Sharh Kitab Naqd Mutoon Al-Sunnah by Al-Damini - Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح كتاب نقد متون السنة للدميني - محمد حسن عبد الغفار
Noocyada
أمثلة على المدرج
وبجمع الروايات يتبين لنا الإدراج، فمثلًا: حديث أبي هريرة ﵁ وأرضاه الذي رواه شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة ﵁ الله عنه قال: (أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار) فهذا الكلام كله كأنه من كلام رسول الله ﷺ، لكن العالم النحرير الذي اجتهد وجمع الطرق ومحص النظر وجد في الرواية التي رواها آدم عن شعبة قال: فقال محمد بن زياد: فقال أبو هريرة: أسبغوا الوضوء؛ فإني سمعت أبا القاسم يقول: (ويل للأعقاب من النار)، فالمدرج في الحديث قوله: (أسبغوا) وهذا من قول أبي هريرة.
فإذا روى الراوي وجاءك المحدث أو الخطيب فقال: قد قال رسول الله ﷺ: (أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار) فقل له: لا بد أن تفصل كلام أبي هريرة عن كلام النبي ﷺ.
فلا تنسب قول أبي هريرة إلى النبي؛ حتى لا تكون ممن ينطبق عليه حديث النبي ﷺ: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وإن كان مخطئًا لكنه لا يؤاخذ بإذن الله على ذلك، لكن لا بد أن يحرر المقام.
وأيضًا من الأمثلة التي تبين لنا كيف كان العلماء يعرفون الإدراج من خلال جمع الطرق، حديث ابن مسعود في التشهد، فـ ابن مسعود هو أروى الناس في باب التشهد، فقد روى ابن مسعود هذا الحديث وقال بعدما روى الحديث ونسبه إلى رسول الله: (فإذا فرغت فقد قضيت صلاتك، فإن شئت فقم وإن شئت فامكث).
أي: كن على ما أنت عليه، فإن شئت فقم، وإن شئت لم تقم.
فتعلق الأحناف بهذا الحديث؛ لأنهم قالوا: لو أخرج الريح بعد أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فصلاته صحيحة؛ لأنه قد انتهى من صلاته بنص الرواية، فإنه قال: فقد فرغت من صلاتك أو فقد قضيت صلاتك.
فهذا الحديث فتش عنه العلماء الجهابذة حتى يفصلوا بين قول النبي وقول غير النبي ﷺ، وأتوا بالأسانيد عن علقمة، وهو من أجل أصحاب ابن مسعود؛ فإنه بعدما روى حديث النبي ﷺ (التحيات لله) فقال ابن مسعود: فإذا فرغت فقد قضيت صلاتك، فإن شئت قم وإن شئت لم تقم.
ولذلك أجمع الحفاظ على أن هذه الزيادة مدرجة من قول ابن مسعود، ولا تدخل في الحكم ولا تنتهي الصلاة إلا بالتسليم؛ لقول النبي ﷺ: (تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم).
وأيضًا من الأمثلة التي تثبت لنا الإدراج حديث فضالة عن النبي ﷺ قال: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء لله جل في علاه) فقال: والزعيم الحميل، وهذا الحديث أيضًا بجمع العلماء لطرقه وجدوا أن قول: الزعيم الحميل ليس من قول النبي، بل هو من قول الراوي الذي أدرج في قوله النبي غير قوله.
وهنا بعض الأمور التي اتخذها العلماء ليعرفوا الإدراج، منها: استحالة قول النبي هذا القول، فمثلًا: في حديث أبي هريرة أنه تكلم بكلام وتمنى أمنية لا يمكن أن يتمناها رسول الله ﷺ، فهذا يستحيل أن ينسب للنبي ﷺ، ونص حديث أبي هريرة ﵁ وأرضاه: (للملوك أجران) ثم قال: (ولولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي لتمنيت أن أموت وأنا مملوك).
فالإدراج من قوله: (ولولا الجهاد) إذ كيف يتمنى النبي ﷺ أن يكون مملوكًا وهو أكرم الخلق على الله وهو سيد الأولين والآخرين، فيستحيل أن تكون هذه أمنية النبي ﷺ.
والأمر الثاني: أنه لما بعث وأوحي إليه كانت أمه قد ماتت، بل لما استأذن الله جل في علاه أن يستغفر لها لم يأذن الله له أن يستغفر لأمه.
وأيضًا جاء في حديث آخر عن ابن مسعود في قول النبي ﷺ: (الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل)، ونبدأ بذكر معنى الحديث فنقول: الطيرة التي هي التشاؤم، وهي سوء ظن بالله جل في علاه، وسوء الظن بالله معصية، وهي شرك أصغر، وقد كان بعضهم يتشاءم من الطير، فإذا ذهب الطير يمينًا تيمن وقال: هذه بركة فيسافر، وإذا ذهب يسارًا تشاءهم وقال: لا تكون البركة في الشمال، فلا يخرج، فهذا شرك أصغر؛ لكونه اتخذ سببًا لم يشرعه الله جل في علاه، والذين يعتقدون أن النفع والضر بيد الله لا يفعلون ذلك، فمن اعتقد بأن النفع والضر بيد الله ثم اتخذ سببًا لم يشرعه الله فقد أشرك شركًا أصغر مثل أن يقول: يوم الأربعاء يوم نحس تنزل فيه البلايا، أو ينظر إلى امرأة عجوز فيقول: أنا لن أذهب إلى العمل اليوم؛ لأن هذه المرأة شؤم علي ستأتيني بالفقر، كما يقولون.
فنقول له: من الذي بيده الفقر هل هي المرأة؟ فيقول: لا، بل ذلك بيد الله جل في علاه، لكن المرأة هذه سبب، فإن اعتقد أن المرأة سبب والاعتقاد عنده أن النفع والضر بيد الله فهذا شرك أصغر.
وأما إذا كان الاعتقاد في الطير نفسها أو في المرأة نفسها أو في المتشاءم به بأنه هو الذي ينفع ويضر فهذا اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، فيصبح بذلك كافرًا كفرًا أكبر، وتصير الطيرة هنا شركًا أكبر.
فقوله في هذا الحديث: (الطيرة شرك وما منا) أي: وما منا إلا ويقع في التشاؤم، وهذا هو الذي يثبت لك أنها ليست بشرك أكبر.
وقوله: (ولكن يذهبه التوكل) هذا فيه خلاف عريض بين المحدثين فيمن قاله، والصحيح الراجح أن هذا من قول ابن مسعود، فقوله: (الطيرة شرك) من قول النبي، لكن قوله: (وما منا إلا) من قول ابن مسعود يعني: أنه يقع في قلبه التشاؤم، وهذا سوء ظن بالله، وهذا قادح في التوكل، وهذا لا يمكن أن يكون عند كامل التوحيد رسول الله ﷺ، بل هذا من عند الصحابة، لكنهم يدفعونه بالتوكل، ولذلك بين النبي ﷺ أن من وقع في قلبه شيء من الطيرة فليقل: (اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يأتي بالخير غيرك، ولا إله غيرك) فهذا توحيد خالص.
فأنت يا ربنا الذي تتحكم في الكون يمينًا ويسارًا، وأنت الذي تنفع وأنت الذي تضر، وهذه الكلمات كلها تبين أن عليك أن تعتقد وتسير ولا يمنعك التطير، فإن منعك فقد وقعت في الطيرة؛ لأن الطيرة هي التي تحرك صاحبها إقبالًا أو إدبارًا، لكن لو وقع في قلبه شيء ولم تؤثر عليه إقبالًا ولا إدبارًا فليس هذا من التشاؤم، ولا يقع تحت طائلة الحديث.
والمقصود: أن العلماء نظروا في هذا الحديث فقالوا: يستحيل أن يقع هذا في قلب النبي ﷺ، فيكون هذا الكلام جزمًا من كلام ابن مسعود وليس من كلام النبي ﷺ.
5 / 6