Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Daabacaha
دار المعارف النعمانية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1401هـ - 1981م
Goobta Daabacaadda
باكستان
Noocyada
وثانيهما أنا لو فرضنا عدم وضع لفظ التصديق المعنى أو وضعه لمعنى آخر لم يكن المتلفظ به مؤمنا قطعا وأجيب بأنهم لا يعنون أن الإيمان هو التلفظ بهذه الحروف كيف ما كانت بل التلفظ بالكلام الدال على تصديق القلب أية ألفاظ كانت وأية حروف من غير أن يجعل التصديق جزأ منه والحاصل أنه اسم للمقيد دون المجموع تمسك المخالف بوجهين أحدهما قوله تعالى
﴿فأثابهم الله بما قالوا﴾
حيث رتب ثواب الجنة على القول قلنا إن كانت ما موصولة فالقول بالتحقيق هو المعنى وإن كانت مصدرية فالقول إن حمل على اللفظي فالثواب عليه لدلالته على وجود المعنى في النفس وإن حمل على النفس فهو نفس التصديق ويدل على ما ذكرنا قوله تعالى
﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾
حيث رتب على القول الخالي عن تصديق القلب العقاب بالنار والمخالف أيضا لا يخالف في ذلك وقوله تعالى
﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾
حيث نفى الإيمان عمن أقر باللسان دون القلب وثانيهما أن النبي عليه السلام ومن بعده كانوا يكتفون من كل أحد بمجرد الإقرار والتلفظ بكلمتي الشهادة حتى أن أسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله ذهابا إلى أنه لم يكن مصدقا بالقلب أنكر عليه النبي عليه السلام وقال هلا شققت قلبه وقال عليه السلام أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم قلنا هذا في حق أحكام الدنيا وإنما النزاع في أحكام الآخرة وإذا تأملت فحديث أسامة لنا لا علينا قال المقام الثاني أن الإيمان في اللغة التصديق بشهادة النقل عن أئمة اللغة ودلالة موارد الاستعمال ولم ينقل في الشرع إلى معنى آخر أما أولا فلأن النقل خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل وأما ثانيا فلأنه كثر في الكتاب والسنة خطاب العرب به بل كان ذلك أول الواجبات وأساس المشروعات فامتثل من امتثل من غير استفسار ولا توقف إلى بيان ولم يكن ذلك من الخطاب بما لا يفهم وإنما احتيج إلى بيان ما يجب الإيمان به فبين وفصل بعض التفصيل حيث قال النبي عليه السلام لمن سأله عن الإيمان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله الحديث فذكر لفظ تؤمن بالله تعويلا على ظهور معناه عندهم ثم قال هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم دينكم ولو كان الإيمان غير التصديق لما كان هذا تعليما وإرشادا بل تلبيسا وإضلالا نعم لو قيل أنه في اللغة لمطلق التصديق وقد نقل في الشرع إلى التصديق بأمور مخصوصة فلا نزاع وإنما المقصود أنه تصديق بالأمور المخصوصة بالمعنى اللغوي وهو ما يعبر عنه بالفارسية بكرويدن وراست كوى داشتن ويخالفه التكذيب وينافيه التوقف والتردد ولهذا اختار العلماء في ألفاظ الإيمان كرويدم باورداشتم راست كوى داشتم بدل وأنه معنى واضح عند العقل لا يشتبه على العوام فضلا عن الخواص والمذهب أنه غير العلم والمعرفة لأن من الكفار من كان يعرف الحق ولا يصدق به عنادا واستكبارا قال الله تعالى
﴿الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون﴾
وقال
﴿وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون﴾
وقال
﴿وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا﴾
وقال حكاية عن موسى عليه السلام لفرعون
﴿لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض﴾
بصائر فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي عليه السلام وهو معرفته وبين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين دون الثاني وكون الثاني إيمانا دون الأول فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار والتكذيب وضد المعرفة النكارة والجهالة وإليه أشار الإمام الغزالي رحمه الله حيث فسر التصديق بالتسليم فإنه لا يكون مع الإنكار والاستكبار بخلاف العلم والمعرفة وفصل بعضهم زيادة تفصيل وقال التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من إخبار المخبر وهو أمر كسبي يثبت بإخبار المصدق ولهذا يؤمر ويثاب عليه بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما يحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر وحققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال المعتبر في الإيمان هو التصديق الاختياري ومعناه نسبة الصدق إلى المتكلم اختيارا وبهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور فإنه قد يخلو عن الاختيار كما إذا ادعى النبي النبوة وأظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه ضرورة من غير أن ينسب إليه اختيارا فإنه لا يقال في اللغة أنه صدقه فلا يكون إيمانا شرعيا كيف والتصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريا زائدا على العلم لكونه كيفية نفسانية أو انفعالا وهو حصول المعنى في القلب والفعل القلبي ليس كذلك بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلام النفس ويسمى عقد القلب فالسوفسطائي عالم بوجود النهار وكذا بعض الكفار بنبوة النبي عليه السلام لكنهم ليسوا مصدقين لغة لأنهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون وكلام هذا المحقق متردد يميل تارة إلى أن التصديق المعتبر في الإيمان نوع من التصديق المنطقي الذي هو أحد قسمي العلم لكونه مقيدا بالاختيار وكون التصديق العلمي أعم لا فرق بينهما إلا بلزوم الاختيار وعدمه وتارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصلا لكونه فعلا اختياريا وكون العلم كيفية أو انفعالا وعلى هذا الأخير أصر بعض المعتنين بتحقيق معنى الإيمان وجزم بأن التسليم الذي فسر به الإمام الغزالي التصديق ليس من جنس العلم بل أمر وراءه معناه كردن دادن وكرويدن وحق داشتن مرا نراكه حق دانسته باشيء ويؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على التحقيق كلام النفس لكن لا يثبت كلام النفس إلا مع العلم ونحن نقول لا شك أن التصديق المعتبر في الإيمان هو ما يعبر عنه في الفارسية بكرويدن وباوركردن وراست كوى داشتن إذا اضيف إلى الحاكم وراست داشتن وحق داشتن إذا أضيف إلى الحكم ولا يكفي مجرد العلم والمعرفة الخالي عن هذا المعنى لكن ههنا مواضع نظر ومطارح فكر لا بد من التنبيه عليها ولا غنى من الإشارة إليها
Bogga 251