216

لقائل أن يقول: ما ذكره أبقراط في الفصل الماضي حيث قال «وأما أصحاب السل إذا استفراغتهم بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق (iv. 8)» يناقض ححمه في هذا الفصل فإن قرحة الرئة المعبر عنها بالسل فوق الحجاب ومع ذلك فقد أشار بالستعمال الدواء في هذا المرض من أسفل، قلنا الجواب عن هذا النافية وجهان: أحدهما ما ذكرناه من تخصيص الاستفراغ بما ذكرناه على ما عرفت؛ وثانيهما أن يقال الأمراض المادية على نوعين منها ما يحتاج في مداواته لذاته في الاستفراغ ومنها ما لا يحتاج فيه إلى الاستفراغ لذاته، بل إن كان فهو لأمر طاري اقتضاء ذلك (191). إذا عرفت هذا فنقول قوله الأوجاع التي من (192) فوق الحجاب تدل على الاستفراغ بالدواء من فوق أي الأمراض المادية التي تحتاج في مداواتها إلى الاستفراغ لذاتها وعند هذا يخرج السل عن هذا الحكم، فإنه وإن كان من الأمراض المادية التي فوق الحجاب لكن لا يقتضي لذاته في مداواته الاستفراغ، وإلى هذه الفائدة أشار الأوحد أبقراط بقوله «فإذا استفرغتهم فاحذر أن تستفرغهم بالدواء من فوق» أي إذا حصل لهم ما يوجب الاستفراغ وهو إما حمى عفنية أو نزلة أو غير ذلك مما يحصل لهم من الأمراض المادية وأردت أن تستفراغهم لأجل ذلك فاجعل استفراغهم بالدواء من أسفل، ولم يقل «فأما أصحاب السل فاستفرغهم بالدواء من أسفل». ولما كان الحال فيما ذكرناه كذلك لم يحصل بما نقل المعترض من الفصل المذكور تناقض لهذا الفصل لأن الموضوع في أحدهما غير الموضوع في الآخر ومن شرط التناقض اتحاد الموضوع (193).

19

[aphorism]

قال أبقراط: من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ PageVW1P102B ولم يعطش فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.

[commentary]

الشرح هاهنا مباحث ستة.

البحث الأول

في صلة هذا الفصل بما قبله (194): وهو أنه لما ذكر في الفصل الماضي أن الأوجاع التي تحت الحجاب تدل على استفراغها من أسفل، ذكر في هذا الفصل (195) مقدار الاستفراغ أي إخراج (196) المادة بحسب الحاجة وذكر من حدود ذلك العطش، فإن في الغالب إذا كان في البدن بقية من الخلط المستفرغ فإن البدن لم يعرض له جفاف بسبب الاستفراغ لأن الأدوية تكون مشغولة يجذب تلك البقية، فإذا زالت عاد الدواء لجذب الرطوبات المرطبة فيحصل له جفاف (197)، ولا معنى للعطش إلا افتقار الطبيعة إلى البارد الرطب.

البحث الثاني:

الأمور التي يعتمد عليها في قطع المسهل ثلاثة: أحدها العطش، وثانيها القوة، وثالثها نوع النوع المستفرغ من المادة (198). أما العطش فاعلم أن عطش شارب الدواء تارة يكون لحرارة معدته، فإن المعدة متى كانت كذلك كانت الحاجة دائما PageVW5P169A داعية إلى ما يبرد ويرطب، ولا معنى للعطش إلا ذلك. وتارة يكون لحرارة الدواء المستعمل، فإن الدواء متى كان كذلك أفاد المعدة كيفية مناسبة لمزاجه وهي الحرارة واليبوسة فتفتقر الطبيعة إلى ما يبرد ويرطب (199). وتارة يكون لحرارة المادة المستفرغة، فإن المادة المستفرغة متى كانت كذلك أفادت (200) البدن بالمجاورة ذلك المزاج فاحتاجت الطبيعة إلى ما يضاده وهو البرودة والرطوبة. وتارة يكون للاستقصاء في الاستفراغ بحيث أن رطوبات البدن تنقص فإن الطبيعة في مثل هذا الوقت تحتاج إلى ما يبرد ويرطب. وللعطش أسباب أخر قد ذكرناها (201) في شرحنا لكليات القانون (202)، فشارب الدواء إذا عطش وكان عطشه للسبب الآخر فهو للنفاء، وعند ذلك يتعين قطعه. وأما أمر القوة فإنها متى كانت في الإسهال ثابتة قوية علمنا أن الإسهال بعد الحاجة داعية إليه، ومتى رأيناها أخذه في الضعف فقطعه واجب. وأما أمر المادة فإن الاستفراغ متى كان من النوع الواجب وخروجه فالحاجة داعية بعد إلى خروج ما يخرج (203)، ومتى تغير النوع فقطعه واجب بهذه (204) الأمور التي يعتمد عليها في قطع الإسهال غير أن أبقراط إنما ذكر العطش من دونها لظهوره وشهرته. واعلم أن شارب الدواء يجب عليه مراعاة أمور بعضها قبل أخذه وبعضها عند أخذه وبعضها عند عمله وبعضها بعد الفراغ من عمله، ولنفرد لكل واحد من هذه بحثا.

Bog aan la aqoon