Sharh Kitab al-Ibana min Usul al-Diyana
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
Noocyada
معنى التقدم بين يدي الله ورسوله وموقف الصحابة من الأمر بعدم التقدم
قال: [وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ [الممتحنة:٦].
وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الحجرات:١]].
التقدم بين يدي الله: هو أن ترى غير ما أمرك به الله، وهو أن يحكم الله تعالى في قضية بحكم ثم أنت لا ترى هذا الحكم، وترى رأيًا آخر يخالف حكم الله ﷿، وكذلك أن يحكم النبي ﵊ في قضية ما بحكم السماء، ثم أنت لا ترى ما حكم به النبي ﵊، بل تذهب فتحكم فيها برأيك وهواك، فهذا تقدم بين يدي الله ورسوله.
والصحابة ﵃ قد ضربوا أروع الأمثلة لما نزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:١ - ٢].
كان ثابت بن قيس بن شماس جهوري الصوت بطبيعة الخلقة التي خلقه الله تعالى عليها، كان صوته عاليًا جدًا، كان إذا تكلم أسمع الناس كلها، فإذا تكلم في مجلس النبي ﵊ علم الناس أن المتكلم هو ثابت بن قيس بن شماس، فظن ثابت بن قيس أن هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ [الحجرات:٢] نزلت في شأنه؛ لأن صوته عال.
فقوله: ﴿لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ﴾ [الحجرات:٢] أي: لا ترفعوا أصواتكم عليه، وتجهروا عليه بالقول: ﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات:٢]، فلما سمع ثابت بن قيس هذه الآيات لزم بيته وقال: أنا من أهل النار، أنا قد حبط عملي، أنا الذي نزلت فيّ هذه الآية، ولذلك تفقده النبي ﵊ عدة أيام كما كانت عادته ﵊، فلما لم يره سأل عنه، فأخبروه بما كان من أمره، قال: (اذهبوا إليه وبشروه بالجنة).
إذًا: المقصود أن ترى أنت غير حكم الله وترى غير حكم النبي ﵊، لكن عمل الصحابة بظاهر هذه الآية.
وقد جاء عن أبي بكر الصديق أنه قال بعد نزول هذه الآيات: [(يا رسول الله لا أكلمك إلا كأخي السرار)، يعني: كمن يحدث أخاه سرًا.
وأما عمر فكان النبي ﵊ يستبينه في الكلام مرة ومرتين وثلاثًا؛ لأن عمر يتكلم بصوت يتكلف فيه الخفض، حتى يقول له النبي ﵊: ماذا تقول يا عمر؟ فيعيد عمر إعادة غير مسموعة، فيستعيده النبي ﵊.
إذا كان هذا موقف الصحابة من مجرد التلفظ مع الطاعة، فما بالكم بمن يهجم على الله وعلى رسوله ﵊؟ شتان بين زمان الصحابة وزماننا، وقلوبهم وقلوبنا، وطاعتهم وانقيادهم وطاعتنا وانقيادنا.
4 / 15