فالاستفهامية هي التي تستدعي جوابا، والخبرية هي التي لا تستدعي جوابا، وكلاهما مبني. فالاستفهامية بنيت لتضمنها معنى حرف الاستفهام وهي الهمزة، وأما الخبرية فبنيت لشبهها برب، لأن رب للمباهاة والافتخار كما أن كم كذلك، وذلك نحو قولك: كم غلام ملكت، وإنما تريد: كثيرا من الغلمان ملكت.
وذهب الفراء إلى أن كم مركبة من كاف التشبيه وما الاستفهامية، فالأصل عنده فيها كم، لأن حرف الجر إذا دخل على ما الاستفهامية حذف منها الألف، وسكن ميم كم لكثرة الاستعمال كما قالوا: فيم ولم في فيم ولم.
فإذا قلت: كم رجلا عندك؟ فالمعنى عنده: كأي شيء من الرجال عندك، وكنيت بأي عن عدد، ورأى أن هذا أولى من أن يثبت في أسماء الاستفهام ما لم يستقر فيها، وحكى هذا المذهب عنه ابن كيسان. وهو باطل لأنها يدخل عليها حرف الجر وحرف الجر لا يدخل على مثله.
وكم اسم مبهم فلا بد لها من تمييز. وتمييز الاستفهامية مفرد منصوب وتمييز الخبرية مخفوض، ويكون مفردا وجمعا.
فإن قيل: ولأي شيء خفض تمييز الخبرية؟ فالجواب أن تقول: إنما خفض تمييز الخبرية لأنها للتكثير أبدا، والعرب أبدا إنما تكثر بالمائة والألف والدليل على ذلك قول امرىء القيس:
هو المنزل الآلاف من جو ناعط
بني أسد حزنا من الأرض أوعرا
وكذلك قوله:
حيدة خالي ولقيط وعلي
وحاتم الطائي وهاب المئي
وكذلك قول النابغة:
الواهب المائة المعكاء زينها
سعدان توضح في أوبارها اللبد
وكذلك قوله:
أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية
ما في عطائهم من ولا سرف
وهنيدة اسم للمائة من الإبل، فلما كانت تكثر بالمائة والألف وتمييز المائة والألف مخفوض فكذلك كان تمييز الخبرية مخفوضا. فلما لزم الخفض للخبرية لم يبق للاستفهامية إلا النصب.
Bogga 105