الدواوين اللغوية المتداولة بين علماء هذا الشأن، ويسمى عندهم بالوحشي الغليظ وبالمتوعر، وهو مع غرابته ثقيل على السمع، كريه على الذوق، وهذا هو الذي اشترط علماء المعاني خلو الكلام منه في الفصاحة دون الأول كما عرف في محله، قلت: ومراد المصنف بالغريب هنا القسم الأول، وكأنه أراد أن ما ذكره غريب بالنسبة لهذه الأعصار التي غلبت فيها العجمة على الناس، وقل تعاطيهم للعلوم اللسانية، حتى صارت الألفاظ الضرورية عند الأقدمين من الناس فضلًا عن العرب تسمى وحشية غريبة لعدم تداولها بين الناس. وإلا فإنه لم يذكر شيئًا من الغريب بالنسبة لما اصطلح عليه علماء هذا الشأن لاختصاره، وعدم استيفائه لباب من أبواب اللغة المشهورة المتداولة عند الأقدمين، فضلًا عن غرابتها كما يعلمه من مارس فنونها، والله أعلم.
ولما وصف كتابه بأنه مختصر مشتمل على المحتاج إليه من الكلام الغريب نبه على ما أودعه فيه على جهة الإجمال ليرغب فيه الطالب فقال: (أودعناه كثيرًا من الأسماء والصفات) أقول: أصل الإيداع الدفع على وجه الوديعة، تقول: أودعته مالًا: إذا دفعت إليه ليكون وديعة، وأودعته أيضًا: قبلت ما أودعكه، فهو من الأضداد كما في الصحاح والقاموس وغيرهما، ثم صار يستعمل بمعنى الجعل. تقول: أودعت كذا في كذا: إذا جعلته فيه، وهو قريب من الأول. ومنه قول المصنف: أودعناه أي جعلناه في هذا الكتاب كثيرًا، فالضمير مفعوله الأول، وكثيرًا مفعوله الثاني، وهو فعيل من الكثرة بالفتح كما في الفصيح وغيره، وتكسر في لغة، أو هو رديء، أو خطأ كما أوضحته في شرح نظم الفصيح. والكثرة نقيض القلة، وكثر الشيء ككرم، فهو كثير، كأمير، وغراب، وصاحب، وصيقل.
1 / 88