[شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري]
مؤلف الأصل: محمد بن إسماعيل البخاري، أبو عبد الله (المتوفى: 256ه)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 8 دروس]
Bog aan la aqoon
شرح كتاب الفتن
من صحيح البخاري (1)
(مقدمة حول الفتن، تعريف الفتن،
شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى:
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة}، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها))، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء))، وباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب))
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد تحدثنا في مناسبات كثيرة عن الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، وعن صحيحه، وعن منهجه وطريقته، وإبداعه في كتابه، وعن غفلة الناس عن كثير من أبوابه، وكثير من طلاب العلم يغفل عن أبواب هم بأمس الحاجة إليها، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في هذه الأبواب التي هي من: بدء الخلق، المغازي، السير، الدعوات، الفتن، الرقاق، الاعتصام بالكتاب والسنة، الإمام البخاري -رحمة الله عليه- أبدع في هذه الأبواب، والناس في غفلة عنها، ويعتني الناس بالأحاديث والأحكام العملية، ويرتبون لها الدورات في المناسبات، وفي مثل هذه الظروف من أنسب ما يقرأ مثل هذا الباب من هذا الكتاب، أو هذا الكتاب من هذا الكتاب، وهو كتاب الفتن من كتاب صحيح الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-.
مقدمة حول الفتن:
والفتن كما لا يخفى عليكم بدأت الآن تطل علينا، وإن كانت من قبل لكنها ظهرت ظهورا واضحا في وقت تداعت فيه الأمم على هذه الأمة المحمدية.
تعريف الفتن:
Bogga 1
والفتن في الأصل: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، الابتلاء والاختبار، يقولون: فتن الحداد أو الصائغ الذهب إذا أدخله في النار ليختبر جودته ، والأمة الآن تفتتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها، الله -سبحانه وتعالى- يفتن ليختبر {ونبلوكم بالشر والخير} [(35) سورة الأنبياء] {وفتناك فتونا} [(40) سورة طه] ويفتن ويختبر ويبتلي الخلق بعضهم ببعض، فالفاتن من الخلق بإذن الله -عز وجل- وإرادته ولا يخرج شيء عن إرادته آثم إن لم يتب، {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم} [(10) سورة البروج].
والمفتون: المفتون الطرف الآخر، وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف، الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها، إدبارها عن دينها هذا هو السبب، فتنا وابتلينا بأعدائنا، والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن، ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيرا لنا، وإن استمر بنا الغي والضلال صارت سوءا على سوء، {ونبلوكم بالشر والخير} [(35) سورة الأنبياء] ابتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب، وثبت أكثر المسلمين على دينهم، فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عرض، ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) وهذا هو الحاصل، فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير، الابتلاء بالشر، الابتلاء بضيق ذات اليد بالفقر يتجاوزه كثير من الناس، لكن الابتلاء بالسعة، وانفتاح الدنيا، والغنى هذا قل من يتجاوزه، ولذا حصل ما حصل من الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا، وهذا أمر تشاهدونه، النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحمه الله، لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين -عامة الناس- وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله -عز وجل-، وتنكبوا عن الجادة، وقل مثل هذا في بعض من ينتسب إلى العلم، وبعض من ينتسب إلى طلب العلم فضلا عن علية القوم.
Bogga 2
ابتلينا فما شكرنا، ابتلينا بالضراء فصبرنا والحمد لله، وتجاوز أهل هذه البلاد وغيرهم من بلاد الإسلام تجاوزوا فتنة الضراء في عقود مضت، ثم توالت عليهم النعم فلم يتجاوزوها، وتنكبوا عن الجادة، وبدلوا نعمة الله كفرا، هذا الواقع في كثير من بلدان المسلمين، {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} [(28) سورة إبراهيم] أحل البوار بكثير من أصحاب الأرض لا سيما في بلاد المسلمين، فنحن بحاجة إلى أن نرجع إلى ديننا، وأن نعتصم بكتاب ربنا ففيه المخرج من الفتن، فنلزم كتاب الله -عز وجل- قراءة وحفظا وتدبرا وفهما وعملا، علما وعملا، ففيه كل ما يحتاجه المسلم، ونقرأ عليه أو معه ما يعين على فهمه وتدبره، ومن خير ما يعين على فهم الكتاب الذي فيه المخرج من الفتن كلها ما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أصح ما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- ما حواه هذا الكتاب العظيم الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله -عز وجل-، فمن المناسب ومن الاختيار الموفق أن يختار الإخوة المنظمون لهذه الدروس هذا الموضوع من هذا الكتاب العظيم، فلعلنا نوفق أن نكمل قراءة هذا الكتاب ومطالبه كثيرة جدا، بل لو سرنا على الطريقة المتبعة في شرح الصحيح لاحتاج إلى زمن طويل جدا لا يكفيه، كتاب الفتن لا دورة ولا دورتين ولا ثلاث، ويحتاج إلى مزيد من البسط، لكن المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن الزمن محدود، والكلام كثير في هذا الباب.
Bogga 3
ومن الفتنة أن يفتن الناس بالأخبار الموضوعة والواهية والإشاعات وترتب عليها أحكام هذه فتنة، أن يتعلق الناس بالأخبار الضعيفة والموضوعة والرؤى والمنامات والتحليلات التي لا تبنى على أساس شرعي ثم ترتب عليها مصاير كما هو الواقع الآن، فعلينا أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الظروف تطلب النجاة، والنجاة بالاعتصام بالكتاب والسنة، والإقبال على الله -عز وجل- بالعبادات الخاصة والعامة، اللازمة والمتعدية، على الإنسان لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلبه أن يصدق اللجأ إلى الله -عز وجل-، فيكثر من النوافل، ويكثر من قراءة القرآن، من تدبره، من تفهم معانيه، من قراءة الكتب الموثوقة في التفسير ليستفيد من قراءته، ويقبل أيضا على العبادات اللازمة مثل الإكثار من التطوعات من الصلوات والصيام وبر الوالدين وصلة الأرحام، والنفع الخاص والعام، يحرص على صلاح نفسه وصلاح من تحت يده في بيته في مسجده في حيه في مدرسته، بهذا تنجو هذه الأمة من هذا المأزق والمنحنى والمنعطف الخطير الذي تمر به، فكما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم)) تداعت الأمم الآن، لكن ما المخرج؟ المخرج فيما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من ملازمة كتاب الله -عز وجل-، ومما أشرنا إليه من قراءة ما يعين على فهم كتاب الله -عز وجل-، والله المستعان.
شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى:
{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة}:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه:
كتاب الفتن.
ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة} [(25) سورة الأنفال] وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من الفتن.
حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا بشر بن السري ...
السري السري بتخفيف الراء.
Bogga 4
السري قال: حدثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى)) قال ابن أبي مليكة: "اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو أن نفتن".
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي وائل قال: قال عبد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم)) قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- لسمعته يزيد فيه قال: ((إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي)).
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "كتاب الفتن"
Bogga 5
تقدم تعريف الفتن، وأنه الابتلاء والاختبار والامتحان، وأنه يكون بالخير وبالشر، ومن الفتن الفتن الكبرى المضلة التي يستعاذ منها، ومنها: الفتن التي لا ينفك عنها أحد التي تصرف الإنسان عن مقصده، فهو مأمور بمجاهدتها {إنما أموالكم وأولادكم فتنة} [(15) سورة التغابن] يعني يشغلونكم عما يرضي الله -عز وجل-، والإنبجانية والكساء المخطط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، يعني تشغله عنها، فكل ما يشغل عما يرضي الله -عز وجل- فتنة، لكنها متفاوتة، والحياة صراع وجهاد، إزاء هذه الفتن على المسلم أن يقاوم بقدر الإمكان، هناك فتن ظاهرة، وهناك فتن باطنة، وهناك فتن كبرى مضلة، وهناك فتن يسيرة لا ينفك منها أحد، وكل هذا ليظهر مدى امتثال المكلف ومدى ارتباطه وتعلقه بربه -عز وجل-، وهذا الصراع رتب عليه الثواب العظيم، من استسلم ولم يقاوم وضل وفتن هذا مآله معروف، لكن من قاوم تعرض للفتن وقاوم واستفاد منها فيما يرضي الله -عز وجل-، وخرج منها ظافرا متغلبا على هوى نفسه والشيطان، متغلبا على عدوه من شياطين الإنس والجن إن هذا لا شك أنه ممن أراد الله به خيرا ولو تعرض للفتن، وهذه الفتن إذا وقعت تقاوم، ولا ينبغي للإنسان أن يتمنى وقوع هذه الفتن ليقاوم لا، يعني من باب تمني لقاء العدو، وما يدريك لعلك تخفق، لعلك تفتن، ولا تستطيع أن تقاوم هذه الفتن، لكن إذا حصلت فعليك بالمجاهدة والمصابرة حتى تخرج منها ظافرا بما يرضي الله -عز وجل-.
كتاب الفتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالتقديم والتأخير بعض الروايات كما في رواية أبي ذر: "كتاب الفتن، بسم الله الرحمن الرحيم"، وفي رواية ابن عساكر: "بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب الفتن"، وهذا يوجد في كثير من الكتب التقديم والتأخير هذا، ولكل وجهه، إذا قدمت البسملة -كما هو الأصل- تكون شاملة للكتاب للترجمة ولما تحته، فهي مقدمة عليه، مبدوء بها، وإذا قدمت الترجمة على البسملة صارت الترجمة بمثابة تسمية السورة، والبسملة بعدها، ولذا يوجد التقديم والتأخير في كثير من الأبواب.
Bogga 6
"ما جاء في قول الله تعالى" وعند أبي ذر: "باب: ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة} [(25) سورة الأنفال] " ونحن في شرح مثل هذا الباب التي ينبغي أن تكون القلوب مرتبطة بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- لا نطيل في مثل هذه الأمور، لا نطيل في ذكر فروق النسخ والروايات، كما أننا لا نذكر إلا ما تمس الحاجة إليه مما يتعلق بالأسانيد؛ لأنها تقطع تسلسل الارتباط بكلام المصطفى -عليه الصلاة والسلام- الذي هو المقصود الأعظم، لكن في الأبواب الأخرى، الأبواب العملية ما نترك شيء مما يتعلق بالروايات أو بلطائف الإسناد أو كل ما يتعلق بالحديث سواء كان في متنه أو في إسناده نتعرض له بقدر الإمكان، بقدر الحاجة، لكن في مثل هذه الأبواب يهمنا بالدرجة الأولى كلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في التراجم، وما يردفه به من آثار، ثم بعد ذلك ندخل إلى المقصد الأعظم، وهو كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-.
Bogga 7
ما جاء في قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خآصة} [(25) سورة الأنفال] اتقوا: يعني اجعلوا بينكم وبين ما ذكر وقاية، اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم الصالح والطالح، المباشر للمعصية، المتركب لها، والراضي بها، والتارك لإنكارها وتغييرها مع قدرته على ذلك، فالفتنة إذا نزلت عمت، في مثل هذه الظروف التي تتحدث عنها الآية، اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم من ارتكب الذنب، ومن علم به ورضي بفعله، أو علم به ولم ينكر عليه مع القدرة على الإنكار تعمه، وهذه نتيجة المداهنة وإقرار المنكر، وافتراق الكلمة بحيث تعم الشرور والمعاصي والمنكرات، ويتقاعس الناس، ويتواكلون في إنكارها، تجد الإنسان يمر بشخص يرتكب منكر أو يترك واجب ويتركه، اعتمادا على أنه كلف بهذا الأمر من كلف من قبل ولي الأمر ولسنا بمسئولين، أنت مسئول، مكلف من قبل الله -عز وجل-، ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع ... )) خشي من الضرر إذا نطق بالإنكار ينكر بقلبه، ولا يسع أحدا يمر بمنكر مهما كان فاعله ولا ينكر عليه، وما وصل الأمر إلى ما وصل إليه مما نعيشه من ظروف وتعيشه الأمة في سائر الأقطار من انتشار المنكرات مع ضعف في الإنكار إن وجد إلا ضريبة تواكل سنين، تجد الأخيار ينكرون بلا شك والإنكار موجود لكنه ليس على المستوى المطلوب لمقاومة هذه السيول الجارفة من المنكرات التي قصد بها من قبل الأعداء إفساد هذه الأمة؛ لأنها إذا فسدت وفشت فيها المنكرات سهل الاستيلاء عليها، سهل الاستيلاء عليها بعد أن ذلت لذل المعاصي المنكرات، جاء الوعيد الشديد في ترك الإنكار، وإذا ترك صاحب المنكر فإن المصيبة والكارثة تعم صاحبها ومن سكت ومن أقره، وسبب لعن بني إسرائيل أنهم إيش؟ {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} [(79) سورة المائدة] قد يصل الأمر إلى حد اليأس في زوال المنكر، فيقول الإنسان: ما الفائدة في كوني أنكر مع أن صاحب المنكر لا يرتدع ولا يرعوي؟ نقول: عليك أن تبذل السبب، وتمتثل الأمر، وتفعل ما أمرت به، والنتائج بيد الله -عز
Bogga 8
وجل-، {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم} [(164) سورة الأعراف] معذرة يا أخي، أقل الأحوال براءة ذمتك، أنت قمت بما أوجب الله عليك، وقد يدفع الله -سبحانه وتعالى- بهذا الإنكار -ولو كان ضعيفا- ما يدفع من ضرائب التواطؤ على السكوت ولو كان ضعيفا، وليس الأمر خاصا برجال الحسبة، نعم عليهم المسئولية الأولى والكبرى؛ لأنهم تضاعف عليهم الأمر لتكليفهم من قبل الله -عز وجل-، وبتكليفهم من قبل ولي الأمر، وبأخذهم الأجرة على ذلك، ولكن هذا لا يعفي غيرهم من الإنكار، فالكل مكلف بالأمر والنهي.
روى الإمام أحمد في مسنده بسند لا بأس به من حديث عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة)) ما دام الإنكار موجودا فالأمان -بإذن الله- موجود، ولا ننكر أن هناك فئة مكلفة من قبل ولي الأمر بالأمر والنهي وتقوم بما أوجب الله عليها، لكنها أقل من المستوى المطلوب في مقاومة ما يزج به العدو من منكرات غزت البيوت والمحافل والمجتمعات، فالمسألة تحتاج إلى تظافر جهود في إنكار المنكر باليد، وهذا لولي الأمر أو من خوله ولي الأمر، وباللسان بالحكمة والكلمة الطيبة بالرفق واللين، وبهذا يرفع الله -سبحانه وتعالى- عنا ما كتب على غيرنا من الأمم، سنة إلهية، سنن إلهية {ولن تجد لسنة الله تبديلا} [(62) سورة الأحزاب] إذا عمت المعاصي وكثرت، واستمرأها الخاص والعام، وعاشوا عليها، وتواطئوا عن السكوت عن إنكارها عمهم الله بعذاب، بالعقوبة.
Bogga 9
"وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحذر من الفتن"، "باب: ما جاء في قول الله تعالى ... ، وما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يحذر من الفتن"، النبي -عليه الصلاة والسلام- حذر من الفتن، والله -سبحانه وتعالى- حذر {واتقوا فتنة} [(25) سورة الأنفال] فعلينا أن نتقي الفتن بدفعها بالأسباب التي تدفعها، ومن أعظم ما يدفع الفتن اهتمام الإنسان بصلاح نفسه أولا ومن تحت يده، والارتباط بالله -عز وجل-، وصدق اللجأ إليه مع بذل الأسباب في إصلاح الغير.
Bogga 10
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا بشر بن السري" علي بن عبد الله هو الإمام المعروف ابن المديني، "قال: حدثنا نافع بن عمر بن عبد الله -القرشي- عن ابن أبي مليكة" اسمه: عبد الله، "قال: قالت: أسماء" بنت أبي بكر "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنا على حوضي)) " الحوض المورود الذي ينبع أو يجتمع من نهر الكوثر، هذا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء وصفه في السنة في طوله وعرضه ولونه وآنيته، وأنه يشرب منه المتبع من هذه الأمة، ولذا يذاد عنه من تقهقر فارتد أو ابتدع أو غير أو بدل، يقول: ((أنا على حوضي)) وأحاديث الحوض متواترة، ثبت الحوض ثبوتا قطعيا بالأدلة المتواترة، تواترا معنويا، ((أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي)) يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، إما بأعيانهم لمعاصرتهم له، أو بأوصافهم باتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وإن حصل منهم من يوجب ردهم من إحداث وابتداع، ((فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى)) يعني: رجعوا إلى الخلف، كانوا لما كنت بين أظهرهم يتقدمون إلى الأمام بفعل ما يرضي الله -عز وجل-، وترك ما يسخطه، ثم بعدك رجعوا القهقرى، فارتدوا عن دينهم، وهؤلاء ممن يعرفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعيانهم؛ لأنهم وجدوا في عصره، "قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن"، على الإنسان أن يخاف، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، فلا يأمن من مثل هذه الفتنة، أن يرجع القهقرى، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) ولذا اشتد خوف السلف الصالح من سوء العاقبة، سوء الخاتمة أمر مقلق مخيف، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع -إلا شيء يسير- ثم يسبق عليه الكتاب -لأنه كتبت عليه الشقاوة- فيعمل بعمل أهل النار -بطوعه واختياره لا إجبارا له- فيدخل النار))، وجاء في الحديث: ((أنه يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس)) وهذا أيضا أمر مخيف قد يعمل الإنسان الأعمال وهي في ظاهرها صالحة لكنها فيما يبدو
Bogga 11
للناس، وفي قلبه دخن يكون سببا في صرفه عن الجادة، {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [(47) سورة الزمر] كثير من السلف يعمل الأعمال الصالحة ويخشى أن تكون من هذا الباب، فالخوف مطلوب كما أن الرجاء مطلوب، وإحسان الظن بالله -عز وجل-، فعلى الإنسان أن يكون بين الأمرين خائفا راجيا، {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} [(60) سورة المؤمنون] يؤتون ما آتوا من الأعمال الصالحة، ولذا لما سألت عائشة -رضي الله عنها-: أهم الذين يزنون؟ أهم الذين يسرقون؟ قال: ((لا يا أبنت الصديق، هؤلاء الذين يصلون ويصومون ويزكون، ويعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم وجلة)) خائفة أن ترد عليهم، فالإنسان لا يضمن، نعم جاء ما يدل على أن الفواتح عنوان الخواتم، لكن من يضمن أن هذه الفواتح الصالحة خالصة لوجه الله -عز وجل-، النفس الأمارة، والشيطان، والنية شرود تحتاج إلى من يتابعها في كل وقت، قد يزل الإنسان بكلمة من سخط الله -عز وجل- يهوي بها في النار سبعين خريفا، لا يلقي لها بالا، تكون من سخط الله، والله المستعان.
"قال ابن أبي مليكة: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو نفتن" يعني عن ديننا، فنرجع القهقرى عما كنا نفعله من أعمال صالحة.
Bogga 12
ثم بعد هذا يقول: "حدثنا موسى بن إسماعيل -هو المنقري- قال: حدثنا أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن مغيرة -بن مقسم- عن أبي وائل -شقيق بن سلمة التابعي الشهير- قال: قال عبد الله -وهو ابن مسعود- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض)) " يعني: متقدم بين أيديكم، أمامكم، فالفرط: هو المتقدم الذي يسبق القوم، ولذا جاء في دعاء الجنازة للطفل: ((اللهم اجعله فرطا وذخرا)) أي: متقدما، يعني: أجرا متقدما بين يدي والديه، ((أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم)) يعني من هذه الأمة، من أمة الإجابة، ((حتى إذا أهويت لأناولهم -يعني لأسقيهم من حوضي- اختلجوا -جذبوا واقتطعوا- دوني، فأقول: أي رب أصحابي)) لأنه يعرفهم إما بأعيانهم أو بأوصافهم، ولا يمنع أن يكون من هؤلاء من هو مسلم يختلج ويقتطع لما أحدث في الدين ويدخل النار ثم بعد ذلك إذا هذب ونقي بقدر ما اقترفه من جرائم يدخل الجنة، ((فأقول: أي رب أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)) من ردة أو بدعة أو منكرات وجرائم كلها محدثات.
ثم قال: "حدثنا يحيى بن بكير -المخزومي- قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -القاري- عن أبي حازم -سلمة بن دينار- عن سهل بن سعد -الساعدي- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا)) " لم يظمأ بعد أن يشرب من الحوض فإنه لا يظمأ أبدا، يتجاوز هذه الأهوال من غير مشقة ولا ظمأ ((ليرد)) في رواية أبي ذر: ((ليردن))، ((علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم))، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم" يتأكد، "هكذا سمعت سهلا؟ " أبو حازم سلمة بن دينار لما حدث بهذا الحديث سئل للتثبت وللموافقة: "هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم، فقال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: ((إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا)) أي: بعدا بعدا، أي: أبعدهم الله.
Bogga 13
يقول ابن حجر: "حاصل ما حمل عليه حال المذكورين -يعني هؤلاء الذين يذادون عن الحوض الذين رجعوا القهقرى- حاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم كانوا ممن ارتد عن الإسلام"، وحينئذ فلا إشكال في تبرئ النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وإن كانوا ممن لم يرتد لكنه أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعا لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته -عليه الصلاة والسلام- لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون من النار بعد ذلك، كما يخرج سائر العصاة، فالحديث محتمل، هؤلاء الذين يذادون إن كانوا ممن ارتد فلا إشكال هؤلاء أحدثوا ويستحقون أن يذادوا عن الحوض، ويقال لهم: سحقا سحقا، وإن كانوا ممن لم يرتد الردة الكاملة وإنما كان رجوعهم للقهقرى ونكوسهم على أعقابهم إنما هو فيما دون ما يخرج عن الملة بإحداث بدعة يعمل بها من بعدهم، أو باقتراف جريمة فمثل هؤلاء يعاقبون، هم مستحقون للعقاب، ومن العقاب ذودهم من الحوض، وقد يدخلون النار فيعذبون وينقون بقدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها كما يخرج سائر العصاة، نعم.
شرح: باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-
:</span> ((سترون بعدي أمورا تنكرونها)).
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها)).
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اصبروا حتى تلقوني على الحوض)).
حدثنا مسدد قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا زيد بن وهب، قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها)) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)).
حدثنا مسدد عن عبد الوارث عن الجعد عن أبي رجاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية)).
Bogga 14
حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن الجعد أبي عثمان قال: حدثني أبو رجاء العطاردي، قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية)).
حدثنا إسماعيل قال: حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وهو مريض قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.
حدثنا محمد بن عرعرة قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن أسيد بن حضير أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: استعملت فلانا ولم تستعملني؟ قال: ((إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني)).
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم - -يعني للأنصار-: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها)) النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأنصار: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها)) سترون أثرة بعدي؛ لأن أمر الولاية ليس لهم، بل الأئمة من قريش، والغالب أن من ليست بيده الولاية تقع عليه الأثرة، يؤثر عليه غيره، ولذا قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((سترون بعدي أمورا تنكرونها))، وقال عبد الله بن زيد بن عاصم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للأنصار: ((اصبروا)) على ما تلقون يعني على ما تلقون بعدي من الأثرة ((حتى تلقوني على الحوض)).
Bogga 15
يقول -رحمه الله-: "حدثنا مسدد" وهو ابن مسرهد السدوسي الإمام المعروف، ذكر بعضهم -وقد لا يصح بالصيغة المجتمعة المذكورة- مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن أرندل بن سرندل بن عرندل هذه ذكرت في ترجمته، لكن بهذا التركيب بهذه الصيغة يستنكرها كثير من أهل العلم، "قال: حدثنا يحيى بن سعيد" الإمام القطان المعروف "قال: حدثنا الأعمش " سليمان بن مهران "قال: حدثنا زيد بن وهب -الجهني- قال سمعت عبد الله" يعني ابن مسعود "قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أثرة)) " أو أثرة، ابن مسعود يقول: "قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ابن مسعود من الأنصار وإلا من المهاجرين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، والخطاب الأول موجه للأنصار كما جاءت بذلك الروايات، وكونه يخص الأنصار من الذكر لأنه ليس لهم من الأمر شيء، ليس لهم من الولاية شيء فهو مظنة لأن يجدوا أثرة، وابن مسعود ومن في حكمه وإن كان من غير الأنصار إلا أنه لبعده عن التطلع عن هذه الأمور لا بد أن يقع عليه شيء من الأثرة؛ لأنه لا يستشرف لمثل هذه الأمور، ولا يتصور أنه يلي أمر من أمور المسلمين لانصرافه عن الدنيا، وعن زهرتها، وعن حظوظها إلى الآخرة.
"قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكم سترون بعدي أثرة)) " سترون ممن يلي الأمر، من ولاة وأمراء بعدي أثرة، يعني استئثار واختصاص بالحظوظ الدنيوية، فيؤثرون بها غيركم من أقاربهم ومعارفهم، فعلى الإنسان الذي يحس ويشعر بأن غيره أوثر عليه أن يوثر نفسه بما يرضي الله -عز وجل-، فإذا انصرف الناس وتعلقوا واستشرفوا إلى أمور الدنيا فعلى طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون نظره إلى الآخرة، ومع ذلكم كما قال الله -جل وعلا-: {ولا تنس نصيبك من الدنيا} [(77) سورة القصص] ((إنكم سترون بعدي أثرة)) الضبط الآخر: أثرة وأثرة، ((وأمورا تنكرونها)) يعني من أمور الدين، سوف تجدون تغير، ولا يزال التغير يزداد، وكل زمان يزداد السوء بالنسبة لما قبله، ((لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه)).
Bogga 16
"قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ " يعني أن نفعل، ماذا نفعل إذا وجدنا مثل هذا؟ إذا وجدنا مثل هذا التغير من ولاة الأمر من أمراء وأعوان ماذا نفعل؟ يعني هل نقاومهم؟ هل نرضى بالأثرة؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أدوا إليهم حقهم)) يعني مما يجب لهم من السمع والطاعة، وأدوا إليهم الزكاة، وجاهدوا معهم، وصلوا وراءهم ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)) يعني ما يحصل فيه التقصير سلوا الله -عز وجل-، فلا يجوز للإنسان أن تكون همته الدنيا، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعط منها لم يرض، إن أعطي من أمور الدنيا وفى، وإن لم يعط من أمور الدنيا لم يف، ليكن همه الآخرة، وما يأتيه من أمور الدنيا مما يعينه عليها من غير استشراف يأخذ، كما جاء في حديث أبي ذر عند مسلم، الذي يأتي المسلم من غير استشراف، ولا يغلب على ظنه أنه يراد له مقابل يأخذه، إن تورع عنه فالورع له باب، لكن إن أخذ لا بأس، إن جاءه من غير طلب ولا استشراف، يقول أبو ذر: "فإن كان ثمنا لدينك فلا"، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قالوا، لما أخبرهم أنه سيكون هناك أثرة وأثرة، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص، وإبعاد وتقريب، هذا موجود على مدى العصور، من بعد الخلفاء الراشدين ظهر هذا الأمر، وكل سنة يزداد الأمر، طيب ماذا نفعل يا رسول الله إذا حصل هذا؟ يعني مقتضاه أن هذا منكر، والمنكر يجب تغييره، فهل نغير؟ قال: لا ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقهم)) ولا يمنع هذا من النصح، فالنصيحة هي الدين، كما جاء في حديث تميم: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) فلا يعني أن الإنسان يقف وهو ممن آتاه الله القدرة على النصح، والقدرة على التأثير والبيان أن ينصح ولاة الأمر بالرفق واللين، بالأسلوب المجدي النافع الذي يحقق المصلحة دون ترتب أي مفسدة، ((أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم)).
Bogga 17
ثم قال: "حدثنا مسدد عن عبد الوارث -بن سعيد- عن الجعد -أبي عثمان الصيرفي- عن أبي رجاء -العطاردي عمران- عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كره من أميره شيئا)) " يعني سواء كان من أمر الدين أو من أمر الدنيا، ((من كره من أميره شيئا فليصبر)) يصبر؛ لأن بعض الناس -والباعث له الغيرة- قد لا يصبر، لكن النتيجة؟ النتيجة أن يترتب على فعله وعدم صبره ومخالفته للتوجيه النبوي ((فليصبر)) المسألة تحتاج إلى علاج مناسب، لا يعالج المنكر بما هو أنكر منه، بمفسدة أعظم منه، تحتاج إلى دراسة للأمر، ودراية بالأساليب النافعة الناجعة التي تقضي على المنكر أو تخفف منه بقدر الإمكان، ولا يترتب عليها مفسدة، قال: ((فليصبر، فإنه من خرج من السلطان -يعني عن طاعته- شبرا -يعني ولو بشيء يسير- مات ميتة جاهلية)) كانت هيئة ميتته كهيئة ميتة من عاش في الجاهلية؛ لأن عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، والفوضى من سمات الجاهلية، القوي يأكل الضعيف، وإنكار المنكر وإن كان مطلوبا إلا أنه ينكر بطرق مناسبة، والبيان والنصح والتوجيه لا بد أن يكون بأسلوب مناسب مؤثر، لا تترتب عليه مفاسد، إذا كان المنكر الذي يزال ترتب عليه منكر أعظم منه ما استفدنا، المنكر ما زال، المقصود أن على من رأى ما ينكر، وما أثر ما ينكر في العصور المتأخرة، هذه سنة إلهية، فساد الأزمان، وفساد أهل الزمان في آخر الزمان معروف مستفيض بالنصوص، والواقع يشهد لذلك، لكن من رأى ما ينكر فليصبر، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنه من خرج من السلطان -يعني من طاعته- شبرا مات ميتة جاهلية)) فكيف بمن خرج ما هو أكبر من الشبر وأعظم منه؟! ويأتي الضابط لما يوجب الخروج، يأتي الضابط وهو الكفر البواح الذي فيه من الله برهان.
Bogga 18
يقول: "حدثنا أبو النعمان -محمد بن الفضل- قال: حدثنا حماد بن زيد -بن درهم- عن الجعد -بن دينار الصيرفي- أبي عثمان، قال: حدثني أبو رجاء -عمران- العطاردي، قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه)) " يكرهه يعني من أمور الدنيا أو من أمور الدين ما لم يصل إلى حد الكفر البواح ((فليصبر))، ((فإنه –واسم إن ضمير الشأن- فإنه من فارق الجماعة -جماعة المسلمين- شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية)) يعني: فيه خصلة من خصال الجاهلية قد مات عليها، ولا يعني أن يكون بذلك قد خرج عن دائرة الإسلام وصار جاهليا، لا، إنما فيه خصلة من خصال الجاهلية، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) وفرق بين أن يكون الرجل جاهليا وبين أن تكون فيه جاهلية، وبين أن يكون منافقا وفيه نفاق، وبين أن يكون مشركا وفيه شرك، كما قرر ذلك أهل العلم، اليهود والنصارى مشركون أو فيهم شرك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيهم شرك، فيهم شرك ولذا يختلفون في الأحكام عن المشركين، يختلفون في الأحكام عن المشركين هم أهل كتاب لكن فيهم شرك، {الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} [(6) سورة البينة] ولذا اختلفت أحكامهم عن المشركين الذين استحقوا الوصف الكامل، وكونهم أهل كتاب وفيهم شرك وليسوا بمشركين شركا مطبقا كغيرهم لا يعني أنهم على هدى، بل هم كفار خالدون مخلدون في النار، نسأل الله العافية، {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} [(6) سورة البينة] لا يعني أنهم ليسوا بمشركين، وإنما فيهم شرك، أنهم يرجى لهم شيء، لا، هم كفار على كل حال.
Bogga 19