانتقل الدين على أكتافهم رطبًا طريًا لينًا؛ لأنهم حرصوا كل الحرص على ألا يضيعوا حرفًا واحدًا من أحاديث النبي ﷺ.
ومن المنهيات: ألا يبول في مستحمه، وفيه حديث ضعيف: (أن النبي ﷺ: نهى أن يبول المرء في مستحمه).
فالأولى للمرء ألا يتوضأ في المكان الذي يقضي حاجته فيه؛ لأنه إذا توضأ في نفس المكان فلعل الرذاذ أو الرشاش يرجع على ثوبه فيتنجس، والاستقذار تعافه النفس فلا يفعل ذلك.
ومن المنهيات أيضًا: ألا يبول في الماء الراكد، والفرق بين الماء الراكد والماء الجاري من حيث التعريف: أن الماء الراكد: هو الذي لا يجري، والماء الجاري: هو الذي يجري.
والدليل: قول النبي ﷺ: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم -ثم فسره بقوله- الذي لا يجري)، أما الفرق بينهما من حيث الحكم، فقالوا: إن الماء الراكد الذي حدثت فيه النجاسة ولم يتغير يصبح نجسًا إذا كان قليلًا، وأما إن كان كثيرًا فإنه ينجس إذا تغير.
أما الماء الجاري فالجرية التي فيها نجاسة -حتى لو كانت أقل من قلتين- ولحقت بها الجرية الثانية فبلغ الماء قلتين فإنه يدفع عنه الخبث.
ففي السنن (نهى النبي ﷺ عن أن يبول المرء في الماء الراكد)؛ لأمرين اثنين: إن كان قليلًا فإنه سيفسده على الناس ولا يصلح لأحد أن يستعمله، وإن كان كثيرًا وإن لم يتغير وبقي على أصل طهارته فإنه يستقذر ولا يستعمل، فإنه إذا علم الناس أن أحدًا بال في هذا الماء فلا يمكن أن يستخدمه أحد، فيفسد على الناس هذا الماء فيقع في مسألة الإضرار، والتأصيل العام الكلي: أنه لا ضرر ولا ضرار، وهذا إضرار بالآخرين.
ومن المنهيات أيضًا: عدم البول والتبرز في الموارد، والظل، والجحر، فقد نهى النبي ﷺ عن أن يبول المرء في الجحور، وفسرها أبو قتادة بأنها مساكن الجن، وهناك رواية ضعيفة: أن سعد بن عبادة فعل ذلك فخرج الجن فقتلوه وأنشدوا الأبيات المشهورة، لكنها ضعيفة وليست بصحيحة، والمقصود: أنه لا ينبغي للإنسان أن يبول في الجحور؛ لأنها مساكن الهوام، فإن لم

17 / 2