Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood
شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
Noocyada
إثبات صفة العجب لله ﷿
بدأ المصنف رحمه الله تعالى بذكر صفات الله ﷾ الثابتة في سنة رسوله ﷺ، فقال: [ومن السنة قول النبي ﷺ: (ينزل ربنا ﵎ كل ليلة إلى سماء الدنيا)] .
وقد سبق الحديث عنه في الدرس الماضي.
ثم قال: [وقوله: (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)] .
ومعنى الحديث: أن الله ﷾ يعجب من هذا الشاب أنه مع نشاطه وقوة رغباته وشهواته المتعددة لا تكون له صبوة، أي: لا يكون له ذنب، ولا يرتكب كبيرة، ولا يرتكب معصية؛ فيعجب ربنا ﷾ من هذا، وهذه الصفة لله ﷾ هي كما يليق بجلاله وعظمته؛ لكن هذا الحديث في حد ذاته تكلم فيه العلماء، فهو حديث رواه الإمام أحمد في المسند والطبراني وغيره، لكنه ضعيف وإن قواه بعض العلماء كـ السخاوي في كتابه (المقاصد الحسنة)، لكن يغني عنه دليلان أحدهما في كتاب الله، والثاني في صحيح البخاري؛ فأما الذي في كتاب الله تعالى فقول الله ﵎: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ)؛ على قراءة ضم التاء، وهذه القراءة سبعية؛ قرأ بها حمزة وخلف والكسائي، ومن ثمَّ فإنها قراءة صحيحة أنه يجوز القراءة بها.
وكذلك ورد في صحيح البخاري عن النبي ﷺ أنه قال في قصة الصحابي هو وزوجه وضيفهم حين استضافوه وليس معهم من الطعام ما يكفي، فأطفئوا السراج، وأوهموه أنهم يأكلون، وجعل الضيف يأكل حتى شبع، فلما أصبح الصباح قال النبي ﷺ لهذا الصحابي: (لقد عجب ربك- وفي رواية: ضحك ربك - من صنيعكما البارحة بضيفكما)، فقوله: (عجب) نأخذ منه ومن الآية إثبات هذه الصفة لله ﷾ التي هي صفة العجب.
والعجب والتعجب أحيانًا ينشأ من الجهل، مثل أن يطلع الإنسان على صنعة أو قوة معينة لفارس أو شخص فيعجب من ذلك، وأحيانًا يكون العجب لأمر آخر، وهو كون هذا الشيء جاء على صفة غير معروفة وغير متوقعة وإن كان الإنسان لا يجهلها، ولكن بالنسبة لله ﷾ نثبت له هذه الصفة كما يليق بجلاله وعظمته، ولا تقاس بصفة المخلوقين، وليس عجبه كعجب المخلوقين؛ فعجب المخلوقين قد ينشأ أحيانًا من جهل وأحيانًا من قلة فهم لهذه القضية، لكن عجب ربنا ﷾ هو صفة تليق بجلاله وعظمته، ولا يترتب عليها جهل، ولا يترتب عليها عدم إدراك ومعرفة لهذا المتعجب منه، بل هي صفة تليق بجلاله وعظمته كما في الحديث الذي تقدم، وفيه أن صحابيين أطعما ضيفهما وتركا نفسيهما، والله ﷾ عليم بهما مطلع عليهما، ومع ذلك يقول الرسول ﷺ: (عجب ربك من صنيعكما البارحة)، وفي رواية: (ضحك ربك من صنيعكما البارحة)، فعجبه ﷾ ليس ناشئًا عن جهل، وإنما هو عجب يليق بجلاله وعظمته، وهذه الصفة نثبتها لله ﷾ كغيرها من الصفات، ولا يلزم منها مشابهة المخلوقين.
5 / 2