314

الشرح: أما صلة هذا بما قبله فهو أن عادة أبقراط إذا أثبت الحكم في صورة نقله إلى ما هو أعم منها، ولما انتهى كلامه في الفصل الماضي في أن الحار نافع للأعضاء المذكورة قال في هذا الفصل لست اقول ذلك في الاعضاء * المذكورة (349) فقط بل * وفي (350) عضو قد برد، فإنه قد ينتفع بما يسخن بناء على أن المداواة بالضد، ثم العضو المتبرد قد يكون باردا في ذاته كالأعضاء المذكورة، وقد يكون باردا لا في ذاته * كالأعضاء (351) الحارة إذا بردت لاستيلاء مبرد عليه. فالأول ذكره في الفصل الماضي والثاني ذكره في هذا الفصل، غير أن هذا العضو الذي قد برد إذا كان يخاف من تسخينه من شيء ذلك الشيء أعظم خطرا مما إذا بقي البرد المستفاد فيه، فلا ينبغي لنا أن نستعمل التسخين الذي به تعديل مزاج ذلك العضو وبرده إلى حالته الطبيعية كما في هذه الصورة. وقوله في آخر الفصل الماضي «وأما الحار فنافع موافق لها» لأن تلك الأعضاء باردة قليلة الدم، فإذا اتسعمل فيها الحار لم يحس من استعماله فيها بضرر بخلاف حكمه في هذا الفصل، فإنه يعم الأعضاء الباردة والحارة لأنه قال «كل موضع قد برد»، والأعضاء الحارة كثيرة الدم فإذا بردت تكاثف ما فيها من الدم وجمد وصغر حجمه، والحار يفعل ضد ما يفعله البارد، فإذا ورد عليها خلخل ذلك الدم وسيله ورقق قوامه، وعند ذلك يحتاج إلى مكان * أوسع (352) ويحصل منه ما ذكره من الانفجار. وهذا الاستثناء من الإمام أبقراط فيه فائدة طبية متعلقة بالمعالجة وهو أنه ليس PageVW5P211B كل حالة غير طبيعية يجب أن تقابل بالضد بل قد يستعمل فيها المثل، وذلك إذا كان الخطر في استعمال المقابل أعظم منه إذا استعمل المثل كما في هذه الصورة، فإن البارد إذا استعملناه في المواضع المتبردة التي يخاف منها انفجار الدم زاد ذلك في حبس الدم الذي الأعضاء * جميعها (353) محتاجة إليه لأنه مركب للحرارة الغريزية * التي (354) هي مادة الأراواح * التي (355) هي مظنة القوى، فنفعه عام لجميع البدن هذا إذا كان الدم صالحا في كميته وكيفيته، وإلا فمتى كان فاسدا لم يستعمل ذلك فيه كما في عادة خروجه من أفواه العروق عند فساده، وفي استعمال الحار * ضرر (356) بطبيعة العضو المتبرد فقط، فلذلك قلنا إن استعمال المثل في هذه الحالة الغير طبيعية أجود من استعمال المقابل. والله أعلم.

20

[aphorism]

قال أبقراط: البارد لذاع للقروح ويصلب الجلد ويحدث من الوجع ما لا يكون معه تقيح ويسود ويحدث النافض الذي تكون معه حمى والتشنج والتمدد.

[commentary]

الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.

البحث الأول

في الصلة: وذلك من ثلاثة أوجه: أحدها أنه لما تكلم في الفصل الماضي في تأثير البارد بالنسبة إلى القابل ثم القابل تارة يكون قبوله لتأثير ذلك لذاته وتارة يكون قبوله لذلك لأمر طاري عليه. فالأول ذكره في الفصل الماضي، والثاني في هذا الفصل. وقدم الأول على هذا لأن ما بالذات متقدم على ما هو لأمر طاري. وأما كلامه في الفصل الذي قبل هذا فهو كالدخيل لأنه لما ذكر في آخر الفصل الماضي «وأما الحار فنافع موافق لها» قال بعده: * ثم (358) أقول ذلك فيما هو أعم من تلك الأعضاء. ولذلك ذكر الضرر المذكور وهو انفجار الدم لأنه لما أطلق الحكم في الأعضاء جميعها وهي منها ما هو كثير الدم وعند استعمال ذلك فيها يخاف * منها (359) ما ذكره، ذكر هذا القدر. وثانيها أنه قد علم أن للأدوية أفعالا أول وأفعالا ثواني. فالأول كالتسخين، والتبريد، والثاني كاللذع والتكثيف. ولما كان الفصل الماضي يتضمن ذكر الأفعال الأول، ذكر في هذا الفصل الأفعال الثواني، وستعلم أن لذع البارد PageVW5P212A للقروح وإيجاب ما يوجبه فيها بواسطة التكثيف. وقدم الأول على الثاني لأن الأفعال الأول متقدمة بالطبع على الثواني. وثالثها أنه قد علم أن الألم هو إدراك المنافي من حيث هو * مناف (360) ، ثم كل واحدة من الحرارة والبرودة توجب ذلك تارة بذاته وتارة بواسطة تفرق الاتصال، ففي الفصل الماضي أشار إلى الأول، وفي هذا أشار إلى الثاني. وقدم الماضي على هذا لأن ما بالذات متقدم على ما بالعرض.

البحث الثاني:

اللفظ تارة يدل على مذلوله بالحقيقة وتارة بالمجاز فاللذع بالحقيقة يقال على الحار. وأما على البارد فبطريق المجاز لما يحدثه من الوجع الذي يوجبه في القروح بواسطة تفرق الاتصال، وإنما اختص إيجاب لذلك بالقروح لأنه لكثافته لا ينفذ في * الجلد (361) حال خلوه من ذلك * لصفاقته (362) . قال جالينوس: PageVW1P137B فإن مقدار * حال (363) الجلد في التكاثف أكثر من مقدار حال الماء في اللطافة. وأما في القروح فإنه ينفذ فيها لترهلها وسخافتها. وأما الحار فإنه للطافته ينفذ في الجلد أسرع من نفوذ البارد * فيه (364) ، ويحدث أيضا فيه تفرقا لكنه للطافته يكون زمان نفوذه أقصر من زمان نفوذ البارد، فلذلك كان ألمه أقل لكنه بتحليله وإرخائه يسكن الوجع، * وهذا (365) فيه عند استعماله في القرحة أبلغ من * الأول (366) ، فلذلك صار تسكينه للألم يخفى * تثويره (367) له، ولما كان الحار كذلك والبارد لا شك أنه يوجب ضد ما يوجبه الحار، وذلك أمور ثلاثة: أحدها الجمع * والتكثيف (368) ، وذلك يلزمه تفرق الاتصال وهو مؤلم؛ وثانيها أنه بذاته * مؤلم (369) لأنه مناف؛ وثالثها أنه * يمنع (370) من تحليل الأسباب المحدثة للوجع بواسطة التكثيف وتجميده للحرارة الغريزية المعينة على ذلك فيوجع بحبس السبب الموجع. وقد علمت قبول العضو المتقرح * لتأثير (371) البارد، فلذلك كان البارد موجبا للوجع

Bog aan la aqoon