المقصود من قول المؤلف: (بلا حد ولا غاية)
السؤال
ما المقصود من قول المؤلف رحمه الله تعالى: (بلا حد ولا غاية)؟
الجواب
هذا من الكلام المجمل الذي فصّل فيه السلف، وهو نفي الحد والغاية وكانت هذه الكلمة لا تُعرف في العصور الأولى قبل ظهور فرق أهل الكلام كالجهمية والمعتزلة، لكن بعد كثرة البلوى بها تكلم فيها السلف على نحو يقصدون فيه التنزيه لله ﷿، ونفي المعنى الباطل الذي أراده الذين أطبقوا على كلمة (حد وغاية).
فأول ما جاء الكلام عن الحد والغاية من الجهمية والمعتزلة، وكان ذريعة لنفي صفات الله ﷿ وأفعاله، فمثلًا قالوا في مسألة إثبات العلو الذاتي والفوقية والاستواء: إنها تقتضي الحد والغاية، وأن الله ﷿ محدود وله غاية، كذلك قالوا في الرؤية: إذا أثبتناها فإنها تعني أن لله ﷿ حدًا وغاية، لأن الذي يُرى محدود! كذا زعموا، وزعموا أن الذي يستوي محدود، وأن الذي يكون في السماء محدود، وأن الذي ينزل يكون له حد وغاية إلى آخره، فباسم نفي الحد والغاية نفوا الصفات.
ففصل السلف في معنى الحد والغاية، وقالوا: إن قصد بالحد ما يحد بالذهن والتصور من أن الله ﷿ يحيط به البصر، وأن من الممكن أن نصفه بنهاية كنهايات المخلوقات فهذا لا يمكن ولا يليق بالله ﷿، وهذا هو الذي عناه ابن قدامة حينما قال: (بلا حد ولا غاية)، بمعنى أنه ليس للعقول أن تتصور لله حدًا كما أن للمخلوقات حدودًا، ولا أن تتصور أن لله غاية ونهاية كما أن للمخلوقات غاية ونهاية، فإن الحد والغاية المفهومات في حق المخلوقات لا يليقان بالله ﷿ لأن الله ليس كمثله شيء وهو أعظم وأجل من أن تدركه أو تحيط به أو تحده العقول أو الأبصار.
فهذا هو المعنى الذي نفاه المؤلف؛ لكن أيضًا من أجل الإيضاح هناك معنى آخر للحد والغاية يدخل فيه الكمال، فهذا لا ينفى من أجل ألا يُنفى أسماء الله وصفاته، فيقال لمن نفى الحد والغاية من أهل التأويل والتعطيل: ماذا تقصد بالحد والغاية؟ إن قصدت بالحد والغاية أن الله ﷿ ليس مختلطًا بالمخلوقات، له حد يفصله عنهم أو للمخلوقات حد يفصلها عن الله، أو أن الله ﷿ ليس هو مخلوقاته، وليس ممتزجًا بها، وأنه سبحانه مستو على عرشه كما يليق بجلاله فهذا حق لا ننفيه، لكن لا نسميه حدًا، وإن سميته حدًا فأنت مبطل.
ويقال للنافي: وأنت إن نفيت هذه الأمور على أساس أنها حد وغاية فأنت ظالم ومبتدع وزائغ، فمن نفى الاستواء على أنه حد، ومن نفى الفوقية على أنها حد أو جهة أو غاية، ومن نفى كون الله ﷿ في السماء بمعنى أنه في العلو، ومن نفى أن الله يُرى يوم القيامة بدعوى أن هذه حدود وغايات، فهو مبطل ولا نوافق على كلامه هذا معنى قول الشارح (بلا حد وغاية)، بمعنى أن الله ﷿ ليس كالمخلوقات التي تحدها الحدود ولها نهايات كالنهايات التي ترى وتبصر وتلمس.
1 / 17