وكون مدلوله رفث التكلم، وفسره الجوهري بالباطل، فقال في الصحاح: لغا يلغو لغوًا، أي: قال باطلًا، ولغى بالكسر، يلغى لغًا، مثله، ثم أنشد الرجز الذي أنشده ابن جني. فكل من اللغو واللغا وارد على القياس الصرفي، وبه تعلم أن اللغا كالفتى غير اللغى بالضم مقصورًا، فإنه لغة في اللغة كما قاله المجد وغيره. وقد يكون جمع لغة كالظبا، جمع ظبة كثبة، والله أعلم.
ثم كون اللغة بمعنى الأصوات المعبر بها عن الأغراض، مأخوذًا من اللغو واللغا بمعنى الباطل والرفث - لا يخلو من مجاز، والمراد أن هذا معناه بالنسبة إلى أصل الوضع والاشتقاق، كما هو مختار ابن جنى في الخصائص في رده المادة وأن تعددت معانيها وتصاريفها إلى معنى واحد في الأصل، ثم يتفرع عنها فروع استعمالية، فلا تنافي بين إطلاق اللغة على فحش المنطق في الأصل، ثم صار يطلق على ما هو أعم من ذلك، لأن الفحش يتأثر به سامعه كما يتأثر بالكلام، وقد قالوا: إن الكلام مشتق من الكلام بالفتح، الذي هو الجرح لتأثيره في النفوس كما يؤثر الجرح، حتى قال الشاعر:
جراحات السنانِ لها التئام ... ولا يلتامُ ما جرح اللسانُ
وقال الآخر:
فداو بلينٍ ما جرحت بغلظةٍ ... فطب كلام المرء طيب كلامه
وهو كثير في الكلام، وإن صرح المحقق الرضي في شرح الكافية بأنه اشتقاق بعيد.
وقد رد ابن جني في الخصائص معنى مادة «كـ لـ م» من حيث الاشتقاق إلى شيء واحد وهو التأثير، واستنبط أن جميع ما يتصرف من «كلم» من المواد
1 / 69