179

Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood

شرح لمعة الاعتقاد للمحمود

Noocyada

الأدلة على إثبات رؤية الله من السنة
ثم قال المصنف: [وقال النبي ﷺ: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته) حديث صحيح متفق عليه] .
وردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله ﷺ وعن عشرات من الصحابة كلهم يروون أحاديث الرؤية، فهي أحاديث متواترة، والنبي ﷺ نوع الأدلة على ذلك، منها قوله ﷺ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب، فسأله بعض الصحابة: يا رسول الله! كيف نرى ربنا ونحن جميع وهو واحد؟! فقال لهم رسول الله ﷺ: هذا القمر إذا لم يكن بينكم وبينه سحاب هل تضامون في رؤيته؟) .
فالجميع يرون القمر، ولا يجدون مشقة في رؤيته وإن كانوا جميعًا، بل يراه الألوف المؤلفة، بل آلاف الملايين لو اجتمعوا لرأوا القمر، ومن ثمَّ فإن النبي ﷺ أثبت في هذه الأحاديث أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا كالقمر، وقد ورد أن المؤمنين لا يجدون ألذ ولا أنعم ولا أطيب من رؤية الله ﵎؛ فالجنة وما فيها من النعيم الذي لم يخطر على بال أحد أبدًا؛ فيها أنهار من ماء، ومن خمر، ومن لبن، ومن عسل، وفيها القصور، وفيها شجرة طوبى يسير الراكب تحت ظلها مسافة كذا وكذا، وفيها نعيم مقيم، وفيها الحور العين كأنهن الياقوت والمرجان، وفيها من أنواع النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها الخلود وعدم الحزن، ومنها الرضا، فكل هذا النعيم في الجنة يكون النظر إلى وجه الله الكريم ألذ منه وأطيب، نسأل الله الكريم من فضله، وأسأل الله ﷾ ألا يحرمنا جميعًا من النظر إلى وجهه الكريم؛ فإن النعيم المقيم هو النظر إلى وجه الله الكريم.
إنها نعمة كبرى وعظيمة جدًا أن يشتاق الإنسان إلى ربه ﷾، لكن من هو الذي يتلذذ بذلك النظر، إنهم المؤمنون، كما قال ﷺ: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه)، والذي يحب لقاء الله هو الذي عمَّر آخرته وعمل بما أمره الله به، واجتنب ما نهى الله عنه، وآثر الباقية على هذه الدنيا الفانية، ونظر إلى حقارتها وإلى تنافس منافسيها وإلى نكدها وضيق عيشها، وكونها إذا أفرحت أحزنت وإذا أحزنت أفرحت، وعلم أنها لا تدوم على حال فلم يلتفت إليها، وإنما التفت إلى ما عند الله ﷾، فإذا جاء يوم القيامة يأتي آمنًا مطمئنًا، وإذا كان من أهل الجنة ينعم ذلك النعيم العظيم برؤية الله ﷾، إنها والله حقيقة لا شك فيها.
ووالله إن رؤية المؤمنين لربهم عيانًا بأبصارهم يوم القيامة حق لا شك فيه، كما قال ﷿: ﴿إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات:٢٣]، إنه لحق مثلما أننا نؤمن بأننا موجودون أحياء، فكيف لا يعمل الإنسان لذلك؟! والرسول ﷺ في أحاديث كثيرة كان يربي أصحابه ويعلمهم، وينقلهم إلى الآخرة، ومن ضمن ذلك هذا الخبر الصادق الذي لا شك فيه: (إنكم سترون ربكم ﷾، ولهذا فإن النبي ﷺ شبه رؤية الله برؤية القمر؛ لأمور: أولها: سهولة الرؤية إذا أراد الله ﷾.
ثانيها: أن كثرة الناس وكثرة أهل الجنة لا تمنع من رؤية الله ﷾.
ثالثها: أن الرؤية بصرية حقيقية، ولهذا قال ﷺ: (كما ترون القمر ليلة البدر القمر ليس دونه سحاب)، حتى يؤكد هذه الرؤية العينية البصرية.

8 / 10