بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله الحق ذا الجلال والاكرام
وأصلي على رسوله محمد خير الانام
وأسلم عليه وعلي آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام
وأقول إن المبتدئين بتحصيل المذهب من أبناء الزمان قد تولعوا بكتاب الوجيز للامام حجة الاسلام أبى حامد الغزالي قدس الله روحه، وهو كتاب غزير الفوائد، جم العوائد، وله القدح المعلي والحفظ الاوفى من استيفاء أقسام الحسن والكمال
1 / 73
واستحقاق صرف الهمة إليه والاعتناء بالاكباب عليه والاقبال والاختصاص بصعوبة اللفظ ودقة المعنى لما فيه من حسن النظم وصغر الحجم
وإنه من هذا الوجه محوج الي أحد أمرين: إما مراجعة غيره من الكتب وإما شرح يذلل صعابه: ومعلوم أن المراجعة لا تتأتي لكل أحد وفي كل وقت وأنها لا تقوم مقام الشرح المغنى لا يضاح الكتاب، فدعاني ذلك الي عمل شرح يوضح فقه مسائله فيوجهها: ويكشف عما انغلق من الا لفاظ ودق من امعاني ليغتنمه
1 / 74
الشارعون في ذلك الكتاب المخصوصون بالطبع السليم: ويعينهم علي بغيتهم ويتنبه الذين غيره أولي بهم لما ذهب عليهم من فقه الكتاب ودقائقه واستصعابه عليه فينكشف لهم أنهم حرموا شيئا كثيرا (ولقبته بالعزيز في شرح الوجيز) وهو عزيز علي المتخلفين بمعنى *
وعند المبرزين المنصفين بمعنى * وربما تلتبس على المبتدئين والمتبلدين أمور الكتاب فيطمعون في اشتمال هذا الشرح علي ما يشفيهم ولا يظرون به * فليعلموا أن السبب فيه أن تلك
_________
قال ابن السبكي في الطبقات تحرز بعض اصحابنا عن تسميته بالعزيز اه ولذلك جرينا في الطبع على هذا ووسميناه بفتح العزيز
1 / 75
المواضع لا تستحق شرحا يودع بطون الاوراق * والقصور في أفهامهم * فدواؤهم الرجوع الي من يطلعهم علي ما يطلبون * والله ولي التيسير * وهذا حين افتتح القول فيه مستعينا بالله تعالى: ومتوخيا للاختصار ما استطعت والله حسبى ونعم الوكيل * أما ديباجة الكتاب فلا يتعلق بشرحها غرض ولكن من شرطك أن تطالعها وتعرف
_________
(تنبيه) رمز المصنف إلى الخلاف بحروف مخصوصة الميم لمالك والحاء لابي حنيفة والزاي للمزني والواو لوجه أو قولي بعيد مخرج للاصحاب وجعلها بالهمزة فوق الكلمات وهذه الرموز ساقطة من نسخة الشرح واتماما للفائدة اثبتناها في عبارة المتن بجعل الحرف بين قوسين بعد الكلمة المختلف فيها
1 / 76
منها غاية حجة الاسلام ﵀ بالرموز التى قصد أن يسم بها الكلمات إشعارا بالاقوال والوجوه ومذاهب سائر الائمة وتتبين أنه ليس للشارح اهمالها علي غزارة فائدتها فانها لا تعطي الا معرفة خلاف في المسألة فأما كيفيته واطلاقه وتفصيله فلا * ولذلك نجد أكثر النسخ عاطلة عنها في معظم المسائل
1 / 77
ونحن لا نلتزم الوفاء بها فان اختلاف العلماء فن عظيم لا يمكن جعله علاوة كتاب ولكن نتعرض منها لما هو أهم في غرض الكتاب ويستدعيه لفظه وبالله التوفيق قال (رحمة الله عليه)
1 / 78
كتاب الطهارة
(وفيه ثمانية أبواب الباب الاول في المياه الطاهرة
(والمطهر للحدث والخبث (ح) هو الماء من بين سائر المائعات) أراد بالطهارة بعض أنواع الطهارة وهو الطهارة بالماء والا فمن شرطه ادراج التيمم في أبواب هذا الكتاب لانه إحدى
1 / 79
الطهارات الا تري الي قول الشافعي ﵁ طهارتان فكيف يفترقان فلما افرده دل انه أراد الطهارة بالماء: ثم الاحكام المتعلقة بالطهارة تنقسم الي ما يجرى مجرى المقدمات كالقول في المياه والي ما يجرى مجرى المقاصد كالقول في نفس الوضوء والغسل فجعل من الابواب الثمانية اربعة في المقدمات واربعة في المقاصد ولهذا قال عند تمام الاربعة الاولي هذا قسم المقدمات: ثم الماء اما ان يكون معلوم الحكم أو لا يكون فان كان فهو اما طاهر أو نجس وان لم يكن فهو الذى
1 / 80
يشكل ويشتبه حاله: ثم هو على التقديرين اما ان يكون في اناء يحفظ فيه ويستعمل منه أو لا يكون فجعل الباب الاول في المياه الطاهرة: والطاهر ينتظم الطهور وغيره والثاني في المياه النجسة والثالث فيما اشتبه حكمه والرابع فيما يعتوره من الاحكام باعتبار الظروف والاوانى * وقوله والمطر للحدث والخبث هو الماء من بين سائر المائعات فيه كلامان احدهما ان الخبث مرقوم في النسخ برقم ابي حنيفة رحمة الله عليه دون الحدث بناء علي ان المشهوران الطهورية مخصوصة بالماء في الحدث اجماعا لكنه في الخبث مختلف فيه بيننا وبينه: ولك ان تقول دعوى الاجماع في الحدث على اطلاقه لا يستقيم
1 / 81
لان نبيذ التمر عنده طهور في السفر عند اعواز الماء وإذا كان كذلك فلو جعل الرقم على قوله هو الماء ليشملهما جميعا لم يضر: الثاني لم قال من بين سائر المائعات ولم يقتصر على قوله والمطهر للحديث والخبث هو الماء والجواب انه لو اقتصر عليه لا شكل بالتراب فانه مطهر وليس بماء.
واعلم انه لو اراد تخصيص الطهورية في الحدث والخبث جميعا بالماء لما لزم هذا الاشكال لكنه لم يرد التخصيص في الفصلين جميعا وانما أراد التخصيص في كل واحد منهما فوجب الاحتراز: فان قلت ولم اختصت الطهورية بالماء: قلنا أما في الحدث فلقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) لولا اختصاص الوضوء
1 / 82
بالماء لما نقل الي التراب الا بعد فقد ما يشارك الماء في الطهورية من المائعات ليأتي باكمل الطهارات واما في الخبث فلما نستوفي من الخلاف * قال (ثم المياه علي ثلاثة أقسام الاول الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور ومنه ماء البحر وماء البئر وكل ما نزل من السماء أو نبع من الارض) قوله ثم المياه يعني المياه الداخلة في هذا الباب وهى الطاهرة: وانما انقسمت الي ثلاثة اقسام لانها اما ان تبقى على اصل الخلقة أو لا تبقى وان لم تبق فلما ان يخرج بما تغير من الصفات عن أن يسمى ماء مطلقا أو لا يكون كذلك الاول الباقي على اوصاف خلقته فهو طهور لوقوع اسم مطلق الماء عليه واندراجه تحت النصوص
1 / 83
الآمرة باستعمال الماء والمجوزة له.
وقد ورد في ماء البحر قوله ﷺ (البحر هو الطهور ماؤه)
1 / 84
وفى ماء البئر انه توضأ من بئر بضاعة فان قلت لم اعتبر الاطلاق مع البقاء على اصل الخلقة حيث
1 / 90
قال الماء المطلق الباقي على اوصاف خلقته ثم إذا اعتبر فكيف عد منه ماء البحر وماء البئر وهذا مقيد لا مطلق: فالجواب ان وصف الماء بالاطلاق قد تكرر في كلام الآئمة ثم منهم من يفسر المطلق بالباقي على اوصاف الخاتمة ومنهم من يفسره بالعاري عن القيود والاوصاف ويقول الماء ينقسم الي مطلق والي مضاف ثم من المضاف ما هو طهور كماء الكوز والبحر ومنه ما ليس بطهور كماء الزعفران وماء الشجر: فيجوز ان يقال أراد بالمطلق الباقي على اوصاف الخلقة وبه يشعر
1 / 94
ظاهر كلامه في الوسيط وعلى هذا يكون تعقيب المطلق بالباقي على وصف الخلقة تفسيرا وبيانا للمعنى.
ويجوز أن يقال أراد العارى عن القيود والاضافات أي كل ما يسمى ماء من غير قيد فهو طهور وهذا لا ينافيه وقوع اسم الماء عليه مضافا بل تصح الاشارة إلى الماء المعين بأنه ماء
وبأنه ماء عين أو نهر وبهذا يظهر فساد تقسيم من قسم الماء إلى مطلق ومضاف لان المطلق يجوز
1 / 95
أن يكون مضافا وبالعكس أيضا فيدخل أحد القسمين في الآخر فإذا عرفت ذلك فان اراد المعني الاول فهما شئ واحد فلا معنى لقول القائل لم اعتبر الاطلاق مع البقاء علي أصل الخلقة وان أراد المعنى الثاني فقد ذكرنا انه لا منافاة بين كونه مطلقا بهذا المعنى ومضافا ثم ليس ذلك علي سبيل
1 / 96
اشتراط الاطلاق لان كل باق علي أصل الخلقة يقع عليه اسم الماء عريا عن الاضافة عن القيود والاوصاف فهو إذا ملازم للبقاء علي أصل الخلقة وانما هو اشارة الي أن المعني المقتضي للطهورية اطلاقه والدخول في النصوص على ما سبق ويتبين مما ذكرناه انه لو حذف لفظ المطلق لم يضر: قال (ولا يستثنى عنه الا الماء المستعمل في الحدث فانه طاهر (ح) غير مطهر على القول الجديد
1 / 97
لتأدى العبادة به وانتقال المنع إليه: فالمستعمل في الكرة الرابعة طهور لعدم المعنيين: أما المستعمل في الثانية والثالثة أو في تجديد الوضوء أو في غسل الذمية إذا اغتسلت من الحيض ليحل للزوج غشيانها فيه وجهان لوجود أحد المعنيين دون الثاني) * استثناء المستعمل من الباقي على أوصاف الخلقة يبين انه ليس المراد من الاوصاف كل ما يصح وصف الماء به حتى الاضافات والاعتبارات والافانه قبل الاستعمال موصوف بانه غير مستعمل وبعده بانه مستعمل فلا يكون باقيا على الاوصاف
1 / 98
كلها حتي يستثنى منه وانما المراد الصفات المعنوية ثم الاعتبار منها باللون والطعم والرائحة وهى المنظور إليها في التغير بالنجاسة كما سيأتي والصفات المعنوية باقية بحالها في المستعمل ثم هو غير طهور علي المذهب فوجب استثناؤه * وفقه الفصل أن الماء المستعمل في الحدث طاهر وفي رواية عن أبي حنيفة ﵀ هو نجس وبه قال أبو يوسف ﵀ * لنا وجهان أحدهما قال صلي الله
1 / 99
عليه وسلم خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو ريحه ولا تغير ههنا: والثانى
1 / 100