296

Sharh Maqasid

شرح المقاصد في علم الكلام

Daabacaha

دار المعارف النعمانية

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1401هـ - 1981م

Goobta Daabacaadda

باكستان

وثانيهما قوله تعالى

﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها

إلى قوله

﴿جعلا له شركاء فيما آتاهما

ولم يقل أحد في حق الأنبياء بالشرك في الألوهية ولو قبل البعثة فالوجه أنه على حذف المضاف أي جعل أولادهما له شركاء بدليل قوله تعالى

﴿فتعالى الله عما يشركون

أو المراد ما وقع له من الميل إلى طاعة الشيطان وقبول وسوسته أو الخطاب لقريش والنفس الواحدة قصي ومعنى جعل منها زوجها جعلها من جنسها عربية قرشية وإشراكهما فيما آتاهما الله تسمية أولادهما بعبدمناف وعبدالعزى وعبدالدار ونحو ذلك وأما الشبهة في حق نوح عليه السلام فهو أن قوله تعالى

﴿يا نوح إنه ليس من أهلك

تكذيب له في قوله إن ابني من أهلي والجواب أنه ليس للتكذيب بل للتنبيه على أن المراد بالأهل في الوعد هو الأهل الصالح أو المعنى أنه ليس من أهل دينك أو أنه أجنبي منك وإن أضفته إلى نفسك بأبنائك لما روي من أنه كان ابن امرأته والأجنبي إنما يعد من آل النبي إذا كان له عمل صالح وأما بالشبهة في حق إبراهيم عليه السلام فهو أنه كذب في قوله تعالى

﴿هذا ربي

و

﴿بل فعله كبيرهم

و

﴿إني سقيم

والجواب أن الأول على سبيل الفرض والتقدير كما يوضع الحكم الذي يراد إبطاله أو على الاستفهام أو على أنه كان في مقام النظر والاستدلال وذلك قبل البعثة والثاني على التعريض والاستهزاء والثالث على أن به مرض الهم والحزن من عنادهم أو الحمى على ما قيل وأما الشبهة في قصة يوسف من جهة يعقوب عليهما السلام الإفراط في المحبة والحزن والبكاء والجواب أنه لا معصية في ميل النفس سيما إلى من يلوح عيه آثار الخير والصلاح وأنواع الكمال ولا في بث الشكوى والحزن إلى الله تعالى في مصائب يكون من جهة العباد سيما إن قيل أنه كان من خوف أن يموت يوسف عليه السلام على غير دين الإسلام ومن جهة الإخوة ما فعلوا بيوسف وما قالوا من الكذب والجواب أنهم لم يكونوا أنبياء ومن جهة يوسف الهم المشار إليه بقوله تعالى

﴿ولقد همت به وهم بها

﴿جعل السقاية في رحل أخيه

والرضاء بسجود إخوته وأبويه له والجواب أن ذلك قبل البعثة أو المراد وهم بها لولا أن رأى برهان ربه على أن يكون الجواب المحذوف ما دل عليه الكلام السابق ويكون التقدير لولا أن رأى برهان ربه لخالطها أو المراد الميلان المذكور في الطبيعة البشرية لا الهم بالمعصية والقصد إليها أو هو من باب المشارفة أي شارف أن يهم بها وبالجملة فلا دلالة ههنا على العزم والقصد إلى المعصية فضلا عما يذكره الخشوية من الخشويات ولهذا ورد في هذا المقام من الثناء على يوسف ما ورد من غير أن تقع عليه زلة أو يذكر له استغفار وتوبة وأما جعل السقاية في رحل أخيه فقد كان بإذنه ورضاه بل بإذن الله تعالى ونسبة السرقة إلى الإخوة تورية عما كانوا فعلوا يوسف مما يجري مجرى السرقة أو هو قول المؤذن والسجدة كانت عندهم تحية وتكرمة كالقيام والمصافحة أو كانت مجرد انحناء وتواضع لا وضع جبهة وأما في قصة موسى فقتل القبطي وتوبته عنه واعترافه لكونه من عمل الشيطان فمحمول على أنه كان خطأ وقبل البعثة وإذنه للسحرة في إظهار السحر بقوله

﴿ألقوا ما أنتم ملقون

ليس رضاء به بل الغرض إظهار إبطاله أو إظهار معجزته ولا يتم إلا به وقيل لم يكن حراما حينئذ وإلقاء الألواح كان عن دهشة وتخير لشدة غضبه والأخذ برأس هارون وجره إليه لم يكن على سبيل الإيذاء بل كان يدنيه إلى نفسه ليتفحص منه حقيقة الحال فخاف هارون أن يحمله بنوا إسرائيل على الإيذاء ويفضي إلى شماتة الأعداء فلم يثبت بذلك ذنب له ولا لهرون فإنه كان ينهاهم عن عبادة العجل وقوله للخضر

﴿لقد جئت شيئا نكرا

أي عجبا وما فعله الخضر كان بإذن الله تعالى وأما في قصة داود عليه السلام فلم يثبت سوى أنه خطب امرأة كان خطبها أوريا فزوجها أولياؤها داود دون أوريا أو سأل أن ينزل عنها فيطلقها وكان ذلك عادة في عهده فكان زلة منه لاستغنائه بتسعة وتسعين والخصمان كانا ملكين أرسلهما الله تعالى إليه لينبهاه فلما تنبه استغفر ربه وخر راكعا وأناب وسياق الآيات يدل على كرامته عند الله تعالى ونزاهته عما ينسبه إليه الحشوية إلا أنه بالغ في التضرع والتحزن والبكاء والاستغفار استعظاما للزلة بالنظر إلى ما له من رفيع المنزلة وتقرير الملكين تمثيل وتصوير للقصة لا إخبار بمضمون الكلام ليلزم الكذب ويحتاج إلى ما قيل أن المتخاصمين كانا لصين دخلا عليه للسرقة فلما رآهما اخترعا الدعوى أو كانا راعيي غنم ظلم أحدهما الآخر والكلام على حقيقته وأما في قصة سليمان فأمور أحدها ما أشير إليه بقوله

﴿إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد

الخ وذلك أنه اشتغل باستعراض الأفراس حتى غربت الشمس وغفل عن العصر أو عن ورد كان له وقت العشي فاغتم لذلك واسترد الأفراس فعقرها والجواب أن ذلك كان على سبيل السهو والنسيان وعقر الجياد وضرب أعناقها كان لإظهار الندم وقصد التقرب إلى الله تعالى والتصدق على الفقراء من أحب ماله على أن من المفسرين من قال المراد حبه للجهاد وإعلاء كلمة الله وضمير توارت للجياد لا للشمس وإنما طفق مسحا بالسوق والأعناق تشريفا لها أو امتحانا أو إظهارا لإصلاح آلة الجهاد بنفسه وثانيها ما أشير إليه بقوله

﴿ولقد فتنا سليمان

الآية فإن كان ذلك ما روي أنه ولد له ابن فكان يغذوه في السحابة خوفا من أن تقتله الشياطين أو تخبله مما راعه إلى أن ألقي على كرسيه ميتا فتنبه لخطائه في ترك التوكل فاستغفر وأناب فهذا مما لا بأس به وغايته ترك الأولى وليس في التحفظ ومباشرة الأسباب ترك الامتثال لأمر التوكل على ما قال عليه السلام اعقلها وتوكل وكذا ما روي أنه قال لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله ولم يقل إنشاء الله فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد له عين واحدة ويد واحدة ورجل واحدة فألقته القابلة على كرسيه وأما ما روي عن حديث الحاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيته وجلوس الشيطان على كرسيه فعلى تقدير صحته يجوز أن يكون اتخاذ التماثيل غير محرم في شريعته وعبادة التماثيل في بيته غير معلوم له وثالثها ما يشعر به قوله تعالى

﴿وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي

من الحسد وعدم إرادة الخير للغير والجواب أن ذلك لم يكن حسدا بل طلبا للمعجزة على وفق ما غلب في زمانه ولاق بحاله فإنهم كانوا يفتخرون في ذلك العهد بالملك والجاه وهو كان ناشيا في بيت الملك والنبوة ووارثا لهما أو إظهارا لإمكان طاعة الله وعبادته مع هذا الملك العظيم وقيل أراد ملكا لا يورث مني وهو ملك الدين لا الدنيا أو ملكا لا أسلبه ولا يقوم فيه غيري مقامي كما وقع ذلك مرة وقيل ملكا خفيا لا ينبغي للناس وهي القناعة وقيل كان ملكه عظيما فخاف أن لا يقوم غيره بشكره ولا يحافظ فيه على حدود الله وأما في قصة يونس مما يشعر به قوله تعالى

﴿وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه

فالجواب أن المغاضبة على الكفار المعاندين لا على الله تعالى ومعنى أن لن نقدر لن نضيق عليه كما في قوله تعالى

﴿فقدر عليه رزقه

فلا يوجب شكا في القدرة ومعنى الظلم في قوله

﴿إني كنت من الظالمين

ترك الأفضل وهو الصبر وهذا معنى قوله تعالى

﴿ولا تكن كصاحب الحوت

أي في ترك الصبر على معاندة الكفار وأما في حق نبينا فمثل

﴿واستغفر لذنبك

و

﴿لقد تاب الله على النبي

و

﴿ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك

فمحمول على ما فرط منه من الزلة وترك الأفضل وقوله تعالى

﴿ووجدك ضالا فهدى

معناه فقدان الشرايع والأحكام وقيل أنه ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبدالمطلب وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب وبالجملة لا دلالة على العصيان والميل عن طريق الحق ولذا قال

﴿ما ضل صاحبكم وما غوى

وقوله

﴿ووضعنا عنك وزرك

مثل لما كان يثقل عليه ويغمه من فرطاته قبل النبوة أو من جهله بالشرايع والأحكام أو من تهالكه على إسلام أولي العناد وتلهفه وقوله

﴿عفا الله عنك لم أذنت لهم

تلطف في الخطاب وعتاب على ترك الأفضل وإرشاد إلى الاحتياط في تدبير الخيرات وقوله

﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى

إلى قوله

﴿لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم

عتاب على ترك الأفضل وهو أن لا يرضى باختيار الصحابة الفداء وكذا الكلام في قوله

﴿لم تحرم ما أحل الله لك

وقوله تعالى

﴿عبس وتولى أن جاءه الأعمى

وما روي من أنه قرأ بعد قوله

﴿أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى

/ < تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى > / فلما أخبره جبرئيل بما وقع منه حزن وخاف خوفا شديدا فنزل قوله تعالى

﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته

تسلية له فالجواب أنه كان من إلقاء الشيطان لا تعمدا منه وقيل بل الغرانيق هي الملائكة وكان هذا قرآنا فنسخ وقيل معنى تمني النبي حديث النفس وكان الشيطان يوسوس إليه غير الهدى فينسخ الله وساوسه من نفسه ويهديه إلى الصواب وقوله

﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه

عتاب على أنه أخفى في نفسه عزيمة تزوج زينب عند تطليق زيد إياها خوفا من طعن المنافقين ولا خفاء في أن إخفاء أمر دنيوي خوفا من طعن أعداء الدين ليس من الصغاير فضلا عن الكباير بل غايته زلة وترك الأولى وكذا ميلان القلب لزينب وأما مثل قوله

﴿يا أيها النبي اتق الله

﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم

﴿فلا تكونن من الممترين

﴿لئن أشركت ليحبطن عملك

﴿فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب

والجواب أن الأمر لا يقتضي سابقا تركه ولا النهي سابقة فعله ولا الشرط وقوع مضمونه وبالجملة فمسئلة جواز الصغيرة عمدا على الأنبياء في معرض الاجتهاد لا قاطع فيها لا نفيا ولا إثباتا فإن قيل ما بال زلة الأنبياء حكيت بحيث تقرأ بأعلى الصوت على وجه الزمان مع أن الله غفار ستار وقد أمرنا بالستر على من ارتكب ذنبا قلنا ليدل على صدق الأنبياء وكون ما يبلغون الشيء بأمر من الله من غير إخفاء لشيء أو ليكون امتحانا للأمم كيف يفعلون بأنبيائهم بعد الاطلاع على زلالتهم وليعلموا أن الأنبياء مع جلالة قدرهم وكثرة طاعاتهم كيف التجؤا إلى التضرع والاستغفار في أدنى زلة وأن الصغيرة ليست مما يقدح في الولاية والإيمان البتة أو تقع مكفرة لا محالة بحيث لا عتاب عليها ولا عقاب قال خاتمة من شروط النبوة الذكورة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ولو في الصبي كعيسى ويحيى عليهما السلام والسلامة عن كل ما ينفر عنه كزنا الآباء وعهر الأمهات والغلظة والفظاظة والعيوب المنفرة كالبرص والجذام ونحو ذلك والأمور المخلة بالمروءة كالأكل على الطريق والحرف الدنيئة كالحجامة وكل ما يخل بحكم البعثة من أداء الشرايع وقبول الأمة قال وقد ورد يعني قد ذكر في بعض الأحاديث بيان عدد الأنبياء والرسل على ما روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كم الأنبياء فقال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا فقلت وكم الرسل فقال ثلثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا لكن ذكر بعض العلماء أن الأولى أن لا يقتصر عددهم لأن خبر الواحد على تقدير اشتماله على جميع الشرائط لا يفيد إلا الظن ولا يعتبر إلا في العمليات دون الاعتقادات وههنا حصر عددهم يخالف ظاهر قوله تعالى

﴿منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص

ويحتمل أيضا مخالفة الواقع وإثبات نبوة من ليس بنبي إن كان عددهم في الواقع أقل مما ذكر ونفي النبوة عمن هو نبي إن كان أكثر فالأولى عدم التنصيص على عدد قال المبحث السابع جمهور المسلمين على أن الملائكة أجسام لطيفة تظهر في صور مختلفة وتقوى على أفعال شاقة هم عباد مكرمون يواظبون على الطاعة والعبادة ولا يوصفون بالذكورة والأنوثة واستقر الخلاف بين المسلمين في عصمتهم وفي فضلهم على الأنبياء ولا قاطع في أحد الجانبين فلنذكر تمسكات الفريقين في المقامين المقام الأول أعني العصمة فتمسك المثبتون بمثل قوله تعالى

﴿وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون

وقوله تعالى

﴿بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون

إلى قوله

﴿وهم من خشيته مشفقون

وقوله تعالى

﴿لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون

ولا خفاء في أن أمثال هذه العمومات تفيد الظن وإن لم تفد اليقين وما يقال أنه لا عبرة بالظنيات في باب الاعتقادات فإن أريد أنه لا يحصل منه الإعتقاد الجازم ولا يصح الحكم القطعي فلا نزاع فيه وإن أريد أنه لا يحصل الظن بذلك الحكم فظاهر البطلان تمسك النافون بوجوه

الأول أن إبليس مع كونه من الملائكة بدليل تناول أمر الملائكة بالسجود في قوله تعالى

﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم

إياه ولذا عوتب بقوله تعالى

﴿ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك

وبدليل صحة استثنائه منهم في قوله تعالى

﴿فسجدوا إلا إبليس

وقوله تعالى

﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين

ورد بالمنع بل

﴿كان من الجن ففسق عن أمر ربه

وإنما درج في الملائكة على سبيل التغليب لكونه جنيا واحدا مغمورا فيما بينهم لا يقال معنى قوله كان من الجن صار أو كان من طائفة من الملائكة مسماة بالجن شأنهم الاستكبار لأنا نقول هذا مع كونه كلاما على السند خلاف الظاهر

Bogga 199