Sharh Luma'at al-I'tiqad - Yusuf al-Ghafis
شرح لمعة الاعتقاد - يوسف الغفيص
Noocyada
عقيدة أهل السنة في صفات الباري ﷾
قال الموفق ﵀: [موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم].
أي أن الله جل وعلا له الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولهذا كان من أخص أصول أهل السنة والجماعة في هذا الباب هو: الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله ﵌.
قال الإمام أحمد: «نصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث».
وأحيانًا يقع إشكال لدى بعض طلبة العلم في بداية الطلب؛ فإنهم تارة يقولون: يوصف الله بما وصف به نفسه في كتابه أو سنة نبيه، وتارة يقولون: الكتاب والسنة والإجماع.
وهذا ليس فيه إشكال؛ لأنه لا ينعقد الإجماع إلا تبعًا لنص، ولهذا لا فرق بين أن يقال: الكتاب والسنة، أو يقال: الكتاب والسنة والإجماع.
وقد جاءت صفات الله ﷾ في الكتاب والسنة بالنفي والإثبات؛ كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] فهذا نفي ..
﴿وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١] وهذا إثبات، ومن قواعد باب الأسماء والصفات: أن الله موصوف بالنفي والإثبات.
فإن قيل: ما الفرق بين المقامين؟
قيل: مقام الإثبات أصل ذكره في القرآن والحديث على التفصيل، وأما مقام النفي فإن الأصل في ذكره الإجمال، ولهذا فإن الله تعالى فصل ذكر الأسماء والصفات، وكذلك النبي ﷺ، وقد جاء في القرآن في هذا الباب إثبات مجمل، ونفي مفصل، لكننا نقول: إن الأصل في النفي هو الإجمال ..
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١]، وإنما أُجمل النفي كهذا الحرف من كتاب الله؛ لأنه أبلغ في تحقيق الكمال والتنزيه من المفصل، فإن قوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١] أي: ليس كمثله شيء موجود أو متخيل أو مفروض في الذهن، تعالى ﷾ عن كل شيء، فهذا عموم تام في النفي.
وكذلك فُصل في الإثبات؛ لأنه أبلغ في تحقيق الكمال، ولأنه ليس من المستحسن الاستطراد في تفصيل النفي، أو الإجمال في ذكر الإثبات، وإنما كان ذكر مجمل الإثبات لبيان شموله وتمامه، قال الله تعالى في ذكر مجمل أسمائه: ﴿وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف:١٨٠] وهذا إثبات مجمل، وأما المفصل في أسماء الله، فهو كقوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ﴾ [الحشر:٢٣] الآية، والصفات مفصلها كقوله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة:٥٤] ..
﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [المائدة:١١٩]، وكل اسم ذكر في القرآن فإنه يتضمن صفة، وهذا كله تفصيل للصفات، ومن المجمل في الصفات قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ [النحل:٦٠] أي: الوصف الأكمل، وهذا إجمال في إثبات الصفات.
إذًا: الأسماء والصفات ذكرت مجملة ومفصلة، وذكرت مثبتة ومنفية، فالنفي المجمل هو الأصل، كقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:١١]، والنفي المفصل قليل كقوله تعالى: ﴿لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾ [البقرة:٢٥٥] ..
﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣]، ولهذا فإن كل نفي مفصل يتضمن ثبوتًا، وليس في القرآن ولا السنة نفي مفصل يقصد به النفي المحض، فمثلًا قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام:١٠٣] لا يقصد به النفي المحض، بل جاء متضمنًا لثبوت الكمال: كمال الربوبية والقيومية، ولهذا كانت هذه الآية -على طريقة طائفة من مثبتة الرؤية: كأهل السنة، ومحققي الأشاعرة كـ الأشعري وغيره- دليلًا على إثبات الرؤية، فهذا هو المستعمل.
أما من حيث الإثبات فالأصل فيه هو التفصيل، ولا يثبت لله ﷾ شيء من الأسماء أو الصفات إلا ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﷺ، فهو باب توقيفي على التفصيل، فلا يجتهد في إثبات اسم أو صفة، بل هو موقوف على تفصيل النصوص له، وأما النفي فهو في الجملة توقيفي كذلك، لكن ثمة معنىً مهم ذكره ابن تيمية ﵀، وهو أن يقال: إن الله منزه عن كل نقص؛ فهل يلزم أن هذا النقص الذي ينزه الرب عنه قد صُرح بنفيه في القرآن أو السنة؟
الجواب: لا يلزم، فصار المقام الأول: مقام الإثبات؛ لا يمكن أن نثبت لله اسمًا أو صفة ليس في الكتاب والسنة.
والمقام الثاني: مقام النفي؛ يمكن أن ينفى عن الله نقص لم يصرح بنفيه في القرآن.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: (ولا يقتصر في باب النفي على ما ذكر تفصيلًا في القرآن أو في السنة، فإنه يسير، بل كل نقص فإنه ينفى عن الله).
فمثلًا: لا يوجد في كتاب الله تصريح بنفي الجهل، وذلك لأن ذكر العلم صفة، واسمه له ﷾ (العليم) يدل على نفي الجهل.
ومن هنا استخلص العلماء قاعدة وهي: (أن كل إثبات يتضمن نفي ضده) وهذه قاعدة مطردة؛ لأن المتقابلين يمتنع اجتماعهما في العقل، ولهذا إذا قال قائل: لِمَ لَمْ يذكر الرب ﷾ في كتابه تنزهه عن الجهل وغيره من صفات النقص؟
قيل: هذا مذكور على طريقة من التمام والبلاغة، وهو أنه ذكر إثبات المقابل، فعلم أن ضده يلزم أن يكون منفيًا عنه، ومباينًا له ﷾.
إذًا: نخلص إلى قاعدة وهي: أن باب الأسماء والصفات باب توقيفي، وأنه متحصل بالإثبات والنفي على القاعدة السالفة.
2 / 2