345

Sharh Maqasid

شرح المقاصد في علم الكلام

Daabacaha

دار المعارف النعمانية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1401هـ - 1981م

Goobta Daabacaadda

باكستان

العاشر لو كانت الإمامة حقا لعلي غصبها أبو بكر ورضيت الجماعة بذلك وقاموا بنصرته دون علي رضي الله عنه لما كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واللازم باطل وهذه الوجوه وإن كانت ظنيات فنصب الإمام من العمليات فيكفي فيه الظن على أنها باجتماعها ربما تفيد القطع لبعض المنصفين ولو سلم فلا أقل من صلوحها سندا للإجماع وتأييدا قال احتجت الشيعة بوجوه لهم في إثبات إمامة علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وجوه من العقل والنقل والقدح فيمن عداه من أصحاب رسول الله الذين قاموا بالأمر ويدعون في كثير من الأخبار الواردة في هذا الباب التواتر بناء على شهرته فيما بينهم وكثرة دورانه على ألسنتهم وجريانه في أنديتهم وموافقته لطباعهم ومقارعته لأسماعهم ولا يتأملون أنه كيف خفي على الكبار من الأنصار والمهاجرين والثقاة من الرواة والمحدثين ولم يحتج به البعض على البعض ولم يبنوا عليه الإبرام والنقض ولم يظهر إلا بعد انقضاء دور الإمامة وطول العهد بأمر الرسالة وظهور التعصبات الباردة والتعسفات الفاسدة وإفضاء أمر الدين إلى علماء السوء والملك إلى أمراء الجور ومن العجائب أن بعض المتأخرين من المتشيعين الذين لم يروا أحدا من المحدثين ولا رووا حديثا في أمر الدين ملأوا كتبهم من أمثال هذه الأخبار والمطاعن في الصحابة الأخيار وإن شئت فانظر في كتاب التجريد المنسوب إلى الحكيم نصير الطوسي كيف نصر الأباطيل وقرر الأكاذيب والعظماء من عترة النبي وأولاد الوصي الموسومون بالدراية المعصومون في الرواية لم يكن معهم هذه الأحقاد والتعصبات ولم يذكروا من الصحابة إلا الكمالات ولم يسلكوا مع رؤساءالمذاهب من علماء الإسلام إلا طريق الإجلال والإعظام وها هو الإمام علي بن موسى الرضي مع جلالة قدره ونباهة ذكره وكمال علمه وهداه وورعه وتقواه قد كتب على ظهر كتاب عهد المأمون له ما ينبئ عن وفور حمده وقبول عهده والتزام ما شرط عليه وإن كتب في آخره والجامعة و . . . يدلان على ضد ذلك ثم أنه دعا للمأمون بالرضوان فكتب في أثناء أسطر العهد تحت قوله وسميته لرضي رضي الله عنك وأرضاك وتحت قوله ويكون له الإمرة الكبرى بعدي بل جعلت فداك وفي موضع آخر وصيتك رحم وجزيت خيرا وهذا العهد بخطهما موجود الآن في المشهد الرضوي بخراسان وآحاد الشيعة في هذا الزمان لا يسمون الكبار الصحابة بالرضوان فضلا عن بني العباس فقد رضوا رأسا برأس ومن البين الواضح في هذا الباب ما كتبه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقد جعلت لآل بني كاكلة على كافة بيت المسلمين كل عام مائتي مثقال ذهبا عينا إبريزا كتبه ابن الخطاب فكتب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون أنا أول من اتبع أمر من أعز الإسلام ونصر الدين والأحكام عمر بن الخطاب ورسمت بمثل ما رسم لآل بني كاكلة في كل عام مائتي دينار ذهبا عينا إبريزا واتبعت أثره وجعلت لهم بمثل ما رسم عمر إذ وجب علي وعلى جميع المسلمين اتباع ذلك كتبه علي بن أبي طالب وهذا بخطهما موجود الآن في ديار العراق قال الأول هذا هو الوجه العقلي وتقريره أنه لا نزاع في أن بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إماما وليس غير علي لإن الإمام يجب أن يكون معصوما ومنصوصا عليه وأفضل أهل زمانه ولا يوجد شيء من ذلك في باقي الصحابة أما العصمة والنص فبالاتفاق وأما الأفضلية فلما سيأتي وهذا يمكن أن يجعل أدلة ثلاثة بحسب الشروط وربما يورد في صورة القلب فيقال الإمام إما علي رضي الله عنه وإما أبو بكر وإما العباس بالإجماع المشتمل على قول المعصوم ولا سبيل إلى الأخيرين لانتفاء الشرط والجواب أولا منع الاشتراط وثانيا منع انتفاء الشرائط في أبي بكر رضي الله عنه وأما ما يقال أن الإجماع على أن الإمام أحدهم إجماع على صلوح كل منهم للإمامة فمحل نظر قال الثاني إشارة إلى الدليل النقلي من الكتاب وتقريره أن قوله تعالى

﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون

نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته وكلمة إنما للحصر بشهادة النقل والاستعمال والولي كما جاء بمعنى الناصر فقد جاء بمعنى المتصرف والأولى والأحق بذلك يقال أخو المرأة وليها والسلطان ولي من لا ولي له وفلان ولي الدم وهذا هو المراد ههنا لأن الولاية بمعنى النصرة تعم جميع المؤمنين لقوله تعالى

﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء

فلا يصح حصرها في المؤمنين الموصوفين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حال الركوع والمتصرف من المؤمنين في أمر الأمة يكون هو الإمام فتعين علي رضي الله عنه لذلك إذ لم توجد هذه الصفات في غيره والجواب منع كون الولي بمعنى المتصرف في أمر الدين والدنيا والأحق بذلك على ما هو خاصة الإمام بل الناصر والموالي و . . . على ما يناسب ما قبل الآية وما بعدها وهو قوله تعالى

﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض

فإن الحصر إنما يكون بإثبات ما نفي عن الغير وولاية اليهود والنصارى المنهي عن اتخاذها ليست هي التصرف والإمامة بل النصرة والمحبة وقوله تعالى

﴿ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون

وقوله تعالى

﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم

لظهور أن ذلك تولي محبة ونصرة لا إمامة وبالجملة لا يخفى على من تأمل في سياق الآية وكان له معرفة بأساليب الكلام أن ليس المراد بالولي ههنا ما يقتضي الإمامة بل الموالاة والنصرة والمحبة ثم وصف المؤمنين لما ذكر يجوز أن يكون للمدح والتعظيم دون التقييد والتخصيص وأن يكون لزيادة شرف الموصوفين واستحقاقهم أن يتخذوا أولياء وأولويتهم بذلك وقربهم ونصرتهم وشفقتهم الحاملة على النصرة وقوله

﴿وهم راكعون

كما يحتمل الحال يحتمل العطف بمعنى أنهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية عن الركوع أو بمعنى أنهم خاضعون على أن ههنا وجوها أخر من الاعتراض منها أن النصرة وإن كانت عامة لكن إذا أضيفت إلى جماعة مخصوصة من المؤمنين فبالضرورة تختص بمن عداهم لأن الإنسان لا يكون ناصرا لنفسه وكأنه قيل لبعض المؤمنين إنما ناصركم البعض الآخر قال الإمام الرازي إن هذا السؤال عليه التعويل في دفع هذه الشبهة فإنه دقيق متين وأنت خبير بأن مبناه على اختصاص الخطاب بالبعض من المؤمنين وعلى كون المؤمنين الموصوفين جميع من عداهم ومنها أن الحصر إنما يكون نفيا لما وقع فيه تردد ونزاع ولا خفاء في أن ذلك عند نزول الآية لم يكن إمامة الأئمة الثلاثة ومنها أن ظاهر الآية ثبوت الولاية بالفعل وفي الحال ولا شبهة في أن إمامة علي رضي الله عنه إنما كانت بعد النبي صلى الله عليه وسلم والقول بأنه كانت له ولاية التصرف في أمر المسلمين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا مكابرة وصرف الولاية إلى ما يكون في المآل دون الحال لا يستقيم في حق الله تعالى ورسوله ومنها أن الذين آمنوا صيغة جمع فلا يصرف إلى الواحد إلا بدليل وقول المفسرين أن الآية نزلت في حق علي رضي الله عنه لا يقتضي اختصاصها به واقتصارها عليه ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنية على جعل وهم راكعون حالا من ضمير يؤتون وليس بلازم ومنها أنه لو كانت في الآية دلالة على إمامة علي رضي الله عنه لما خفيت على الصحابة عامة وعلى علي خاصة ولما تركوا الانقياد لها والاحتجاج بها قال الثالث تمسك بما يدعون فيه التواتر من الأخبار أما حديث الغدير فهو أنه عليه السلام قد جمع الناس يوم غدير خم موضع بين مكة والمدينة بالحجفة وذلك بعد رجوعه عن حجة الوداع وكان يوما صائفا حتى أن الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر وجمع الرجال وصعد عليه السلام عليها وقال مخاطبا معاشر المسلمين ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا اللهم بلى قال فمن كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وهذا حديث متفق على صحته أورده علي رضي الله عنه يوم الشورى عندما حاول ذكر فضائله ولم ينكره أحد ولفظ المولى قد يراد به المعتق والمعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والأولى بالتصرف قال الله تعالى

﴿مأواكم النار هي مولاكم

أي أولى بكم ذكره أبو عبيدة وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها أي الأولى بها والمالك لتدبير أمرها ومثله في الشعر كثير وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي والمالك للأمر والأولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول عن كثير من أئمة اللغة والمراد أنه اسم لهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنه ليس من صيغة اسم التفضيل وأنه لا يستعمل استعماله وينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى ليطابق صدر الحديث ولأنه لا وجه للخمسة الأول وهو ظاهر ولا للسادس لظهوره وعدم احتياجه إلى البيان وجمع الناس لأجله سيما وقد قال الله تعالى

﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

ولا خفاء في أن الولاية بالناس والتولي والمالكية لتدبير أمرهم والتصرف فيهم بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم هو معنى الإمامة والجواب منع تواتر الخبر فإن ذلك من مكابرات الشيعة كيف وقد قدح في صحته كثير من أهل الحديث ولم ينقله المحققون منهم كالبخاري ومسلم والواقدي وأكثر من رواه لم يرو المقدمة التي جعلت دليلا على أن المراد بالمولى الأولى وبعد صحة الرواية فمؤخر الخبر أعني قوله اللهم وال من والاه يشعر بأن المراد بالمولى هو الناصر والمحب بل مجرد احتمال ذلك كاف في دفع الاستدلال وما ذكره من أن ذلك معلوم ظاهر من قوله تعالى

﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

لا يدفع الاحتمال لجواز أن يكون الغرض التنصيص على موالاته ونصرته ليكون أبعد عن التخصيص الذي تحتمله أكثر العمومات وليكون اقوى دلالة وأوفى بإفادة زيادة الشرف حيث قرن بموالاة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القدر من المحبة والنصرة لا يقتضي ثبوت الإمامة وبعد تسليم الدلالة على الإمامة فلا عبرة بخبر الواحد في مقابلة الإجماع ولو سلم فغايته الدلالة على استحقاق الإمامة وثبوتها في المال لكن من اين يلزم نفي إمامة الأئمة قبله وهذا قول بالموجب وهو جواب ظاهر لم يذكره القوم وإذا تأملت فما يدعون من تواتر الخبر حجة عليهم لا لهم لأنه لو كان مسوقا لثبوت الإمامة دالا عليه لما خفي على عظماء الصحابة فلم يتركوا الاستدلال به ولم يتوقفوا في أمرالإمامة والقول بأن القوم تركوا الانقياد عنادا وعلي رضي الله تعالى عنه ترك الاحتجاج تقية آية الغواية وغاية الوقاحة وأما حديث المنزلة فهو قوله عليه السلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وتقريره أن المنزلة اسم جنس ضعيف فعم كما إذا عرف باللام بدليل صحة الاستثناء وإذا استثنى منها مرتبة النبوة بقيت عامة في باقي المنازل التي من جملتها كونه خليفة له ومتوليا في تدبير الأمر ومتصرفا في مصالح العامة ورئيسا مفترض الطاعة لو عاش بعده إذ لا يليق بمرتبة النبوة زوال هذه المرتبة الرفيعة الثابتة في حياة موسى عليه السلام بوفاته وإذ قد صرح بنفي النبوة لم يكن ذلك إلا بطريق الإمامة والجواب منع التواتر بل هو خبر واحد في مقابلة الإجماع ومنع عموم المنازل بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق وربما يدعى كونه معهودا معينا كغلام زيد وليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك إلا النبوة بل منقطع بمعنى لكن على ما لا يخفى على أهل العربية فلا يدل على العموم كيف ومن منازله الأخوة في النسب ولم يثبت لعلي اللهم إلا أن يقال أنها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرف بطريق النيابة على ما هو مقتضى إلإمامة لأنه شريك له في النبوة وقوله اخلفني ليس استخلافا بل مبالغة وتأكيدا في القيام بأمرالقوم ولو سلم فلا دلالة على بقائها بعد الموت وليس انتفاؤها بموت المستخلف عزلا ولا نقصا بل ربما يكون عودا إلى حالة أكمل هي الاستقلال بالنبوة والتبليغ من الله تعالى ولو سلم فتصرف هارون عليه السلام ونفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنما يكون لنبوته وقد انتفت النبوة في حق علي رضي الله تعالى فينتفي ما يبتنى عليها ويتسبب عنها وأما الجواب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا على المدينة فأكثر أهل النفاق في ذلك فقال علي يا رسول الله أتتركني مع الاختلاف فقال صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهذا لا يدل خلافته بعده كابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه استخلفه على المدينة في كثير من غزواته فربما يدفع بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب بل ربما يحتج بأن استخلافه على المدينة وعدم عزله عنها مع أنه لا قائل بالفصل وأن الاحتياج إلى الخليفة بعد الوفاة أشد وأوكد منه حال الغيبة يدل على كونه خليفة قال الرابع هذه أخبار يدعون أنها نصوص جلية من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي رضي الله تعالى عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم مخاطبا لأصحابه سلموا عليه يإمرة المؤمنين الضمير لعلي والإمرة بالكسر الإمارة من أمر الرجل صار أميرا وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت الخليفة من بعدي وقوله عليه الصلاة والسلام أنه أمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقوله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيد علي هذا خليفتي عليكم وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بالكسر والجواب ما مر أنها أخبار آحاد في مقابلة الإجماع وأنها لو صحت لما خفيت على الصحابة والتابعين والمهرة المتقين من المحدثين سيما على أولاده الطاهرين ولو سلم فغايته إثبات خلافته لا نفي خلافة الآخرين قال الخامس استدلال على إمامة علي رضي الله تعالى عنه بالقدح في إمامة الآخرين وتقريره أنه لا نزاع في وجود إمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم وغير علي من الجماعة الموسومين بذلك لا يصلح لذلك أما إجمالا فلظلمهم لسبق كفرهم لقوله تعالى

﴿والكافرون هم الظالمون

والظالم لا يكون إماما لقوله تعالى

﴿لا ينال عهدي الظالمين

والجواب منع المقدمتين ومنع دلالة الآية على كون من كان كافرا ثم أسلم ظالما ومنع كون المراد بالعهد هو الإمامة وإما تفصيلا فمما يقدح في إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه خالف كتاب الله تعالى في منع إرث النبي بخبر رواه وهو نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وتخصيص الكتاب إنما يجوز بالخبر المتواتر دون الآحاد والجواب أن خبر الواحد وإن كان ظني المتن قد يكون قطعي الدلالة فيخصص به عام الكتاب لكونه ظني الدلالة وإن كان قطعي المتن جمعا بين الدليلين وتمام تحقيق ذلك في أصول الفقه على أن الخبرالمسموع من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يكن فوق المتواتر فلا خفاء في كونه بمنزلته فيجوز للسامع المجتهد أن يخصص به عام الكتاب ومنها أنه منع فاطمة رضي الله تعالى عنها فدك وهي قرية بخيبر مع أنها ادعت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحلها إياها ووهبها منها وشهد بذلك علي رضي الله تعالى عنه وأم أيمن فلم يصدقهم وصدق أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في ادعاء الحجرة لهن من غير شاهد ومثل هذا الجور والميل لا يليق بالإمام ولهذا رد عمر بن عبد العزيز من المروانية فدك إلى أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنها والجواب أنه لو سلم صحة ما ذكر فليس على الحاكم أن يحكم بشهادة رجل وامرأة وأن فرض عصمة المدعي والشاهد وله الحكم بما علمه يقينا وإن لم يشهد به شاهد ولعمري أن قصة فدك على ما يرويه الروافض من أبين الشواهد على أنهماكهم في الضلالة وافترائهم على الصحابة وكونهم الغاية في الغواية والنهاية في الوقاحة حيث ظنوا بمثل أبي بكر وعمر أنهما أخذا حق سلالة النبوة ظلما لينتفع به الآخرون لا هما نفسهما ولا من يتصل بهما ويمثل علي رضي الله تعالى عنه أنه مع علمه بحقيقة الحال لم يدفع تلك الظلامة أيام خلافته ولسائر الأصحاب أنهم سكتوا على ذلك من غير تعرض ولا اعتراض والمذكور في كتب التواريخ أن فدك كانت على ما قرره أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى زمن معاوية ثم اقطعها مروان بن الحكم ووهبها مروان من ابنيه عبدالعزيز وعبدالملك ثم لما ولى الوليد بن عبدالملك وهب عمر بن عبدالعزيز نصيبه للوليد وكذا سليمان بن عبدالملك فصارت كلها للوليد ثم ردها عمر بن عبدالعزيز أيام خلافته إلى ما كانت عليه ثم لما كانت سنة عشرين ومائتين كتب المأمون إلى عامله على المدينة فثم بن جعفر أن يرد فدك إلى أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنها فدفعها إلى محمد بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله ابن زيد بن الحسين بن زيد ليقوما بها لأهلهما وعد ذلك من تشيع المأمون فلما استخلف المتوكل ردها إلى ما كانت عليه ومنها أنه خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستخلاف حيث جعل عمر خليفة له والرسول عليه الصلاة والسلام مع أنه أعرف بالمصالح والمفاسد وأوفر شفقة على الأمة لم يستخلف أحدا بل عزل عمر بعد ما ولاه أمر الصدقات فاستخلافه وتوليته جميع أمور المسلمين مخالفة للرسول وترك لما وجب من اتباعه والجواب أنا لا نسلم انه لم يستخلف أحدا بل استخلف إجماعا أما عندنا فأبا بكر وأما عندكم فعليا ولا نسلم أنه عزل عمر بل انقضى توليته بانقضاء شغله كماإذا وليت أحدا عملا فأتمه فلم يبق عاملا فإنه ليس من العزل في شيء ولا نسلم أن مجرد فعل مالم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة له وترك لاتباعه وإنما يكون ذلك إذا فعل ما نهى عنه أو ترك ما أمر به ولا نسلم أن هذا قادح في استحقاق الإمامة ومنها أنه لم يكن عارفا بالأحكام حتى قطع يسار سارق من الكوع لا يمينه وقال لجدة سألته عن ارثها لا أجد لك شيئا في كتاب الله ولا سنة نبيه فأخبره المغيرة ومحمد بن سلمة أن الرسول عليه الصلاة والسلام أعطاها السدس وقال أعطوا الجدات السدس ولم تعرف الكلالة وهي من لا والد له ولا ولد وكل وارث ليس بوالد ولا ولد والجواب بعد التسليم أن هذا لا يقدح في الاجتهاد فكم مثله للمجتهدين ومنها أنه شك عند موته في استحقاقه الإمامة حيث قال وددت أني سألت رسول الله عن هذا الأمر فيمن هو وكنا لا ننازعه أهله والجواب أن هذا على تقدير صحته لا يدل على الشك بل على عدم النص وإن إمامته كانت بالبيعة والاختيار وأنه في طلب الحق بحيث يحاول أن لا يكتفى بذلك بل يريد اتباع النص خاصة ومنها أن عمر مع كونه وليه وناصره قال كانت بيعة أبي بكر فلتة وفي الله تعالى شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه يعني أنها كانت فجاءة لا عن تدبر وابتناء على أصل والجواب أن المعنى كانت فجاءة وبغتة وفي الله شر الخلاف الذي يكاد يظهر عندها فمن عاد إلى مثل تلك المخالفة الموجبة لتبديد الكلمة فاقتلوه وكيف يتصور منه القدح في إمامة أبي بكر مع ما علم من مبالغته في تعظيمه وفي انعقاد البيعة له ومن صيرورته خليفة باستخلافه فلهم حكايات تجري مجرى ذلك أكثرها افتراآت ومع ذلك فلها محامل وتأويلات ولا تعارض ما ثبت المفهوم من الحكايات وتواتر بين الجماعة من الموادات وما أقبح بناء المذهب على الترهات والأحاديث المفتريات قال وأمر عمر قدحوا في إمامة عمر بوجوه منها أنه لم يكن عارفا بالأحكام حتى أمر برجم امرأة حامل أقرت بالزنا ورجم امرأة مجنونة زنت فنهاه علي رضي الله تعالى عنه عن ذلك فقال لولا علي لهلك عمر ونهى عن المغالاة في الصداق فقامت إليه امرأة فقالت ألم يقل الله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فقال كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات والجواب بعد تسليم القصة وعلمه بالحمل والجنون ونهيه على وجه التحريم أن الخطأ في مسئلة وأكثر لا ينافي الاجتهاد ولا يقدح في الإمامة والاعتراف بالنقصان هضم للنفس ودليل على الكمال ومنها أنه لم يكن عالما بالقرآن حتى شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسكن إليه حتى تلا عليه أبو بكر قوله

﴿إنك ميت وإنهم ميتون

فقال كأني لم أسمع هذه الآية فالجواب أن ذلك كان لتشوش البال واضطراب الحال والذهول عن جليات الأحوال أو لأنه فهم من قوله تعالى

﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله

وقوله

﴿ليستخلفنهم في الأرض

انه يبقى إلى تمام هذه الأمور وظهورها غاية الظهور وفي قوله كأني لم أسمع دلالة على أنه سمعها وعلمها لكن ذهل عنها أو حملها على معنى آخر أي كأني لم أسمعها سماع اطلاع على هذا المعنى بل أنه يموت بعد تمام الأمور ومنها أنه تصرف في بيت المال بغير الحق فأعطى أزواج النبي عليه السلام منه مالا كثيرا حتى روي أنه أعطى عايشة وحفصة كل سنة عشرة آلاف درهم وافترض لنفسه منه ثمانين ألف درهم وكذا في أموال الغنايم حيث فضل المهاجرين على الأنصار والعرب على العجم ومنع أهل البيت خمسهم الذي هو سهم ذوي القربى بحكم الكتاب والجواب أن من تتبع ما تواتر من أحواله علم قطعا أن حديث التصرف في الأموال محض افتراء وأما التفضيل فله ذلك بحسب ما يرى من المصلحة فإنه من الاجتهاديات التي لا قاطع فيها وأما الخمس فقد كان لذوي القربى وهم بنو هاشم وبنو المطلب من أولاد عبد مناف بالنص والإجماع إلا أنه اجتهد فذهب إلى أن مناط الاستحقاق هو الفقر فخصه بالفقراء منهم أو إلى أنها من قبيل الأوساخ المحرمة على بني هاشم وبالجملة فهذه مسئلة اجتهادية معروفة في كتب الفقه لا تقدح في استحقاق الإمامة ومنها أنه منع متعة النكاح وهي أن يقول لامرأة تمتع بك كذا مدة بكذا درهما أو متعيني نفسك أياما بكذا أو ما يؤدى هذا المعنى وجوزها مالك والشيعة وفي معناها النكاح إلى أجل معلوم وجوزه زفر لازما ومتعة الحج وهي أن يأتي مكة من على مسافة لقصر منها محرما فيعتمر في أشهر الحج ويقيم حلالا بمكة وينشئ منها الحج عامه ذلك وقد كان معترفا بشرعية المتعتين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على ما روي عنه أنه قال ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهن وأحرمهن وهي متعة النساء ومتعة الحج وحي على خير العمل والجواب أن هذه مسائل اجتهادية وقد ثبت نسخ إباحة متعة النساء بالآثار المشهورة إجماعا من الصحابة على ما روى محمد بن الحنفية عن علي رضي الله تعالى عنه أن منادي رسول الله نادى يوم خيبر ألا إن الله ورسوله ينهيانكم عن المتعة وقال جابر بن زيد ما خرج ابن عباس من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة وبعضهم على أنه إنما تثبت إباحتها موقتة بثلاثة أيام ومعنى أحرمهن أحكم بحرمتهن وأعتقد ذلك لقيام الدليل كما يقال حرم المثلث الشافعي رضي الله تعالى عنه وأباحه أبو حنيفة رحمه الله تعالى ومنها أنه جعل الخلافة شورى بين ستة مع الإجماع على أنه لا يجوز نصب خليفتين لما فيه من إثارة الفتنة والجواب أن ذلك حيث يكون كل منهما مستقلا بالخلافة فإما بطريق المشاورة وعدم انفراد البعض بالرأي فلا لأن ذلك بمنزلة نصب إمام واحد كامل الرأي وقد يقال أن معنى جعل الإمامة شورى أن يتشاوروا فينصبوا واحدا منهم ولا يتجاوزهم الإمامة ولا يعبأ بتعيين غيرهم وحينئذ لا إشكال ومن نظر بعين الإنصاف وسمع ما اشتهر من عمر في الأطراف علم جلالة محله عما تدعيه الأعداء وبراءة ساحته عما يفتريه أهل البدع والأهواء وجزم بأنه كان الغاية في العدل والسداد والاستقامة على سبيل الرشاد وأنه لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكان عمر ولو يبعث فينا نبيا لبعث عمر ولكن لا دواء لداء العناد ومن يضلل الله فما له من هاد قال وولى عثمان من مطاعنهم في عثمان رضي الله عنه أنه ولى أمور المسلمين من ظهر منهم الفسق والفساد كالوليد بن عتبة وعبدالله بن أبي سرح ومروان بن الحكم ومعاوية بن أبي سفيان ومن يجري مجراهم وأنه صرف أموال بيت المال إلى أقاربه حتى نقل أنه صرف إلى أربعة نفر منهم أربعمائة ألف درهم وأنه حمى لنفسه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا حمى إلا لله ولرسوله وعمر إنما حمى لإبل المسلمين العاجزين ولنحو نعم الصدقة والجزية والضوال لا لنفسه وأنه أحرق مصحف بن مسعود وضربه حتى كسر ضلعين من أضلاعه وضرب عمارا حتى أصابه فتق وضرب أبا ذر ونفاه إلى الربذة وأنه رد الحكم بن العاص وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه أسقط القود عن عبدالله بن عمر وقد قتل الهرمزان والحد عن الوليد بن عتبة وقد شرب الخمر وأن الصحابة خذلوه حتى قتل ولم يدفن إلا بعد ثلاثة أيام والجواب أن بعض هذه الأمور مما لا يقدح في إمامته كظهور الفسق والفساد من ولاة بعض البلاد إذ لا اطلاع له على السرائر وإنما عليه الأخذ بالظاهر والعزل عند تحقق الفسق ومعاوية كان على الشام في زمن عمر أيضا والمذهب أن الباغي ليس بفاسق ولو سلم فإنما ظهر ذلك في زمان إمامة علي رضي الله تعالى عنه وبعضها افتراء محض كصرف ذلك القدر من بيت المال إلى أقاربه وأخذ الحمى لنفسه وضرب الصحابة إلى الحد المذكور وبعضها اجتهاديات مفوضة إلى رأي الإمام حسب ما يراه من المصلحة كالتأديب والتعزير ودرء الحدود والقصاص بالشبهات والتأويلات وبعضها كان بإذن النبي صلى الله عليه وسلم كرد الحكم بن العاص على ما روي أنه ذكر ذلك لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقالا إنك شاهد واحد فلما آل الأمر إليه حكم بعلمه وأما حديث خذلان الصحابة إياه وتركهم دفنه من غير عذر فلو صح كان قدحا فيهم لا فيه ونحن لا نظن بالمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم عموما وبعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه خصوصا أن يرضوا بقتل مظلوم في دارهم وترك دفن ميت في جوارهم سيما من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وعاكف طول النهار ذاكرا وصائما شرفه رسول الله بابنتيه وبشره بالجنة وأثنى عليه فكيف يخذلونه وقد كان من زمرتهم وطول العمر في نصرتهم وعلموا سابقته في الإسلام وخاتمته إلى دار السلام لكنه لم يأذن لهم في المحاربة ولم يرض بما حاولوا من المدافعة تحاميا عن إراقة الدماء ورضا بسابق القضاء ومع ذلك لم يدع الحسن والحسين رضي الله عنهما في الدفع عنه مقدورا وكان أمر الله قدرا مقدورا قال خاتمة مرض أبو بكر رضي الله عنه مرضه الذي توفي فيه في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة من الهجرة بعدما انقضت من خلافته سنتان وأربعة أشهر أو ستة أشهر فشاور الصحابة وجعل الخلافة لعمر وقال لعثمان رضي الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر يوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني أستخلف عمر بن الخطاب فإن عدل فذاك ظني به ورأيي فيه وإن بدل وجار فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وعرضت الصحيفة على جملة الصحابة فبايعوا لمن فيها حتى مرت بعلي رضي الله عنه فقال بايعنا لمن فيها وإن كان عمر فانعقدت له الإمامة بنص الإمام الحق وإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار فقام عشر سنين ونصفا يأمر بالعدل والسياسة ونظم قوانين الرياسة وتقوية الضعفاء وقهر الأعداء واستيصال الأقوياء الأغوياء وإعلاء لواء الإسلام وتنفيذ الشرايع والأحكام بحيث صار ذلك كالأمثال في الأمصار وطار كالأمطار في الأقطار واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة على يد أبي لؤلؤة غلام للمغيرة بن شعبة طعنه وهو في الصلاة وحين علم بالموت قال ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وجعل الخلافة شورى بينهم فاجتمعوا بعد دفن عمر رضي الله عنه فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبدالرحمن بن عوف ثم جعلوا الاختيار إلى عبدالرحمن بن عوف فأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه وقال تبايعني على كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الشيخين فقال على كتاب الله وسنة رسول الله وأجتهد برأيي ثم قال مثل ذلك لعثمان فأجابه إلى ما دعاه وكرر عليهما ثلاث مرات فأجابا بالجواب الأول فبايع عثمان وبايعه الناس ورضوا بإمامته وقول علي رضي الله تعالى عنه وأجتهد برأيي ليس خلافا منه في إمامة الشيخين بل ذهابا إلى أنه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر بل عليه اتباع اجتهاده وكان من مذهب عثمان وعبدالرحمن أنه يجوز إذا كان الآخر أعلم وأبصر بوجوه المقاييس ثم خرج على عثمان بعد اثنتي عشرة سنة من خلافته رعاع وأوباش من كل أوب وأرذال من خزاعة ليس فيهم أحد من كبار الصحابة وأهل العلم ومن يعتد به من أوساط الناس فقتلوه ظلما وعدوانا في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ولو استحق القتل أوالخلع لما ترك أكابر الصحابة ومن بقي من أهل الشورى ومن المبشرين بالجنة ذلك إلى جمع من الأوباش والأرذال ومن لا سابقة له في الإسلام ولا علم بشيء من أمور الدين ثم اجتمع الناس بعد ثلاثة أيام وقيل خمسة أيام على علي رضي الله تعالى عنه والتمسوا منه القيام بأمر الخلافة لكونه أولى الناس بذلك وأفضلهم في ذلك الزمان فقبله بعد امتناع كثير ومدافعة طويلة وبايعه جماعة ممن حضر كحزيمة بن ثابت وأبي الهيثم بن التيهاني ومحمد بن مسلم وعمار وأبي موسى الأشعري وعبدالله بن عباس وغيرهم وكذا طلحة والزبير وقد صحت توبتهما عن مخالفته وكذا بايعه عبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة إلا أنهم استعفوا عن القتال مع أهل القبلة لما رووا في هذا المعنى من الأحاديث وبالجملة انعقدت خلافته بالبيعة واتفاق أهل الحل والعقد وقد دلت عليه أحاديث كقوله عليه السلام الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقوله عليه السلام لعلي رضي الله تعالى عنه إنك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين وقوله عليه السلام لعمار تقتلك الفئة الباغية وقد قتل يوم صفين تحت راية علي رضي الله تعالى عنه ومن المتكلمين من يدعي الإجماع على خلافته لأنه انعقد لإجماع زمان الشورى على أن الخلافة لعثمان أو علي وهو إجماع على أنه لولا عثمان فهي لعلي فحين خرج عثمان من البين بالقتل بقي لعلي بالإجماع قال إمام الحرمين لا اكتراث بقول من قال لا إجماع على إمامة علي رضي الله تعالى عنه فإن الإمامة لم تجحد له وإنما هاجت الفتن لأمور أخر قال وأما الشيعة يعني أن الإمامة يزعمون أن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثم ابنه الحسن ثم أخوه الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنه جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ثم ابنه علي الرضا ثم ابنه محمد الجواد ثم ابنه علي الزكي ثم ابنه الحسن العسكري ثم ابنه محمد بن القائم المنتظر المهدي ويدعون أنه ثبت بالتواتر نص كل من السابقين على من بعده ويروون عن النبي أنه قال للحسن رضي الله عنه ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة تاسعهم قائمهم ويتمسكون تارة بأنه يجب في الإمام العصمة والأفضلية ولا يوجد أن فيمن سواهم والعاقل يتعجب من هذه الروايات والمتواترات التي لا أثر لها في القرون السابقة من أسلافهم ولا رواية عن العترة الطاهرة ومن يوثق بهم من الرواة والمحدثين وأنه كيف يأتي من زيد بن علي رضي الله عنه مع جلالة قدره دعوى الخلافة وكيف لم تبلغه هذه المتواترات بعد مائة وقد بلغت آحاد الروافض بعد سبعمائة ثم لسائر فرق الشيعة في باب الإمامة اختلافات لا تحصى ذكر الإمام في المحصل نبذا منها قال المبحث السادس لما ذهب معظم أهل السنة وكثير من الفرق على أنه يتعين للإمامة أفضل أهل العصر إلا إذا كان في نصبه مرج وهيجان فتن احتاجوا إلى بحث الأفضلية فقال أهل السنة الأفضل أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وقد مال البعض منهم إلى تفضيل علي رضي الله عنه على عثمان والبعض إلى التوقف فيما بينهما قال إمام الحرمين مسئلة امتناع إمامة المفضول ليست بقطعية ثم لا قاطع شاهد من العقل على تفضيل بعض الأئمة على البعض والأخبار الواردة على فضايلهم متعارضة لكن الغالب على الظن أن أبا بكر أفضل ثم عمر ثم يتعارض الظنون في عثمان وعلي رضي الله عنهما وذهب الشيعة وجمهور المعتزلة إلى أن الأفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه لنا إجمالا أن جمهور عظماء الملة وعلماء الأمة أطبقوا على ذلك وحسن الظن بهم يقتضي بأنهم لو لم يعرفوه بدلائل وإمارات لما أطبقوا عليه وتفصيلا الكتاب والسنة والأثر والإمارات أما الكتاب فقوله تعالى

﴿وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى

فالجمهور على أنها نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه والأتقى أكرم لقوله تعالى

﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم

ولا يعني بالأفضل إلا الأكرم وليس المراد به عليا لأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده نعمة تجزى وهي نعمة التربية وأما السنة فقوله عليه السلام اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر دخل في الخطاب علي رضي الله عنه فيكون مأمورا بالاقتداء ولا يؤمر الأفضل ولا المساوي بالاقتداء سيما عند الشيعة وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر هما سيدا كهول أهل الجنة ما خلا النبيين والمرسلين وقوله عليه السلام خير أمتي أبو بكر ثم عمر وقوله عليه السلام ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه عنده وقوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا دون ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن هو شريك في ديني وصاحبي الذي أوجبت له صحبتي في الغار وخليفتي في أمتي وقوله صلى الله عليه وسلم وأين مثل أبي بكر كذبني الناس وصدقني وآمن بي وزوجني ابنته وجهز لي بماله وآساني بنفسه وجاهد معي ساعة الخوف وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء حين كان يمشي أمام أبي بكر أتمشي أمام من هو خير منك والله ما طلعت شمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أحد أفضل من أبي بكر ومثل هذا الكلام وإن كان ظاهره نفي أفضلية الغير لكن إنما يساق لإثبات أفضلية المذكور ولهذا أفاد أن أبا بكر أفضل من أبي الدرداء والسر في ذلك أن الغالب من حال كل اثنين هو التفاضل دون التساوي فإذا نفى أفضلية أحدهما لآخر ثبت أفضلية الآخر وبمثل هذا ينحل الإشكال المشهور على قوله صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه لأنه في معنى أن من قال ذلك فقد أتى بأفضل مما جاء به كل أحد إلا أحدا قال مثل ذلك أو زاد عليه فالاستثناء بظاهره من النفي وبالتحقيق من الإثبات وعن عمرو بن العاص قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال عائشة قلت من الرجال قال أبوها قلت ثم من قال عمر وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كان بعدي نبي لكان عمر وعن عبدالله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر فقال هذان السمع والبصر وأما الأثر فعن ابن عمر كنا نقول ورسول الله حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان وعن محمد بن الحنفية قلت لأبي أي الناس خير بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قلت ثم من قال عمر وخشيت أن أقول ثم من فيقول عثمان فقلت ثم أنت قال ما لنا إلا رجل من المسلمين وعن علي رضي الله عنه خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثم عمر ثم الله أعلم وعنه رضي الله عنه لما قيل له ما توصي قال ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوصى ولكن إن أراد الله بالناس خيرا جمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم وأما الإمارت فما تواتر في أيام أبي بكر من اجتماع الكلمة وتألف القلوب وتتابع الفتوح وقهر أهل الردة وتطهير جزيرة العرب عن الشرك وإجلاء الروم عن الشام وأطرافها وطرد فارس عن حدود السواد وأطراف العراق مع قوتهم وشوكتهم ووفور أموالهم وانتظام أحوالهم وفي أيام عمرمن فتح جانب المشرق إلى أقصى خراسان وقطع دولة العجم وثل عرشهم الراسي البنيان الثابت الأركان ومن ترتيب الأمور وسياسة الجمهور وإفاضة العدل وتقوية الضعفاء ومن إعراضه عن متاع الدنيا وطيباتها وملاذها وشهواتها وفي أيام عثمان من فتح البلاد وإعلاء لواء الإسلام وجمع الناس على مصحف واحد مع ما كان له من الورع والتقوى وتجهيز جيوش المسلمين والإنفاق في نصرة الدين والمهاجرة هجرتين وكونه ختنا للنبي صلى الله عليه وسلم على ابنتين والاستحياء من أدنى شين وتشرفه بقوله عليه السلام عثمان أخي ورفيقي في الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم ألا أستحيي ممن تستحيي منه ملائكة السماء وقوله صلى الله عليه وسلم أنه رجل يدخل الجنة بغير حساب قال تمسكت الشيعة القائلون بأفضلية علي رضي الله عنه تمسكوا بالكتاب والسنة والمعقول أما الكتاب فقوله تعالى

﴿فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم

الآية عنى بأنفسنا عليا رضي الله تعالى عنه وإن كان صيغة جمع لأنه صلى الله عليه وسلم حين دعا وفد نجران إلى المباهلة وهو الدعاء على الظالم من الفريقين خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي وهو يقول لهم إذا أنا دعوت فآمنوا ولم يخرج معه من بني عمه غير علي رضي الله عنه ولا شك أن من كان بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه وسلم كان أفضل وقوله تعالى

﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى

قال سعيد بن جبير لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين تودهم قال علي وفاطمة وولداها ولا يخفى أن من وجبت محبته بحكم نص الكتاب كان أفضل وكذا من ثبت نصرته للرسول بالعطف في كلام الله تعالى عنه على اسم الله وجبريل مع التعبير عنه بصالح المؤمنين وذلك قوله تعالى

﴿فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين

فعن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد به علي وأما السنة فقوله عليه السلام من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في تقواه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في هيبته وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب ولا خفاء في أن من ساوى هؤلاء الأنبياء في هذه الكمالات كان أفضل وقوله صلى الله عليه وسلم أقضاكم علي والأقضى أكمل وأعلم وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاءه علي فأكل معه والأحب إلى الله أكثر ثوابا وهو معنى الأفضلية وبقوله عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولم يكن عند موسى أفضل من هارون وكقوله عليه السلام من كنت مولاه فعلي مولاه الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله كلهم يرجون أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب قالوا هو يا رسول الله يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية وقوله صلى الله عليه وسلم أنا دار الحكمة وعلي بابها وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي أنت أخي في الدنيا والآخرة وذلك حين آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد وقوله صلى الله عليه وسلم لمبارزة علي عمرو بن عبدود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ومن أحبك فقد أحبني وحبيبي حبيب الله ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله فالويل لمن أبغضك بعدي وأما المعقول فهو أنه أعلم الصحابة لقوة حدسه وذكائه وشدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم واستفادته منه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى

﴿وتعيها أذن واعية

اللهم اجعلها أذن علي قال علي ما نسيت بعد ذلك شيأ وقال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب ولهذا رجعت الصحابة إليه في كثير من الوقايع واستند العلماء في كثير من العلوم إليه كالمعتزلة والأشاعرة في علم الأصول والمفسرين في علم التفسير فإن رئيسهم ابن عباس تلميذ له والمشايخ في علم السر وتصفية الباطن فإن المرجع فيه إلى العترة الطاهرة وعلم النحو إنما ظهر منه وبهذا قال لو كسرت الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم والله ما من آية نزلت في برا وبحرا وسهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شيء نزلت وأيضا هو أشجعهم يدل عليه كثرة جهاده في سبيل الله وحسن إقدامه في الغزوات وهي مشهورة غنية عن البيان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وقال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين وأيضا هو أزهدهم لما تواتر من إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها لاتساع أبواب الدنيا عليه ولهذا قال يا دنيا إليك عني إلي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وحظك يسير وأملك حقير وقال والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم وقال والله لنعيم دنياكم هذه أهون عندي من عيطة عنز وأيضا هو أكثرهم عبادة حتى روي أن جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده وأكثرهم سخاوة حتى نزل فيه وفي أهل بيته

﴿ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا

وأشرفهم خلقا وطلاقة وجه حتى نسب إلى الدعابة وأحلمهم حتى ترك ابن ملجم في دياره وجواره يعطيه العطاء مع علمه بحاله وعفا عن مروان حين أخذ يوم الجمل مع شدة عداوته له وقوله فيه سيلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر وأيضا هو أفصحهم لسانا على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة وأسبقهم إسلاما على ما روي أنه بعث النبي يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء وبالجملة فمناقبه أظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى والجواب أنه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات إلا أنه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله بعدما ثبت من الاتفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضلية أبي بكر ثم عمر والاعتراف من علي بذلك على أن فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصل مثل أن المراد بأنفسنا نفس النبي صلى الله عليه وسلم كما يقال دعوت نفسي إلى كذا وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي رضي الله عنه فلا اختصاص به وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء وأن أحب خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه عملا بأدلة أفضليتهما ويحتمل أن يراد أحب الخلق إليك في أن يأكل معه وإن حكم الأخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما أيضا حيث قال في حق أبي بكر لكنه أخي وصاحبي ووزيري وقال في عثمان أخي ورفيقي في الجنة وأما حديث العلم والشجاعة فلم تقع حادثة إلا ولأبي بكر وعمر فيه رأي وعند الاختلاف لم يكن يرجع إلى قول علي رضي الله تعالى عنه البتة بل قد وقد ولم يكن رباط الجيش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد سيما فيما وقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم من حوادث يكاد يصيب وهنا في الإسلام وليس الخير في هداية من اهتدى ببركة أبي بكر ويمن دعوته وحسن تدبيره أقل من الخير في قتل من قتله علي رضي الله تعالى عنه من الكفار بل لعل ذلك أدخل في نصرة الإسلام وتكثير أمة النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث زهدهما في الدنيا فغني عن البيان وأما السابق إسلاما فقيل علي وقيل زيد بن حارثة وقيل خديجة وقيل أبو بكر وعليه الأكثرون على ما صرح به حسان بن ثابت في شعر أنشده على رؤس الأشهاد ولم ينكر عليه أحد وقيل أول من آمن به من النساء خديجة رضي الله تعالى عنها ومن الصبيان علي رضي الله عنه ومن العبيد زيد بن حارثة ومن الرجال الأحرار أبو بكر رضي الله تعالى عنه وبه اقتدى جمع من العظماء كعثمان والزبير وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة بن الجراح وغيرهم والإنصاف أن مساعي أبي بكر وعمر في الإسلام أمر علي الشأن جلي البرهان غني عن البيان قال وأما بعدهم ما ذكر من أفضلية بعض الأفراد بحسب التعيين أمر ذهب إليه الأئمة وقامت عليه الأدلة قال الإمام الغزالي رحمة الله تعالى عليه حقيقة الفضل ما هو عند الله وذلك مما لا يطلع عليه إلا رسول الله وقد ورد في الثناء عليهم أخبار كثيرة ولا يدرك دقايق الفضل والترتيب فيه إلا المشاهدون للوحي والتنزيل بقرائن الأحوال فلولا فهم ذلك لما رتبوا الأمر كذلك إذ كان لا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عن الحق صارف وأما فيمن عداهم فقد ورد النص بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن أهل بيعة الرضوان الذين بايعوه تحت الشجرة ومن شهد بدرا وأحدا والحديبية من أهل الجنة وحديث بشارة العشرة بالجنة مشهور يكاد يلحق بالمتواترات وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة بن الجراح وأما إجمالا فقد تطابق الكتاب والسنة والإجماع على أن الفضل للعلم والتقوى قال الله تعالى

﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم

وقال الله تعالى

﴿قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون

وقال الله تعالى

﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات

وقال النبي صلى الله عليه وسلم الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إنما الفضل بالتقوى وقال عليه السلام إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وقال عليه السلام فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم وقال عليه السلام من سلك طريقا يلتمس فيها علما سهل الله له طريقا إلى الجنة فإن قيل يكاد يقع الإجماع على أن غير القرشي ليس بكفؤ للقرشي وهذا يدل على أن القرشي سيما الهاشمي سيما العلوي سيما الفاطمي أفضل من غيره وإن اختص بالعلم قلنا اعتبار الكفاءة في النكاح لغرض تحصيل رضاء الأولياء وعدم لحوق العار ونحو ذلك مما يتعلق بأمر الدنيا والكلام في الفضل عند الله وكثرة الثواب وعلو الدرجة في الجنة وهل يتصور فضل آحاد القرشيين بل العلويين على علماء الدين وعظماء المشتهدين فإن قيل قال الله تعالى

﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا

وقال النبي صلى الله عليه وسلم إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقال صلى الله عليه وسلم أنا تارك فيكم الثقلين كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به وأهل بيتي وأذكركم الله في أهل بيتي اذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ومثل هذا يشعر بفضلهم على العالم وغيره قلنا نعم لاتصافهم بالعلم والتقوى مع شرف النسب ألا يرى أنه صلى الله عليه وسلم قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذا من الضلالة ولا معنى للتمسك بالكتاب إلا الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه قال المبحث السابع يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم على محامل وتأويلات سيما للمهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان ومن شهد بدرا وأحدا والحديبية فقال انعقد على علو شأنهم الإجماع وشهد بذلك الآيات الصراح والأخبار الصحاح وتفاصيلها في كتب الحديث والسير والمناقب ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعظيمهم وكف اللسان عن الطعن فيهم حيث قال أكرموا أصحابي فإنهم خياركم وقال لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم وللروافض سيما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصحابة رضي الله عنهم والطعن فيهم بناء على حكايات وافتراآت لم تكن في القرن الثاني والثالث فإياك والإصغاء إليها فإنها تضل الأحداث وتخيرالأوساط وإن كانت لا تؤثر فيمن له استقامة على الصراط المستقيم وكفاك شاهدا على ما ذكرنا أنها لم تكن في القرون السالفة ولا فيما بين العترة الطاهرة بل ثناؤهم على عظماء الصحابة وعلماء السنة والجماعة والمهديين من خلفاء الدين مشهور وفي خطبهم ورسائلهم وأشعارهم ومدايحهم مذكور والله الهادي قال وتوقف علي رضي الله عنه قد استقرت آراء المحققين من علماء الدين على أن البحث عن أحوال الصحابة وما جرى بينهم من الموافقة والمخالفة ليس من العقايد الدينية والقواعد الكلامية وليس له نفع في الدين بل ربما يضر باليقين إلا أنهم ذكروا نبذا من ذلك لأمرين أحدهما صون الأذهان السليمة عن التدنس بالعقايد الرديئة التي توقعها حكايات بعض الروافض ورواياتهم وثانيها ابتناء بعض الأحكام الفقهية في باب البغاة عليها إذ ليس في ذلك نصوص يرجع إليها ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لولا علي لم نكن نعرف السيرة في الخوارج وكان النبي صلى الله عليه وسلم خص عليا رضي الله عنه بتعليم تلك الأحكام لما علم من اختصاصه بالحاجة إليها أو علمها غيره أيضا لكنهم لم يحتاجوا إلى البيان والتبليغ لما رأوا من معاملة علي رضي الله تعالى عنه على وفقها من غير تغيير فنقول إما توقف علي رضي الله عنه في بيعة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فيحمل على أنه لما أصابه من الكآبة والحزن بفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتفرغ للنظر والاجتهاد فلما نظر وظهر له الحق دخل فيما دخل فيه الجماعة وأما توقفه عن نصرة عثمان رضي الله تعالى عنه ودفع الغوغاء عنه فلأنه لم يأذن في ذلك وكان يتجافى عن الحرب وإراقة الدماء حتى قال من وضع السلاح من غلماني فهو حر ومع هذا فقد دفع عنه الحسنان رضي الله عنهما ولم ينفع وكان ما كان ولم يكن رضا من علي رضي الله عنه بذلك وإعانة عليه ولهذا قال رضي الله عنه والله ما قتلت عثمان ولا مالأت عليه وتوقف في قبول البيعة إعظاما لقتل عثمان وإنكار أو كذا طلحة والزبير إلا أن من حضر من وجوه المهاجرين والأنصار أقسموا عليه وناشدوه الله في حفظ بقية الأمة وصيانة دار الهجرة إذ قتلة عثمان قصدوا الاستيلاء على المدينة والفتك بأهلها وكانوا جهلة لا سابقة لهم في الإسلام ولا علم لهم بأمر الدين ولا صحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقبل البيعة وتوقفه عن قصاص قتلة عثمان رضي الله تعالى عنه إما لشوكتهم وكثرتهم وقوتهم وحرصهم بالخروج على من يطالبهم بدمه فاقتضى النظر الصائب تأخير الأمر احترازا عن إثارة الفتنة وإما لأنه رأى انهم بغاة لما لهم من المنعة الظاهرة والتأويل الفاسد حيث استحلوا دمه بما أنكروا عليه من الأمور وأن الباغي إذا انقاد الإمام أهل العدل لا يؤاخذ بما سبق منه من إتلاف أموالهم وسفك دمائهم على ما هو رأي بعض المجتهدين قال وامتناع سعد يعني أن امتناع جماعة سعد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كسعد بن أبي وقاص أو سعيد بن أبي زيد وأسامة بن زيد وعبدالله بن عمر وغيرهم عن نصرة علي رضي الله تعالى عنه والخروج معه إلى الحروب لم يكن عن نزاع منهم في إمامته ولا عن إباء عما وجب عليهم من طاعته بل لأنه تركهم واختيارهم من غير إلزام على الخروج إلى الحروب فاختاروا ذلك بناء على أحاديث رووها على ما قال محمد بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي إذا وقعت الفتنة أن أكسر سيفي وأتخذ مكانه سيفا من خشب وروى سعد بن أبي وقاص أنه قال صلى الله عليه وسلم سيكون بعدي فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي وقال صلى الله عليه وسلم قتال المسلم كفر وسبابه فسق ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام فلم تأثموا بالقعود عن الحروب قال وأما في حرب الجمل قاتل علي رضي الله تعالى عنه ثلاث فرق من المسلمين على ما قال النبي صلى الله عليه وسلم إنك تقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين فالناكثون هم الذين نكثوا العهد والبيعة وخرجوا إلى البصرة ومقدمهم طلحة والزبير رضي الله تعالى عنهما وقاتلوا عليا رضي الله تعالى عنه بعسكر مقدمهم عائشة رضي الله تعالى عنها في هودج على جمل أخذ بخطامه كعب بن مسور فسمي ذلك الحرب حرب الجمل والمارقون هم الذين نزعوا اليد عن طاعة علي رضي الله تعالى عنه بعدما بايعوه وتابعوه في حرب أهل الشام زعما منهم أنه كفر حيث رضي بالتحكيم وذلك أنه لما طالت محاربة علي رضي الله تعالى عنه ومعاوية بصفين واستمرت اتفق الفريقان على تحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص في أمر الخلافة وعلي الرضا بما يريانه فاجتمع الخوارج على عبدالله بن وهب الرابسي وساروا إلى النهروان وسار إليهم علي رضي الله تعالى عنه بعسكره وكسرهم وقتل الكثير منهم وذلك حرب الخوارج وحرب النهروان والقاسطون معاوية وأتباعه الذين اجتمعوا عليه وعدلوا عن طريق الحق الذي هو بيعة علي رضي الله تعالى عنه والدخول تحت طاعته ذهابا إلى أنه مالأ على قتل عثمان رضي الله تعالى عنه حيث ترك معاونته وجعل قتلته خواصه وبطانته فاجتمع الفريقان بصفين وهي قرية خراب من قرى الروم على غلوة من الفرات ودامت الحرب بينهم شهورا فسمي ذلك حرب صفين والذي اتفق عليه أهل الحق أن المصيب في جميع ذلك علي رضي الله تعالى عنه لما ثبت من إمامته ببيعة أهل الحل والعقد وظهر من تفاوت ما بينه وبين المخالفين سيما معاوية وأحزابه وتكاثر من الأخبار في كون الحق معه وما وقع عليه الاتفاق حتى من الأعداء إلى أنه أفضل زمانه وأنه لا أحق بالإمامة منه والمخالفون بغاة لخروجهم على الإمام الحق بشبهة هي تركه القصاص من قتلة عثمان رضي الله تعالى عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم لعمار تقتلك الفئة الباغية وقد قتل يوم صفين على يد أهل الشام ولقول علي رضي الله تعالى عنه إخواننا بغوا علينا وليسوا كفارا ولا فسقة ولا ظلمة لما لهم من التأويل وإن كان باطلا فغاية الأمر أنهم أخطأوا في الاجتهاد وذلك لا يوجب التفسيق فضلا عن التكفير ولهذا منع علي رضي الله تعالى عنه أصحابه من لعن أهل الشام وقال إخواننا بغوا علينا كيف وقد صح ندم طلحة والزبير رضي الله عنهما وانصراف الزبير رضي الله عنه عن الحرب واشتهر ندم عائشة رضي الله عنها والمحققون من أصحابنا على أن حرب الجمل كانت فلتة من غير قصد من الفريقين بل كانت تهييجا من قتلة عثمان رضي الله عنه حيث صاروا فرقتين واختلطوا بالعسكرين وأقاموا الحرب خوفا من القصاص وقصد عائشة رضي الله عنها لم يكن إلا إصلاح الطائفتين وتسكين الفتنة فوقعت في الحرب وما ذهب إليه الشيعة من أن محاربي علي كفرة ومخالفوه فسقة تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم حربك يا علي حربي وبأن الطاعة واجبة وترك الواجب فسق فمن اجتراآتهم وجهالاتهم حيث لم يفرقوا بين ما يكون بتأويل واجتهاد وبين مالا يكون نعم لو قلنا بكفر الخوارج بناء على تكفيرهم عليا رضي الله عنه لم يبعد لكنه بحث آخر فإن قيل لا كلام في أن عليا أعلم وأفضل وفي باب الاجتهاد أكمل لكن من أين لكم أن اجتهاده في هذه المسئلة وحكمه بعدم القصاص على الباغي أو باشتراط زوال المنعة صواب واجتهاد القائلين بالوجوب خطأ ليصح له مقاتلتهم وهل هذا إلا كما إذا خرج طائفة على الإمام وطلبوا منه الاقتصاص ممن قتل مسلما بالمثقل قلنا ليس قطعنا بخطأهم في الاجتهاد عائدا إلى حكم المسئلة نفسه بل إلى اعتقادهم أن عليا رضي الله عنه يعرف القتلة بأعيانهم ويقدر على الاقتصاص منهم كيف وقد كانت عشرة آلاف من الرجال يلبسون السلاح وينادون إننا كلنا قتلة عثمان وبهذا يظهر فساد ما ذهب إليه عمرو بن عبيدة وواصل بن عطاء من أن المصيب إحدى الطائفتين ولا نعلمه على التعيين وكذا ما ذهب إليه البعض من أن كلتا الطائفتين على الصواب بناء على تصويب كل مجتهد وذلك لأن الخلاف إنما هو فيما إذا كان كل منهما مجتهدا في الدين على الشرائط المذكورة والاجتهاد لا في كل من يتخيل شبهة واهية ويتأول تأويلا فاسدا ولهذا ذهب الأكثرون إلى أن أول من بغى في الإسلام معاوية لأن قتلة عثمان لم يكونوا بغاة بل ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبهتهم ولأنهم بعد كشف الشبهة أصروا إصرارا واستكبروا استكبارا قال وفي حرب الخوارج الأمر أظهر لأن الحكمة من نصب الإمام وهي تألف القلوب واجتماع الكلمة كما يحصل بالقتال فقد يحصل بالتحكيم سيما وقد شرط أن يحكم الحكمان بكتاب الله ثم سنة رسول الله وأيضا ورد النص في إصلاح الزوجين بأن يبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وغاية متشبثهم أن الله تعالى أوجب القتال لقوله تعالى

﴿فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله

فلا يجوز العدول عنه إلى التحكيم والجواب بعد تسليم كون الأمر للفور أو كون الفاء الجزائية للتعقيب أنه إنما أوجب القتال بعد إيجاب الإصلاح وهذا إصلاح فلا يعدل عنه إلى القتال مالم يتعذر فإن قيل يزعمون أن الوقيعة في الصحابة رضي الله عنهم بالطعن واللعن والتفسيق والتضليل بدعة وضلالة وخروج عن مذهب الحق والصحابة أنفسهم كانوا يتقاتلون بالسنان ويتقاولون باللسان بما يكره وذلك وقيعة قلنا مقاولتهم ومخاشنتهم في الكلام كانت محض نسبة إلى الخطأ وتقرير على قلة التأمل وقصد إلى الرجوع إلى الحق ومقاتلتهم كانت لارتفاع التباين والعود إلى الألفة والاجتماع بعدما لم يكن طريق سواه وبالجملة فلم يقصدوا إلا الخير والصلاح في الدين وأما اليوم فلا معنى لبسط اللسان فيهم إلا التهاون بنقلة الدين الباذلين أنفسهم وأموالهم في نصرته المكرمين بصحبة خير البشر ومحبته قال وأما بعدهم يعني أن ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقاة يدل بظاهره على أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات إذ ليس كل صحابي معصوما ولا كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم بالخير موسوما إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار والمبشرين بالثواب في دار القرار وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى فإن قيل فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربوا على ذلك ويزيد قلنا تحاميا عن أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الإعتقاد وبحيث لا تزل الأقدام على السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق وكيف لا يقع عليهما الاتفاق وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل مع علمهم بحقيقة الحال وجلية المقال وقد انكشف لنا ذلك حين اضطربت الأحوال واشرأبت الأهوال وحيث لا متسع ولا مجال والمشتكى إلى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالي قال خاتمة مما يلحق بباب الإمامة بحث خروج المهدي ونزول عيسى صلى الله عليه وسلم وهما من أشراط الساعة وقد وردت في هذا الباب أخبار صحاح وإن كانت آحادا ويشبه أن يكون حديث خروج الدجال متواتر المعنى أما خروج المهدي فعن ابن عباس رضي تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي بواطيء اسمه اسمي وعن ابن سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين وعنه رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه وزعمت الإمامية من الشيعة أنه محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفا من الأعداء ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر عليهم السلام وأنكر ذلك سائر الفرق لأنه ادعاء أمر يستبعد جدا إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل عليه ولا إمارة ولا إشارة إقامة من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن اختفاء إمام هذا القدر من الأنام بحيث لا يذكر منه إلا الاسم بعيد جدا ولأن بعثه مع هذا الاختفاء عبث إذ المقصود من الإمامة الشريعة وحفظ النظام ودفع الجور ونحو ذلك ولو سلم فكان ينبغي أن يكون ظاهرا لا يظهر دعوى الإمامة كسائر الأئمة من أهل البيت ليستظهر به الأولياء وينتفع به الناس لأن أولى الأزمنة بالظهور هو هذا الزمان للقطع بأنه يتسارع إلى الانقياد له والاجتماع معه النسوان والصبيان فضلا عن الرجال والأبطال وأما نزول عيسى عليه السلام فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير الحديث وقال صلى الله عليه وسلم كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ثم لم يروا في حاله مع إمام الزمان حديث صحيح سوى ما روي أنه قال صلى الله عليه وسلم لا يزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة إليه هذه الأمة فما يقال أن عيسى صلى الله عليه وسلم يقتدي بالمهدي أو بالعكس شيء لا مستند له فلا ينبغي أن يعول عليه نعم هو وإن كان حينئذ من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم فليس منعزلا عن النبوة فلا محالة يكون أفضل من الإمام إذ غاية علماء الأمة الشبه بأنبياء بني إسرائيل وأما قوله صلى الله عليه وسلم لا مهدي إلا عيسى ابن مريم فلا يبعد أن يحمل على الهداية إلى طريق هلاك الدجال ودفع شره على ما نظن به الأحاديث الصحاح فمن حديث طويل في الملاحم أنه يخرج الدجال بالشام فبينا المسلمون يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى ابن مريم فأمهم فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته وفي هذا دليل على أن عيسى صلى الله عليه وسلم يؤم المسلمين في تلك الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم ليس ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال وقال صلى الله عليه وسلم ما من نبي إلا أنذر قومه الأعور الكذاب ثم وصفه وفصل كثيرا من أحواله وقال ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله وقال صلى الله عليه وسلم الدجال يخرج من أرض بالشرق يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة وقال صلى الله عليه وسلم يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم التيجان أي الطيالسة الخضر ونرجو أن يكون المراد أمة الدعوة على ما قال صلى الله عليه وسلم يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وقال عليه السلام من أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنه جواركم من فتنته وقال عليه السلام من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما تبعث له من الشبهات قال وغير ذلك من أشراط الساعة عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال ما تذكرون قلنا نذكر الساعة قال إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم وقال صلى الله عليه وسلم إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وعن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غربت الشمس أتدري أين تذهب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى يسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى

﴿والشمس تجري لمستقر لها

قال مستقرها تحت العرش وقال صلى الله عليه وسلم إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر الجهل ويكثر شرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أشراط الساعة نار تحشرالناس من المشرق إلى المغرب وقال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى وقال عليه السلام لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كالصرمة بالنار وقال عليه السلام لا تقوم الساعة إلا على شرارالخلق وفي حديث آخر لا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله وذكر في حديث آخر من علامات الساعة أن تظهر الأصوات في المساجد وأن يسود القبيلة فاسقهم وأن يكون زعيم القوم أرذلهم وأن يكرم الرجل مخافة شره وبالجملة فالأحاديث في هذا الباب كثيرة رواها العدول الثقاة وصححها المحدثون الأثبات ولا يمتنع حملها على ظواهرها عند أهل الشريعة لأن المعاني المذكورة أمور ممكنة عقلا وزعمت الفلاسفة أن طلوع الشمس من مغربها مما يجب تأويله بانعكاس الأمور وجريانها على غير ما ينبغي وأول بعض العلماء النار الخارجة من الحجاز بالعلم والهداية سيما الفقه الحجازي والنار الحاشرة للناس بفتنة الأتراك وخروج الدجال بظهور الشر والفساد ونزول عيسى صلى الله تعالى عليه وسلم باندفاع ذلك وبدو الخير والصلاح وتقارب الزمان بقلة الخير والبركة وذهاب فائدة الأيام والأوقات أو بكثرة الغفلة والاشتغال بأمر الدنيا ولذاتها وبحدوث الفتن العظام الشاغلة لقلوب الأنام عما يمضي عليهم من الليالي والأيام وأما يأجوج ومأجوج فقيل من أولاد يافث بن نوح وقيل جمع كثير من أولاد آدم أضعاف سائر بني آدم لأنه لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه يحملون السلاح فمنهم من هو في غاية الطول خمسون ذراعا وقيل ماية وعشرون ذراعا ومنهم من طوله وعرضه كذلك ومنهم من هو في غاية القصر كانوا يخرجون إلى قوم صالحين بقربهم فيهلكون زروعهم وضروعهم ويقتلونهم فجعل ذو القرنين سدا دونهم فيحفرون كل يوم السد حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا فيعيده الله كما كان حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله فيعودون وهو كهيئة فيحفرونه ويخرجون مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان فيشربون المياه وينحصر الناس منهم في حصونهم ولا يقدرون على إتيان مكة والمدينة وبيت المقدس فيرسل الله عليهم نغفا في أمعائهم فيهلكون جميعا فيرسل طيرا فيلقيهم في البحر ويرسل مطرا فيغسل الأرض وخروجهم يكون بعد خروج الدجال وقتل عيسى إياه فإن قيل بعض هذه الأحاديث يشعر بأن الأمة في آخر الزمان شر الخلق قليل الخير وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره قلنا الشرارة الظاهرة التي لا شك معها في خيرية القرون السابقة إنما هي عند غاية قرب الساعة وحين انقراض زمن التكليف أو كاد على ما ورد في الحديث أنه يمكث عيسى ابن مريم في الناس بعد قتل الدجال سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ويبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا فيأمرهم الشيطان بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ثم ينفخ في الصور وهذا ما قال صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله وأما في آخر الزمان عند كون الأمة في الجملة على الطاعة والإيمان فلا يبعد كونهم خيرا عند الله وأكثر ثوابا باعتبار انقيادهم وإيمانهم مع الغيبة عن مشاهدة نزول الوحي وظهور المعجزات وهبوط الخيرات والبركات وباعتبار ثباتهم على الإيمان والطاعات والعلوم والمعارف وإرشاد الطوايف مع فساد الزمان وشيوع المنكرات وكساد الفضائل ورواج الرذايل واستيلاء أهل الجهل والعناد والشر والفساد وهذا لا ينافي خيرية القرون الأولى ومن يليهم بكثرة الطاعات والعبادات وصفاء العقائد وخلوص النيات وقرب العهد بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ونحو ذلك على ما قال صلى الله عليه وسلم خيرالقرون القرن الذي أنا فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب فإن قيل في أحاديث قرب الساعة ما يشعر بأنها تقوم قريبا كقوله صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين يعني السبابة والوسطى بل على أنها تكون قبل مائة سنة كقوله صلى الله عليه وسلم يسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وكقوله صلى الله عليه وسلم لا يأتي ماية سنة وعلى الأرض نفس منفوسة وها نحن اليوم شارفنا ثمان مائة سنة ولم يظهر شيء من تلك العلامات قلنا المراد أن قرب الساعة من مستقبل الزمان بالإضافة إلى ما مضى كقرب ما بين الأصبعين أو كفضل الوسطى على السبابة وحديث مائة سنة إنما هو في القيامة الصغرى المشار إليها بقوله عليه السلام من مات فقد قامت قيامته وقوله لجمع من الأعراب سألوه عن الساعة وقد أشار إلى أصغرهم إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى يقوم عليكم ساعيكم وإنما الكلام في القيامة الكبرى التي هي حشر الكل وسوقهم إلى المحشر على أن الحديث ليس على عمومه لبقاء الخضر بل الياس أيضا على ما ذهب إليه العظماء من العلماء من أن أربعة من أنبياء في زمرة الأحياء الخضر والياس في الأرض وعيسى وإدريس في السماء عليهم الصلاة والسلام قد يسر الله تعالى طبع هذا الكتاب المسمى بشرح مقاصد الطالبين في علم أصول عقائد الدين للعلامة الفاضل سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني وذلك في دار الخلافة الزاهرة في أيام حضرة ذي الدولة والإجلال والفضل والأفضال مولانا المكرم وسلطاننا المعظم السلطان ابن السلطان السلطان الغازي عبدالحميد خان أدام الله دولته إلى آخر الدوران وذلك في مطبعة الحاج محرم أفندي البسنوي أنال الله مقصوده الدنيوي والأخروي ووافق إنجاز طبعه في شهر جمادى الأولى في سنة خمس وثلثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتحية وعلى آله وعترته الزكية

Bogga 311