من مظان الحديث الحسن، لما ذكر الحديث الحسن والحد والتعريف والحكم ذكر من مظانه وذكر جامع الترمذي وسنن أبي داود؛ لأن أبا داود قال في رسالته إلى أهل مكة: "ذكرت فيه الصحيح، وما يشبهه ويقاربه" فالذي يشبه الصحيح ويقاربه هو الحسن، قال: "وما كان فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، قال: وروي عنه أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه" ابن كثير -رحمه الله- يذكر أنه وقف على رواية من رسالته إلى أهل مكة أنه: "وما سكت عنه فهو حسن" وهذا يوافق اختيار ابن الصلاح، ابن الصلاح الذي يجعله يتوسط في الأحاديث التي لا يذكر فيها كلاما لا يتعقبها، بل يسكت عنها ولا يوجد نص على صحة الخبر، والحديث غير مخرج في الصحيحين أن المتوسط في أمره ويحكم عليه بالحسن، هذا من باب التوسط في الحكم، وهذا الذي أفرزه رأي ابن الصلاح في انقطاع التصحيح والتضعيف، وإلا فالأصل أن السنن وغيرها من الكتب حاشا الصحيحين مما ينبغي أن تدرس أسانيده ويحكم على كل حديث بما يليق به، كما تقدم في كلامه عن مستدرك الحاكم، يقول ابن الصلاح: "فما وجدناه في كتابه مذكورا مطلقا وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد، فهو حسن عند أبي داود" اعترض على هذا الكلام؛ لأن فيما سكت عنه أبو داود الصحيح، وفيما سكت عنه أبو داود الحسن وهو كثير، وفيما سكت عنه الضعيف؛ لأن مقتضى لفظه: "وما كان فيه وهن شديد بينته" معناه أن الوهن والضعيف الغير شديد لا يبينه، إذا فيه الضعيف، وأيضا واقع الكتاب يشهد بأنه سكت عن أحاديث ضعيفة، بل شديدة الضعف، فكيف نقول: أن ما سكت عنه أبو داود هو حسن؟ وهذا المسلك يسلكه النووي كثيرا، الحديث الذي خرجه أبو داود وسكت عنه فهو حسن، يسلكه المنذري أيضا في الترغيب، سكت عنه أبو داود، المقصود أن هذا قول مسلوك، لكنه مرجوح، لماذا؟ لأنه وجدت الأنواع فيما سكت عنه، ففيما سكت عنه الصحيح والحسن والضعيف، والأولى أن يتصدى للكتاب وغيره من الكتب التي لم يلتزم مؤلفوها الصحة، أو التزموا واشترطوا لكن لم يفوا أن يحكم على كل حديث بما يليق به.
Bogga 12