Sharh Matn Abi Shuja - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح متن أبي شجاع - محمد حسن عبد الغفار
Noocyada
حكم استعمالها في غير الطعام والشراب
الثاني: استعمال آنية الذهب والفضة في غير الشراب والطعام، مثل رجل عنده طبق ذهب أخذه جائزة على السباق، وكتب اسمه عليه، وكتبت مهارته، وأراد أن يفتخر به ويعلقه على الحائط، أو مثل بعض الناس الذين يجعلون نجفة من ذهب فيعلقونها في السقف، أو يزينون الغرفة بسلاسل فضة، أو يجعل المفتاح من ذهب أو فضة أو الميدالية التي تعلق في المفتاح.
فهذا كله يدخل في باب الاستعمال، فهل نقول: التحريم يتعدى إلى هذا الاستعمال، ونضيق عليه ونقول: هذا لا يجوز، أم يحل؟ في المذهب: التحريم أصالة في الشراب والطعام، ويتعدى التحريم مطلقًا إلى استعمال الذهب والفضة كمفتاح أو ميدالية أو سلسلة، أو كزينة في الباب، أو زينة في الحائط، ولو استعمل هذه الآنية من الذهب أو من الفضة كزينة فقد وقع في الإثم، بل وقع في كبيرة تسقط بها عدالته.
وأدلتهم على ذلك هي نفس الآثار التي استدلوا بها على تحريم الشراب والطعام في الآنية من الذهب والفضة، لكن من وجوه نظرية، قالوا: الوجه الأول: يقول النبي ﷺ: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)، فقوله: إنها لهم في الدنيا، أي: للكفار في الدنيا عمومًا يستخدمونها ويستعملونها استعمالًا مطلقًا في الطعام والشراب واللباس وغير ذلك، وهذا استنباط دقيق جدًا.
وبالمقابل قال: (ولكم في الآخرة)، وهذه دلالة على عموم الاستعمال، قال الله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان:١٩ - ٢١]، وقال تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ [الحج:٢٣].
إذًا: قال: (ولكم في الآخرة) يعني: كما أنها لهم في الدنيا على العموم، فهي لكم في الآخرة على العموم، وهذا يدل على حرمة الاستعمال في أي شيء دلالة على أن المسألة تعم ولا يختص النهي بالطعام والشراب.
الوجه الثاني: حرم النبي ﷺ الطعام والشراب في آنية الذهب والفضة، وهم يحتاجون إلى الطعام والشراب، فمنعهم مما لهم فيه حاجة، فلأن يمنعهم مما لا حاجة لهم فيه من باب أولى.
وجه ثالث -وهذا فيه نظر- قالوا: العلة في المنع من استخدام آنية الذهب والفضة في الشراب والطعام الترف والخيلاء، لكن هذه العلة موجودة في الزينة في البيت، والزينة في الباب، والزينة في السيارة.
والقاعدة عند العلماء أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والأصل في هذه الزينة الإباحة والجواز.
هذه أدلة ثلاثة استدل بها الشافعية على تحريم الاستعمال لأواني الذهب والفضة مطلقًا، ووافقهم كثير من المالكية والحنابلة، وخالف في ذلك الظاهرية والأحناف وبعض الحنابلة، واستدلوا على ذلك بأدلة: الدليل الأول: قالوا: الأصل في كل شيء الإباحة، لقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة:٢٩]، قالوا: فالأصل إذًا في استعمال أواني الذهب والفضة الإباحة إلا ما خصه الدليل، وقد دل الدليل على تحريم الشراب والطعام فيها فقط، فنقف عند الدليل.
الدليل الثاني: قالوا: كلام النبي ﷺ ظاهر، والنبي ﷺ أوتي جوامع الكلام، فخص التحريم بالشراب والطعام، ولو كان التحريم يتعدى لغيره لبينه النبي ﷺ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
الدليل الثالث: قالوا: أم سلمة التي روت أن النبي ﷺ حرم الشرب في آنية الذهب أو الفضة كان عندها جلجل -كأنه قارورة صغيرة- من فضة، جعلت فيه شعرات من شعر النبي ﷺ كانت تتبرك بها، قالوا: والراوي أعلم بما روى، فلو كان الاستعمال يحرم في غير الشراب والطعام لامتنعت أم سلمة من هذا الفعل، وهذا الدليل من القوة بمكان، لأن أم سلمة هي راوية الحديث، والراوي أعلم بما روى، والأسلم الخروج من الخلاف؛ لأن القاعدة عند العلماء: الخروج من الخلاف مستحب، لكني أميل لقول الجمهور، لأن هذا هو الأسلم، وأدلته ظاهرة، لا سيما قول النبي ﷺ: (إنها لهم في الدنيا)، وهذا عموم، (ولكم في الآخرة)، وهذا عموم، وأيضًا: لما فيه من الترف والخيلاء، والرد على دليل المخالف بأن الأصل في الأشياء الإباحة أن نقول: نعم الأصل الإباحة إلا أن يأتي دليل ينقلنا من الأصل إلى غيره، وقد جاء الناقل الذي ينقلنا من الإباحة إلى عدم الإباحة وهو القياس الجلي، وهو ناقل قوي جدًا؛ لأن العلماء يرون أن القياس الجلي مثل النص، وكأنه يقول: هذا أولى بالاعتبار، خلافًا للظاهرية، فهم لا يقولون: بقياس الأولى ولا بأي قياس، ولذلك ابن حزم يقول: لا يجوز للمرء أن يقول لأمه: أف، أما ضربها فإنه لا يدخل عنده في نص الآية: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء:٢٣]، وهذا جمود عند النص لا يليق بالعلماء الذين يغوصون في المعاني.
إذًا: قياس الأولى ناقل من الإباحة، فلا حجة لهم في هذا.
أما دليلهم الثاني بأن النبي ﷺ لو أراد أن يحرم كل الاستعمالات لذكر ذلك للناس، فنقول: النبي ﷺ أصل لنا أصولًا عامة، وقعد قواعد كلية تبين لنا أن الشرع لا يفرق بين المتماثلين، والنبي ﷺ يترك بيان بعض الأحكام حتى يصل إليها المجتهد فيصيب فيكون له أجران، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ [النساء:٨٣] أي: أولي العلم، ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ﴾ [النساء:٨٣]، وقال النبي ﷺ: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران)، فالنبي ﷺ ترك بيان ذلك للعلماء المجتهدين، ثم التأصيل العام لا يفرق بين المتماثلين، وأيضًا النبي ﷺ قد علق الحكم بوصف، وتعليق الحكم بوصف يشير إلى أنه إذا وجد هذا الوصف فلا بد أن يوجد الحكم، فهو قال: (إنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)، أيضًا: هذا الحكم معلل بأنه من الترف والخيلاء، أما دليلهم الثالث فهو من القوة بمكان، لأن أم سلمة أعلم بما روت، لكن يمكن أن يرد عليه من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن اللفظة حرفت على الراوي، كانت (من قصة) فحرفها (من فضة)، لكن هذا الكلام غير مرضي، لأنه لا بد في إثباته من دليل.
- الوجه الثاني: قالوا: هذا اجتهاد من أم سلمة، وقد صادم عموم قول النبي ﷺ (إنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة)، فنأخذ بعموم قول النبي ﷺ، وهذا الرد ليس قويًا؛ لأن أم سلمة خصصت هذا العموم بفعلها، وهي أفهم بما قال النبي ﷺ.
الوجه الثالث: وهو أولى الإجابات، أن هذا الجلجل كان مموهًا بفضة، وليس هو فضة، وهذا فيه إحسان الظن بـ أم سلمة ﵂ وأرضاها؛ لأنها الذي روت الحديث، والذي قال: كان لها جلجل من فضة هو الراوي، وليس من كلام أم سلمة، فقد يدخل الاحتمال على الراوي، فـ أم سلمة ما قالت: استعملت الفضة، بل الراوي عنها قال: كان عندها جلجل من فضة، فيحتمل أنه رآه وهو مموه بالفضة فحسبه من الفضة.
فإن قيل: ما الذي جعلكم تقولون بهذا الاحتمال؟ قلنا: الأدلة القوية الصريحة الصحيحة أن النبي ﷺ قال: (إنها لهم في الدنيا)، وهذا عموم، (ولكم في الآخرة)، وأيضًا حديث أم سلمة ﵂ وأرضاها.
والحق أن هذا الخلاف له حظ من النظر، وقول الجمهور أسلم وأحوط، فالذي يدل عليه ظاهر الأدلة هو تحريم استعمال الذهب والفضة مطلقًا، فلا يستعملها الإنسان في زينة كتعليق السلاسل، أو تعليق الطبق من فضة أو من ذهب، ولا يجعل المفتاح من ذهب أو من فضة، فلا يجوز ذلك بحال من الأحوال إلا ما خصه الدليل، وهو للنساء بالذهب والفضة عمومًا وإطلاقًا، وتحلي الرجل بخاتم الفضة فقط، فلا يلبس حزام فضة أو أسورة فضة؛ لأن الدليل أباح الخاتم فقط، والقاعدة عند العلماء: أن ما خرج عن القياس فغيره عليه لا ينقاس، فالأصل العام حرمة استعمال الذهب والفضة مطلقًا كما رجحنا، وخرج عن ذلك للرجل الخاتم من فضة فقط، فنقف كما أوقفنا النبي ﷺ.
وأيضًا: تزين الرجل بالفضة مطلقًا من باب التشبه بالنساء، ولعن الله الرجال المتشبهين بالنساء.
11 / 4