$ شرح فتح القدير للسيواسي بسم الله الرحمن الرحيم
Bogga 1
الحمد لله رب العالمين على ما ألهم وعلم من العلم مالم نعلم والصلاة والسلام على خير خلقه محمد النبي الأكرم المبعوث إلى سائر الأمم بالشرع الأقوم والمنهج الأحكم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
Bogga 7
وبعد فهذا تعليق على كتاب الهداية للإمام العلامة برهان الدين أبي الحسن على بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشدانى المرغينانى شيخ الإسلام أسكنه الله برحمته دار السلام شرعت في كتابته في شهور سنة تسع وعشرين وثمانمائة عند الشروع في إقرائه لبعض الإخوان أرجو من كرم الله سبحانه أن يهدينى فيه صوب الصواب وأن يجمع فيه أشتات ما تفرق من لب اللباب ليكون عدة لطالبى الرواية ومرجعا لصارفى العناية في طلب الهداية وإياه سبحانه اسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وموجبا لرضاه الموصل إلى جنات النعيم
Bogga 9
هذا وإنى كنت قرأت تمام الكتاب سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة على وجه الإتقان والتحقيق على سيدى الشيخ الإمام بقية المجتهدين وخلف الحفاظ المتقنين سراج الدين عمر بن على الكنانى الشهير بقارىء الهداية تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوبة جنته وهو قرأه على مشايخ عظام تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته وهو قرأه على مشايخ عظام من جملتهم الشيخ الإمام شيخ الإسلام علاء الدين السيرامى وهو عن شيخه السيد الإمام جلال الدين شارح الكتاب وهو عن شيخه قدوة الأنام بقية المجتهدين علاء الدين عبد العزيز النجارى صاحب الكشف والتحقيق وهو عن الشيخ الكبير أستاذ العلماء حافظ الدين النسفى وهو عن شيخه الإمام شمس الدين محمد بن على بن عبد الستار بن محمد الكردرى وهو عن شيخه شيخ مشايخ الإسلام حجة الله تعالى على الأنام المخصوص بالعناية صاحب الهداية فهذا طريق العبد الضعيف في هذا الكتاب وقرأته قبله من أوله إلى فصل الوكالة بالنكاح أو نحوه على قاضى القضاة جمال الدين الحميدى بالإسكندرية وبها قرأت بعضه أيضا على الشيخ زين الدين المعروف بالإسكندرى الحنفى بقية المجتهدين والمحققين تغمدهم الله برحمته أجمعين ولما جاء بفضل الله ورحمته أكبر من قدرى بما لا ينتسب بنسبة علمت أنه من فتح جود القادر على كل شيء فسميته ولله المنة فتح القدير للعاجز الفقير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم = كتاب الطهارات
جمعها على إرادة الأنواع باعتبار متعلقها من الحدث والخبث وآلتها من الماء والتراب وسبب وجوبها قبل الحدث والخبث
ورد بأنهما ينقضانها فكيف يوجبانها وقد يقال لا منافاة بين نقضها شرعا الصفة الحاصلة عن تطهير سابق وإيجاب تطهير آخر مستأنف
Bogga 12
والأولى أن يقال السببية إنما تثبت بدليل الجعل لا بمجرد التجويز وهو مفقود واختاروا أنه إرادة مالا يحل إلا بها ولا يخفى أن مجرد الإرادة لا يظهر وجه إيجابها شيئا لأنها لا تستلزم لحقوق الشروع المستلزم عدم الطهارة في الصلاة لو لم تقدم فحقيقة سببها وجوب ما لا يحل إلا بها لما عرف أن إيجاب الشيء يتضمن إيجاب شرطه لا لفظا لغة وكون الإرادة مضمرة في قوله تعالى
ﵟإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلواﵞ
يفيد تعليق وجوب الطهارة بالإرادة المستحقة للشروع وليس ذلك إلا لأن الشروع مشروط بها فآل الأمر إلى أن وجوبها بسبب فعل مشروطها إلا أن وجوبها بوجوبه ظاهر وأما بنقله فليس فيه إلا الإرادة إذ لا وجوب إلا بعد الشروع عند بعض الأئمة ولا نعلم قائلا بوجوب الطهارة بمجرد إرادة النافلة حتى يأثم بتركها وإن لم يصلها وجعلها سببا بشرط الشروع يوجب تأخر وجوب الوضوء وفيه محذور فإن إيجابه شرطا بإيجاب تقديمه عليه
ويمكن كون إرادة النافلة سبب وجود أحد الأمرين إما الوضوء وإما ترك النافلة على معنى عدم الخلو فيجوز اجتماعهما فهى حينئذ سبب وجوب واجب مخير فيصدق أنها سبب وجوبه في الجملة وهذا كله على تقدير كونها سبب وجوب الأداء أما إذا جعلت سبب أصل الوجوب فالإشكال أخف
وأركانها في الحدث الأصغر أربعة مذكورة في الكتاب وفي الأكبر غسل ظاهر البدن والفم والأنف وفي الخبث إزالة العين بالمائع الطاهر واستعماله ثلاثا فيما لا يرى قوله بهذا النص لنفى أن وجوب غسل الرجل بالحديث فقط ووجهه أن قراءة نصب الرجل عطف على المغسول وقراءة جرها ك 4 ذلك والجر للمجاوره
Bogga 14
وعليه أن يقال بل هو عطف على المجرور وقراءة النصب عطف على محل الرؤوس وهو محل يظهر في الفصيح وهذا أولى لتخريج القراءتين به على المطرد بخلاف تخريج الجر على الجوار
وقول ابن الحاجب إن العرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى ولكل متعلق جوزت حذف أحدهما وعطف متعلق المحذوف على متعلق المذكور كأنه متعلقه كقولهم متقلدا سيفا ورمحا وتقلدت بالسيف والرمح وعلفتها تبنا وماء باردا والحمل على الجوار ليس بجيد إذا لم يأت في القرآن ولا كلام فصيح انتهى إنما يتم إذا كان إعراب المتعلقين من نوع واحد كما في علفتها وسقيتها وهنا الإعراب مختلف لأنه على ما قال يكون الأرجل منصوبا لأنه معمول اغسلوا المحذوف فحين ترك إلى الجر لم يكن إلا لمجاورة إعراب الرؤوس فما هرب منه وقع فيه
فإن قلت حاصل هذا تجويز أن يراد بالنص هذا الوجه من الاستعمال وتجويزه لا يوجب وقوعه بل حتى توجبه قرينة كتعيين بعض مفاهيم المشترك وذلك منتف هنا
فالجواب بل ثابت وهو إطباق رواة وضوئه صلى الله عليه وسلم على حكاية الغسل ليس غير فكانت السنة قرينة منفصلة توجب إرادة استعمال الموافق لها بالنص هذا
وقد ورد الحمل على الجوار في بعض الأحاديث
فإن صحت وقلنا بجواز الاستدلال بالحديث في العربية لم يصح قوله ولا كلام فصيح وفي المسئلة ثلاث مذاهب الإطلاق والمنع والتفصيل بين كون الراوى عربيا فنعم أو عجميا فلا
وحل النصب على حالة ظهور الرجل والجر على المسح حالة استتارها بالخلف حملا للقراءتين على الحالتين
Bogga 15
قال في شرح المجمع فيه نظر لأن الماسح على الخف ليس ماسحا على الرجل حقيقة ولا حكما لأن الخف اعتبر مانعا سراية الحدث إلى القدم فهى طاهرة وما حل بالخف أزيل بالمسح فهو على الخف حقيقة وحكما قوله والغسل الإسالة يفيد أن الدلك ليس من حقيقته خلافا لمالك فلا يتوقف تحققه عليه ومرجعهم فيه قول العرب غسلت المطر الأرض وليس في ذلك إلا الإسالة وهو ممنوع بأن وقعها من علو خصوصا مع الشدة والتكرار أي ذلك وهم لا يقولونه إلا إذا نظفت الأرض وهو إنما يكون بذلك وبأنه غير مناسب للمعنى المعقول من شرعية الغسل وهو تحسين هيئة الأعضاء الظاهرة للقيام بين يدى الرب سبحانه وتعالى تخفيفا وإلا فالقياس الكل والناس بين حضرى وقروى خشن الأطراف لا يزيل ما استحكم في خشونتها إلا الدلك فالإسالة لا تحصل مقصود شرعيتها ثم حد الإسالة التي هي الغسل أن يتقاطر الماء ولو قطرة عندهما وعند أبي يوسف يجزىء إذا سال على العضو وإن لم يقطر قوله من قصاص الشعر خرج مخرج العادة وإنما طوله من مبدإ سطح الجبهة إلى أسفل اللحيين حتى لو كان أصلع لا يجب من قصاصه ويجزىء المسح على الصلعة في الأصح والقصاص مثلث القاف قوله وإلى شحمتى الأذن يعطى ظاهره وجوب إدخال البياض المعترض بين العذار والأذن بعد نباته وهو قولهما خلافا لأبي يوسف لأن المسقط هو النابت ولو يقم به ويعطى أيضا وجوب الإسالة على شعر اللحية لأنه أوجب غسل الوجه وحده بذلك واختلفت فيه الروايات عند أبي حنيفة فعنه يجب مسح ربعها وعنه مسح ما يلاقى البشرة وعنه لا يتعلق به شيء وهو رواية عن أبي يوسف وعن أبي يوسف استيعابها
وأشار محمد رحمه الله في الأصل إلى أنه يجب غسل كله قيل وهو الأصح
وفي الفتاوى الظهيرية وعليه الفتوى لأنه قام مقام البشرة فتحول الفرض إليه كالحاجب
وقال في البدائع عن أبن شجاع أنهم رجعوا عما سوى هذا كل هذا في الكثة أما الخفيفة التي ترى بشرتها فيجب إيصال الماء إلى ما تحتها ولو أمر الماء على شعر الذقن ثم حلقه لا يجب غسل الذقن
وفي البقالى لو قص الشارب لا يجب تخليله وإن طال يجب تخليله وإيصال الماء إلى الشفتين وكأن وجهه أن قطعه مسنون فلا يعتبر قيامه في سقوط غسل ما تحته بخلاف اللحية فإن إعفاءها هو المسنون بخلاف ما لو نبتت جلدة لا يجب قشرها وإيصال الماء إلى ما تحتها بل لو أسال عليها أجزأ لأنه مخير في قشرها إذ لم ينقل فيه سنة والأصل العدد فلم يعتبر قيامها مانعا من الغسل والمصنف في التجنيس عد إيصال الماء إلى منابت شعر الحاجبين والشارب من الآداب من غير تفصيل وأما الشفة فقيل تبع للفم
وقال أبو جعفر ما انكتم عند انضمامه تبع له وما ظهر فللوجه
وفي الجامع الأصغر إن كان وافر الإظفار وفيها درن أو طين أو عجين أو المرأة تضع الحناء جاز في القروى والمدنى
قال الدبوسى هذا صحيح وعليه الفتوى وقال الإسكاف يجب إيصال الماء إلى ما تحته إلا الدرن لتولده منه
وقال الصفار فيه يجب الإيصال إلى ما تحته إن طال الظفر وهذا حسن لأن الغسل وإن كان مقصورا على الظواهر لكن إذا طال الظفر يصير بمنزلة عروض الحائل كقطرة شمعة ونحوه لأنه عارض
وفي النوازل يجب في المصرى لا القروى لأن دسومة أظفار المصرى مانعة وصول الماء بخلاف القروى ولو لزق بأصل ظفره طين يابس ونحوه أو بقى
قدر رأس الإبرة من موضع الغسل لم يجز ولا يجب نزع الخاتم وتحريكه إذا كان واسعا والمختار في الضيق الوجوب ولو قطعت يده أو أرجله فلم يبق من المرفق والكعب شيء يسقط الغسل ولو بقى وجب ولو طال أظفاره حتى خرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسلها قولا واحدا ولو خلق له يدان على المنكب فالتامة هى الأصلية يجب غسلها والأخرى زائدة فما حاذى منها محل الفرض وجب غسله ومالا فلا قوله هو يقول الغاية لا تدخل أي أن الغاية المذكورة هنا لا تدخل تحت المغيا فاللام للعهد الذكرى غايته أنه لم يبين وجهه
Bogga 16
وقوله كالليل في الصوم تنظير لا قياس لعدم الجامع فاندفع ما قيل المقرر في الأصول لزفر الاستدلال بتعارض الأشباه وهو أن من الغايات ما يدخل ومنها مالا فاحتملت هذه كلا منهما فلا تدخل بالشك وأيضا ما بعد المرفق والكعب في دخوله في مسمى اليد والرجل اشتباه فبتقدير دخوله تدخل وبعدمه لا للأصل المقرر وهو أن ما بعد الغاية إن دخل في المسمى لولا ذكرها دخل وإلا فلا تدخل بالشك وما أورد على هذا الأصل من أنه لو حلف لا يكلم فلانا إلى غد لا يدخل مع أنه يدخل لو تركت الغاية غير قادح فيه لأن الكلام هنا في مقتضى اللغة والأيمان تبنى على العرف وجاز أن يخالف العرف اللغة وكونه صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرافقه لا يستلزم الافتراض لجواز كونه على وجه السنة كالزيادة في مسح الرأس إلى أن استوعبه ولا مخلص إلا بنقل دخولها في المسمى لغة وهو أوجه القولين بشهادة غلبة الاستعمال به وكونه إذا كان كذلك فتكون الغاية داخلة لغة وأيضا على تقدير ما قال يثبت الإجمال في دخولها فيلتحق به قوله عليه الصلاة والسلام ويل للعراقيب من النار بيانا للتوعد على تركه فيكون اقتصاره صلى الله عليه وسلم على المرافق وقع بيانا للمراد من اليد فيتعين دخول ما أدخله
Bogga 17
وقوله اغسل يدك للأكل من إطلاق اسم الكل على البعض اعتمادا على القرينة قوله هو الصحيح احترازا عما روى هشام عن محمد رحمه الله أنه الذي في وسط الرجل عند معقد الشراك فإن مراد محمد بذلك الكعب الذي يقطع المحرم أسفله من الخلف إذا لم يجد نعلين قوله والكتاب مجمل أي في حق الكمية لكن الشافعي رحمه الله يمنعه ويقول هذا مطلق لا مجمل وإنه لم يقصد إلى كمية مخصوصة أجمل فيها بل إلى الإطلاق ليسقط بأدنى ما يطلق عليه مسح الرأس على أن الذي في حديث المغيرة مسح على ناصيته لا يقتضى استيعاب الناصية لجواز كون ذكرها لدفع توهم أنه مسح على الفود أو القذال فلا يدل على مطلوبكم ولو نظرنا إليه على ما رواه مسلم عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته كان محل النزاع في الباء كالآية أنها للتبعيض أولا ولو قلنا إنها للإلصاق لزم التبعيض بصريح تقريركم في قوله تعالى
ﵟوامسحوا برؤوسكمﵞ
لدخولها على المحل كما سنذكر فالأولى أن يستدل برواية أبي داود عن أنس رضى الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يديه من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه وسكت عليه أبو داود فهو حجة وظاهره استيعاب تمام المقدم وتمام مقدم الرأس هو الربع المسمى بالناصية
وقطرية بكسر القاف وسكون الطاء المهملة ثياب حمر لها أعلام منسوبة إلى قطر موضع بين عمان وسيف البحر عن الأزهرى وقال غيره ضرب من البرود فيه حمرة ولها أعلام فيها بعض الخشونة ومثله ما رواه البيهقي عن عطاء أنه صلى الله عليه وسلم توضأ فحسر العمامة ومسح مقدم رأسه أو قال ناصيته فإنه حجة وإن كان مرسلا عندنا كيف وقد اعتضد بالمتصل
Bogga 18
بقى شيء وهو أن ثبوت الفعل كذلك لا يستلزم نفى جواز الأقل فلا بد فيه من ضم الملازمة القائلة لو جاز الأقل لفعله مرة تعليما للجواز وتسلم وقد تمنع بأن الجواز إذا كان مستفادا من غير الفعل لم يحتج إليه فيه وهنا كذلك نظرا إلى الآية فإن الباء فيها للتبعيض وذلك لا يفيد نفى جواز الأقل فيرجع البحث إلى دلالة الآية ونقول فيه أن الباء للإلصاق وهو المعنى المجمع عليه لها بخلاف التبعيض فإن المحققين من أئمة العربية ينفون كونه معنى مستقلا للباء بخلاف ما إذا جاء في ضمن الإلصاق كما فيما نحن فيه فإن إلصاق الآلة بالرأس الذي هو المطلوب لا يستوعب الرأس فإذا ألصق فلم يستوعب خرج عن العهدة بذلك البعض لا لأنه هو المفاد بالباء وتمام تحقيقه فيما كتبناه على البديع في الأصول وحينئذ يتعين الربع لأن اليد إنما تستوعب قدرة غالبا فلزم وأما رواية جواز قدر الثلاث الأصابع وإن صححها بعض المشايخ نظرا إلى أن الواجب إلصاق اليد والأصابع أصلها ولهذا يلزم كمال دية اليد بقطعها والثلاث أكثرها وللأكثر حكم الكل وهو المذكور في الأصل فيحمل على أنه قول محمد رحمه الله لما ذكر الكرخى والطحاوى عن أصحابنا أنه مقدار الناصية ورواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله ويفيد أنها غير المنصور رواية قول المصنف وفي بعض الروايات قدره ودراية أن المقدمة الأخيرة في حيز المنع لأن هذا من قبيل المقدر الشرعي بواسطة تعدى الفعل إلى تمام اليد فإن به يتقدر قدرها من الرأس وفيه يعتبر عين قدره وقولنا عين قدره لأنه لو أصاب المطر قدر الفرض سقط ولا تشترط إصابته باليد لأن الآلة لم تقصد إلا للإيصال إلى المحل فحيث وصل استغنى عن استعمالها ولو مسح ببلل في يده لم يأخذه من عضو آخر جاز لا إن أخذه ولو بأصبع واحدة مدها قدر الفرض جاز عند زفر وعندنا لا يجوز وعللوا بأن البلة صارت مستعملة وهو مشكل بأن الماء لا يصير مستعملا قبل الانفصال وما قيل الأصل ثبوت الاستعمال بنفس الملاقاة لكنه سقط في المغسول للحرج اللازم بإلزام إصابة كل جزء بإسالة غير المسال على الجزء الآخر ولا حرج في المسح لأنه يحصل بمجرد الإصابة فبقى فيه على الأصل دفع بأنه مناقض لما علل به لأبي يوسف رحمه الله في مسئلة إدخال الرأس الإناء فإن الماء طهور عنده فقالوا المسح حصل بالإصابة والماء إنما يأخذ حكم الاستعمال بعد الانفصال والمصاب به لم يزايل العضو حتى عدل بعض المتأخرين إلى التعليل بلزوم انفصال بلة الأصبع بواسطة المد فيصير مستعملا لذلك بخلاف المصاب في إدخال الرأس الإناء وهذا كله يستلزم أن مد أصبعين لا يجوز وقد صرحوا به وكذا يستلزم عدم جواز مد الثلاث على القول بأنه لا يجزىء أقل من الربع وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لأنه إن أخذ الاستعمال بالملاقاة أو انتقلت البلة لزم ذلك لكنى لم أر في مد الثلاث إلا الجواز واختيار شمس الأئمة أن المنع في مد الأصبع والاثنتين غير معلل باستعمال البلة بدليل أنه لو مسح بأصبعين في التيمم لا يجوز مع عدم شيء يصير مستعملا خصوصا إذا تيمم على الحجر الصلد بل الوجه عنده أنا مأمورون بالمسح باليد والأصبعان منها لا تسمى يدا بخلاف الثلاث لأنها أكثر ما هو الأصل فيها وهو حسن لكنه يقتضى تعيين الإصابة باليد وهو منتف بمسئلة المطر
Bogga 19
وقد يدفع بأن المراد تعيينها أو ما يقوم مقامها من الآلات عند قصد الإسقاط بالفعل اختيارا غير أن لازمه كون تلك الآلة هي غير اليد مثلا قدر ثلاث أصابع من اليد حتى لو كان عودا مثلا لا يبلغ ذلك القدر قلنا بعدم جواز مده
وقد يقال عدم الجواز بالأصبع بناء على أن البلة تتلاشى وتفرغ قبل بلوغ قدر الفرض بخلاف الأصبعين فإن الماء ينحمل فيه بين الأصبعين المضمومتين فضل زيادة تحتمل الامتداد إلى قدر الفرض وهذا مشاهد أو مظنون فوجب إثبات الحكم باعتباره فعلى اعتبار صحة الاكتفاء بقدر ثلاث أصابع يجوز مد الأصبعين لأن ما بينهما من الماء يمتد قدر أصبع ثالث وعلى اعتبار توقف الإجزاء على الربع لا يجوز لأن ما بينهما مما لا يغلب على الظن إيعابه الربع إلا أن هذا يعكر علية عدم جواز التيمم بأصبعين وأما الجواز بجوانب الأصبع فإنه بناء على رواية الاكتفاء بثلاث أصابع ولو أدخل رأسه إناء ماء ناويا للمسح فعند أبي يوسف يجوز عن الفرض والماء طهور وعند محمد لا يجوز والماء مستعمل وقول أبي يوسف أحسن لأن الماء لا يعطى له حكم الاستعمال إلا بعد الانفصال والذي لاقى الرأس من أجزائه لصق به فطهره وغيره لم يلاقه فلم يستعمل وفيه نظر ثم محل المسح ما فوق الأذنين فلو مسح على شعره أجزأه بخلاف ما لو كانت ذؤابتاه مشدودتين على رأسه فمسح على أعلاهما فإنه لا يجوز والمسنون في كيفية المسح أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه آخذا إلى قفاه على وجه يستوعب ثم يمسح أذنيه على ما يذكره وأما مجافاة السباحتين مطلقا ليمسح بهما الأذنين والكفين في الإدبار ليرجع بهما على الفودين فلا أصل له في السنة لأن الاستعمال لا يثبت قبل الانفصال والأذنان من الرأس حتى جاز اتحاد بلتهما ولأن أحدا ممن حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤثر عنه ذلك فلو كان ذلك من الكيفيات المسنونة وهم شارعون في حكايتها لترتكب وهي غير متبادرة لنصوا عليها
وفي فتاوى أهل سمرقند إذا دهن رجليه ثم توضأ وأمر الماء على رجليه ولم يقبل الماء للدسومة جاز الوضوء لأنه وجد غسل الرجلين
Bogga 20
واعلم أن حديث المغيرة المذكور في الكتاب تمام متنين رواهما المغيرة أحدهما ما قدمناه من رواية مسلم عنه أنه عليه الصلاة والسلام توضأ ومسح بناصيته على الخفين والآخر رواه أبن ماجة عنه أنه عليه الصلاة والسلام أتى سباطة قوم فبال قائما فجمع القدورى بين مرويى المغيرة ووهم الشيخ علاء الدين إذ جعله مركبا من حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وخفيه ومن حديث حذيفة في السباطة والبول قائما وهو يقتضى تخطئة القدورى في نسبة حديث السباطة إلى المغيرة وليس كذلك بل قد رواه أيضا المغيرة كما أخرجه ابن ماجة قوله وسنن الطهارة إضافة الشيء إلى ما هو أعم منه من وجه لصدق السنة مع الطهارة في طهارة مسنونة وسنة بلا طهارة في سنة مثلا صلوية وطهارة بلا سنة في طهارة واجبة فعلت على غير وجه السنة
واللام فيه للعهد يعنى الطهارة المذكورة وهي الوضوء فاندفع لزوم كون السنن المذكورة سننا لغير الوضوء من أنواع الطهارة
والسنة ما واظب عليه صلى الله عليه وسلم مع تركه أحيانا قوله غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء إذا استيقظ الخ الحديث المذكور في الصحيحين بغير نون التوكيد وأما بها ففى مسند البزار من حديث هشام بن حسان ولفظه فلا يغمسن يده في طهوره حتى يفرغ عليها ثلاثا ثم غسلهما هذا يقع على الفرض فهو فرض تقديمه سنة ولذا قال محمد رحمه الله في الأصل بعد غسل الوجه ثم يغسل ذراعيه
وأما تعليقه بالاستيقاظ فمنهم من أطلق فيه ومنهم من قيده بما إذا نام مستنجيا بالأحجار أو متنجس البدن أما لو نام متيقنا طهارتهما مستنجيا بالماء فلا يسن له
Bogga 21
وقيل بأنه سنة مطلقا للمستيقظ وغيره في ابتداء الوضوء وهو الأولى لأن من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام قدمه وإنما يحكى ما كان دأبه وعادته لا خصوص وضوئه الذي هو عن نوم بل الظاهر أن اطلاعهم على وضوئه عن غير النوم نعم مع الاستيقاظ وتوهم النجاسة السنة آكد أما الوجوب فإنما يناط بتحقق النجاسة قوله وتسمية الله تعالى لفظها المنقول عن السلف وقيل عن النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله العظيم والحمد لله على دين الإسلام وقيل الأفضل بسم الله الرحمن الرحيم بعد التعوذ وفي المجتبى يجمع بينهما وفي المحيط لو قال لا إله إلا الله أو الحمد لله أو أشهد أن لا إله إلا الله يصير مقيما للسنة وهو بناء على أن لفظ بسم أعم مما ذكرنا
ولفظ أبي داود لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر أسم الله عليه وضعف بالانقطاع وهو عندنا كالإرسال بعد عدالة الرواة وثقتهم لا يضر ورواه ابن ماجة من حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال لا وضوء لمن لم يذكر أسم الله عليه وأعل بأن ربيحا ليس بمعروف
Bogga 22
ونوزع في ذلك عن أبي زرعة ربيح شيخ وقال ابن عمار ثقة وقال البزار روى عنه فليح بن سليمن وعبد العزيز الدراوردى وكثير بن زيد وغيرهم قال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن التسمية في الوضوء فقال أحسن ما فيها حديث كثير بن زيد ولا أعلم فيها حديثا ثابتا وأرجو أن يجزئه الوضوء لأنه ليس فيه حديث أحكم به اه قوله والأصح أنها مستحبة الخ يجوز كون مستنده فيه ضعف الأحاديث ويجوز كونه بحديث المهاجر بن قنفذ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فسلمت عليه فلم يرد على فلما فرغ قال إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى كنت على غير وضوء رواه أبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ورواه أبو داود من حديث محمد بن ثابت العبدى حدثنا نافع قال انطلقت مع عبد الله بن عمر في حاجة إلى ابن عباس فلما قضى حاجته كان من حديثه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في سكة من سكك المدينة وقد خرج من غائط أو بول إذ سلم عليه رجل فلم يرد عليه السلام ثم إنه ضرب بيده الحائط فمسح وجهه مسحا ثم ضرب ضربة فمسح ذراعيه إلى المرفقين ثم كفه وقال إنه لم يمنعنى أن أرد عليك إلا أنى لم أكن على طهارة وما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد النبي صلى الله عليه وسلم السلام وروى البزار هذه القصة من حديث أبي بكر رجل من آل عمر بن الخطاب وزاد وقال إنما رددت عليك خشية أن تقول سلمت عليه فلم يرد على فإذا رأيتنى هكذا فلا تسلم على فإنى لا أرد عليك وأبو بكر هذا هو ابن عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب قاله عبد الحق ولا بأس به ووقع مصرحا باسمه ونسبه هذا في مسند السراج وروى ابن ماجة عن جابر أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال إذا رأيتنى على هذه الحالة الخ ولينظر في التوفيق بين هذه وبين كان فهى متظافرة على عدم ذكره صلى الله عليه وسلم اسم الله تعالى على غير الطهارة ومقتضاه انتفاؤه في أول الوضوء الكائن عن حدث وما أعل به غير قادح للمتأمل فهى معارضة لخبر التسمية بعد القول بحسنه بناء على أن كثرة طرق الضعيف ترقيه إلى ذلك وهو أوجه القولين على ما سنبينه في غير موضع إن شاء الله تعالى بل بعضها بخصوصه حسن لمن تأمل كلام أهل الشأن عليها فيخرجه من السنة كما أخرجه عن الإيجاب الذي هو ظاهره وكذا عدم نقلها في حكاية على وعثمان يدل على ما قلنا
والجواب أن الضعف منتف لما قلنا والمعارضة غير متحققة لأن كراهة ذكر لا يكون من متممات الوضوء لا يستلزم كراهة ما جعل شرعا من ذكر الله تعالى تكميلا له بعد ثبوت جعله كذلك بالحديث الحسن فلذلك الذكر ضرورى للوضوء الكامل شرعا فلا تعارض للاختلاف وعدم نقلها في حكايتيهما إما لأنهما إنما حكيا الأفعال التي هي الوضوء والتسمية ليست من نفسه بل ذكر يفتتح هو بها وصدق هذا التركيب يفيد خروجها عن مسماه وإما لعدم نقل الرواة عنهما وإن قالاها إذ قد ينقل الراوى بعض الحديث اشتغالا بالمهم بناء على اشتهار الافتتاح بالتسمية بين السلف في كل أمر ذي بال كما روى أبو داود والنسائى وابن ماجة كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع وفي رواية أجذم وفي رواية لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم رواها ابن حبان من طريقين وحسنه ابن الصلاح وإن كان فيه قرة
وبالجملة عدم النقل لا ينفى الوجود فكيف بعد الثبوت بوجه آخر ألا يرى أنهم لم ينقلوا من حكايتهما التخليل ولا شبهة في اعتقادى أنه من فعله صلى الله عليه وسلم وكذا لم ينقلوا السواك وهو عند أصحابنا من سنن الوضوء وبعض من حكى لم يحك غسل اليدين أولا ولم يقدح ذلك في ثبوتها إذا ثبت بطرق
بقى أن يقال فإذا سلم خبر التسمية عن المعارض مع حجيته فما موجب العدول به إلى نفى الكمال وترك ظاهره من الوجوب فإن قلنا إنه حديث إذا تطهر أحدكم فذكر اسم الله تعالى عليه فإنه يطهر جسده كله فإن لم يذكر اسم الله تعالى على طهوره لم يطهر إلا ما مر عليه الماء فهو حديث ضعيف إنما يرويه عن الأعمش يحيى بن هاشم وهو متروك
وإن قلنا إنه حديث المسىء صلاته فإن في بعض طرقه أنه صلى الله عليه وسلم قال له إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله وفي لفظ إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويحمده الحديث حسنه الترمذى ولم يذكر فيه تسمية في مقام التعليم فقد أعله ابن القطان بأن يحيى بن على بن خلاد لا يعرف له حال وهو من رواته فأدى النظر إلى وجوب التسمية في الوضوء غير أن صحته لا تتوقف عليها لأن الركن إنما يثبت بالقاطع وبهذا يندفع ما قيل المراد به نفى الفضيلة وإلا يلزم نسخ آية الوضوء به يعنى الزيادة عليها فإنه إنما يلزم بتقدير الافتراض لا الوجوب
وما قيل إنه لا مدخل للوجوب في الوضوء لأنه شرط تابع فلو قلنا بالوجوب فيه المساوى التبع الأصل غير لازم إذ اشتراكهما بثبوت الواجب فيهما لا يقتضيه 4 لثبوت عدم المساواة بوجه آخر نحو أنه لا يلزم بالنذر بخلاف الصلاة مع أنه لا مانع من الحكم بأن واجبه أحط رتبة من واجب الصلاة كفرضه بالنسبة إلى فرضها
فإن قيل يرد عليه ما قالوه من أن الأدلة السمعية على أربعة أقسام
Bogga 23
الرابع منها ما هو ظنى الثبوت والدلالة وأعطوا حكمه إفادة السنية والاستحباب وجعلوا منه خبر التسمية وصرح بعضهم بأن وجوب الفاتحة ليس من قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب بل بالمواظبة من غير ترك لذلك فالجواب إن أرادوا بظنى الدلالة مشتركها سلمنا الأصل المذكور ومنعنا كون الخبرين من ذلك بل نفى الكمال فيهما احتمال يقابله الظهور فإن النفى متسلط على الوضوء والصلاة فيهما
فإن قلنا النفى لا يتسلط على نفس الجنس بل ينصرف إلى حكمه وجب اعتباره في الحكم الذى هو الصحة فإنه المجاز الأقرب إلى الحقيقة وإن قلنا يتسلط هنا لأنها حقائق شرعية فينتفى شرعا لعدم الاعتبار شرعا وإن وجدت حسا فأطهر في المراد فنفى الكمال على كلا الوجهين احتمال هو خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بدليل وإن أرادوا به ما فيه احتمال ولو مرجوحا منعنا صحة الأصل المذكور وأسندناه بأن الظن واجب الاتباع في الأدلة الشرعية الاجتهادية وهو متعلق بالاحتمال الراجح فيجب اعتباره متعلقه وعلى هذا مشى المصنف رحمه الله في خبر الفاتحة حيث قال بعد ذكره من طرف الشافعي رحمه الله
ولنا قوله تعالى
ﵟفاقرؤوا ما تيسر من القرآنﵞ
والزيادة عليه بخبر الواحد لا تجوز لكنه يوجب العمل فعملنا بوجوبها وهذا هو الصواب والله سبحانه وتعالى أعلم بحقيقة الحال
Bogga 24
فرع نسى التسمية فذكرها في خلال الوضوء فسمى لا يحصل السنة بخلاف نحوه في الأكل كذا في الغاية معللا بأن الوضوء عمل واحد بخلاف الأكل وهو إنما يستلزم في الأكل تحصيل السنة في الباقي لا استدراك ما فات قوله هو الصحيح احتراز عما قيل قبله فقط وما قيل بعده فقط لأن ما قبله حال الانكشاف والأصح قبله أيضا لا حال الانكشاف ولا في محل النجاسة ومن الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول عند دخول الخلاء اللهم أنى أعوذ بك من الخبث والخبائث والمراد الاستعاذة من ذكران الشياطين وإناثهم قوله والسواك أي الاستياك عند المضمضة لأنه عليه الصلاة والسلام كان يواظب عليه المطلوب مواظبته عند الوضوء ولم أعلم حديثا صريحا فيه ففى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك وفي لفظ إذا قام ليتهجد وفي مسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بدأ بالسواك وفي أبي داود كان صلى الله عليه وسلم لا يستيقظ من ليل أو نهار إلا تسوك قبل أن يتوضأ وفي الطبرانى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك ومما يدل على محافظته على السواك استياكه بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر عند وفاته في الصحيحين وفيهما قال صلى الله عليه وسلم لولا أن اشق على أمتى لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو عند كل صلاة وعند النسائى في رواية عند كل وضوء ورواها ابن خزيمة في صحيحه وصححها الحاكم وذكرها البخارى تعليقا ولا دلالة في شيء على كونه في الوضوء إلا هذه وغاية ما يفيد الندب وهو لا يستلزم سوى الاستحباب إذ يكفيه إذا ندب لشيء أن يتعبد به أحيانا ولا سنة دون المواظبة وهى ليست بلازمة من ذلك واستدلاله في الغاية بما رواه الإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك يفيد أن المراد بكل ما ذكرنا مما ظاهره الندب عند نفس الصلاة كونه عند الوضوء فالحق أنه من مستحبات الوضوء ويوافقه ما في الهداية الغزنوية حيث قال ويستحب في خمسة مواضع اصفرار السن وتغير الرائحة والقيام من النوم والقيام إلى الصلاة وعند الوضوء والاستقراء يفيد غيرها وفيما ذكرنا أول ما يدخل البيت
ويستحب فيه ثلاث بثلاث مياه وأن يكون السواك لينا في غلظ الأصبع وطول شبر من الأشجار المرة ويستاك عرضا لا طولا قوله يعالج بالأصبع قال في المحيط قال على رضى الله عنه التشويص بالمسبحة والإبهام سواك
وروى البيهقى وغيره من حديث أنس يرفعه يجزى من السواك الأصابع وتكلم فيه
وعن عائشة رضى الله عنها قلت يا رسول الله الرجل يذهب فوه يستاك قال نعم قلت كيف يصنع قال يدخل أصبعه في فيه رواه الطبرانى قوله والمضمضة والاستنشاق والسنة فيهما المبالغة لغير الصائم وهو في المضمضة إلى الغرغرة وفي الاستنشاق إلى ما أشتد من الأنف ولو شرب الماء عبا أجزأ عن المضمضة وهو يفيد أن مجه ليس من حقيقتها وقيل لا يجزئه ومصا لا يجزئه قوله لأنه عليه الصلاة والسلام فعلهما على المواظبة جميع من حكى وضوءه عليه الصلاة والسلام فعلا وقولا اثنان وعشرون نفرا ولا بأس بإفادة حصرهم تكميلا وإسعافا الأول عبد الله بن زيد فعلا وفيه مضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات وفيه فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة رواه الستة عنه والمراد عبد الله بن زيد بن عاصم ووهم ابن عيينة في جعله إياه بن زيد بن عبد ربه راوى الأذان
وفي قوله مسح مرتين إلا أن يكون رواه بمعنى أقبل وأدبر
الثاني عثمان فعلا في الصحيحين ولم يذكر في المضمضة والاستنشاق عدد غرفات ولا في المسح إقبالا ولا غيره
Bogga 25
الثالث ابن عباس فعلا في البخارى وفيه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق وفيه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح برأسه
الرابع المغيرة رواه البخارى في كتاب اللباس
الخامس على بن أبي طالب فعلا رواه أصحاب السنن الأربعة وفيه فمسح برأسه مرة واحدة وفي رواية أبي داود في المضمضة والاستنشاق قال بماء واحد
السادس المقدام بن معد يكرب قولا دون تنصيص على عدد في شيء رواه أبو داود
السابع أبو مالك الأشعرى فعلا كالذي قبله رواه عبد الرازق والطبرانى وأحمد وأبن أبي شيبه وإسحق بن راهويه
الثامن أبو بكرة قولا كالذي قبله رواه البزار
التاسع أبو هريرة قولا كالذي قبله رواه أحمد وأبو يعلى وزاد أنه صلى الله عليه وسلم نضح تحت ثوبه ثم قال هذا إسباغ الوضوء
العاشر وائل بن حجر رواه الترمذى عنه قولا وفيه ثم مسح على رأسه ثلاثا وظاهر أذنيه ثلاثا وظاهر رقبته وأظنه قال وظاهر لحيته ثلاثا ثم غسل قدمه اليمنى وفصل بين أصابعه أو قال خلل بين أصابعه ورفع الماء حتى جاوز الكعب ثم رفعه إلى الساق ثم فعل باليسرى مثل ذلك ثم أخذ حفنة من ماء فملأ بها يده ثم وضعها على رأسه حتى أنحدر الماء من جوانبه وقال هذا إتمام الوضوء ولم أره ينشف بثوب
قال الإمام يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار قال البخارى فيه نظر
الحادى عشر جبير بن نفير رواه ابن حبان دون تنصيص على عدد في الرأس وغرفات المضمضة والاستنشاق
الثانى عشر أبو أمامة فرواه أحمد في مسنده
الثالث عشر أنس أخرج الدارقطنى عن الحسن البصرى أنه توضأ ثم قال حدثنى أنس بن مالك أن هذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ذلك التنصيص
الرابع عشر أبو أيوب الأنصارى رواه الطبرانى وإسحق بن راهويه قال كان صلى الله عليه وسلم إذا توضأ تمضمض واستنشق وأدخل أصابعه من تحت لحيته فخللها
الخامس عشر كعب بن عمرو اليمانى رواه أبو داود عنه قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره فرأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق اه
رواه الطبرانى وفصل معنى التفصيل وسنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى
السادس عشر عبد الله بن أبي أوفى قولا رواه أبو يعلى دون ذلك التنصيص
السابع عشر البراء بن عازب فعلا رواه الإمام أحمد كذلك
الثامن عشر أبو كاهل قيس بن عائذ قولا وفيه فغسل يعنى النبي صلى الله عليه وسلم يده ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا وغسل ذراعيه ثلاثا ومسح برأسه ولم يوقت وغسل رجليه ولم يوقت ولعل قوله ذلك هو الوجه للقائلين بعدم سنية التثليث في غسل الرجل وقد ضعف بالهيثم بن جماز وحديث الربيع بعده صريح في تثليث الرجلين
التاسعة عشر الربيع بنت معوذ فرواه أبو داود عنها قولا قالت فيه فغسل كفيه ثلاثا ووضأ وجهه ثلاثا ومضمض واستنشق مرة ووضأ يده ثلاثا ومسح برأسه مرتين يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه وفيه وضأ رجليه ثلاثا ثلاثا
العشرون عائشة رضى الله عنها فعلا رواه النسائى في سننه الكبرى وفيه مسحت رأسها مسحة واحدة إلى مؤخره ثم مرت بيديها بأذنيها وليس في شيء منها ذكر التسمية إلا حديث ضعيف أخرجه الدارقطنى عن حارثة بن أبي الرجال عن عائشة عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مس طهورا سمى الله تعالى
الحادى والعشرون عبد الله بن أنيس فعلا رواه الطبرانى وفيه مسح برأسه مقبلا ومدبرا ومس أذنيه
Bogga 26
الثاني والعشرون عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسنذكرها قريبا وقد أشرنا فيها إلى الأطراف المذكورة في كيفية المسح وغرفات المضمضة والاستنشاق لأنهما موضعا خلاف فتتيسر الإحالة عند الكلام عليهما وكلها نص على المضمضة والاستنشاق فلا شك في ثبوت المواظبة عليهما قوله هو المحكى تقدم من حكاية عبد الله بن زيد فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات ومعلوم أن الاستنثار ليس أخذ ماء ليكون له غرفة والمراد بثلاث غرفات مثل المراد بقوله ثلاثا فكما أن المراد كل من المضمضة والاستنشاق ثلاثا فكذا كل من المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات
وقد جاء مصرحا في حديث الطبرانى حدثنا الحسين بن إسحاق التسترى حدثنا شيبان ابن فروخ حدثنا أبو سلمة الكندى حدثنا ليث بن أبي سليم حدثنى طلحة بن مشرف عن أبيه عن جده كعب ابن عمرو واليامى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا يأخذ لكل واحدة ماء جديدا وغسل وجهه ثلاث فلما مسح رأسه قال هكذا وأوما بيديه من مقدم رأسه حتى بلغ بهما إلى أسفل عنقه من قبل قفاه وقدمنا رواية أبي داود له مختصرا وسكت عليه هو والمنذرى بعده
وما نقل عن أبن معين أنه سئل ألكعب صحبة فقال المحدثون يقولون إنه رآه صلى الله عليه وسلم وأهل بيت طلحة يقولون ليست له صحبة غير قادح فإذا اعترف أهل الشأن بأن له صحبة تم الوجه ويدل عليه ما رواه ابن سعد في الطبقات أخبرنا يزيد بن هرون عن عثمان بن مقسم البرى عن ليث عن طلحة بن مصرف اليامى عن جده قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح هكذا ووصف فمسح مقدم رأسه جر يديه إلى قفاه وما في حديث على بماء واحد لا يعارض الصحيح من حديث ابن زيد وكعب وما في حديث ابن عباس فأخذ غرفة من ماء إلى آخر ما تقدم يجب صرفه إلى أن المراد تجديد الماء بقرينة قوله بعد ذلك ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ومعلوم أن لكل من اليدين ثلاث غرفات لا غرفة واحدة فكان المراد أخذ ماء لليمنى ثم ماء لليسرى إذ ليس يحكى الفرائض فقد حكى السنن من المضمضة وغيرها ولو كان لكان المراد أن ذلك أدنى ما يمكن إقامة المضمضة به كما أن ذلك أدنى ما يقام فرض اليد به لأن المحكى إنما هو وضوءه الذي كان عليه ليتبعه المحكى لهم وما روى بكف واحد فلنفى كونه بكفين معا أو على التعاقب كما ذهب إليه بعضهم من أن المضمضة باليمنى والاستنشاق باليسرى قوله ومسح الأذنين عن الحلوانى وشيخ الإسلام يدخل الخنصر في أذنيه ويحركهما كذا فعل صلى الله عليه وسلم انتهى
Bogga 27
والذي في ابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما وقول من قال يعزل السبابتين في مسح الرأس من مشايخنا يدل على أن السنة عنده إدخالهما وهو الأولى قوله خلافا للشافعي قيل يتعلق بالمجموع من سنة بماء الرأس ولا خلاف في المعنى لأن تعليقه بماء الرأس ليس إلا من حيث اتصاله بسنة قوله لقوله عليه الصلاة والسلام الأذنان من الرأس يعنى فلا حاجة إلى أخذ ماء منفرد لهما كما لا يؤخذ في السنة ماءان لعضو واحد في غير التكرار
قال البيهقى أشهر إسناد للحديث هذا يعنى رواية أبي داود والترمذى وابن ماجة من حديث حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة الباهلى رضى الله عنه قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح برأسه وقال الأذنان من الرأس ثم قال البيهقى وكان حماد يشك في رفعه في رواية قتيبة عنه فيقول لا أدرى أمن قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة وكان سليمان بن حرب يرويه عن حماد ويقول هو من قول أبي أمامة انتهى
وقد ضعف شهر أيضا
وأجيب بأنه أختلف فيه على حماد فأبو الربيع رفعه عنه ومن سمعت على ما علمت
واختلف على مسدد عن حماد في ذلك أيضا وإذا رفع ثقة حديثا ووقفه آخر أو فعل ذلك شخص واحد قدم الرفع لأنه زيادة والصحيح في شهر التوثيق وثقه أبو زرعة وأحمد ويحيى والعجلى ويعقوب ابن شيبه وسنان بن ربيعة وقد توهم في البيهقى التحامل بسبب اقتصاره على حديث أبي أمامة والاشتغال بالتكلم فيه وفي الباب حديث عبد الله بن زيد أخرجه ابن ماجه عن سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن شعبة عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذنان من الرأس وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطنى عن أبي كامل الجحدرى حدثنا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الرأس وهما ثابتان للاتصال وثقة الرجال وقول الدارقطنى في الثانى إسناده وهم إنما هو مرسل محتجا بما أخرجه عن ابن جريج عن سليمن بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا
قال ابن القطان بعد حكمه بصحته ثم نقل كلام الدارقطنى ليس بقدح فيه وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند ومرسل
ولنا أحاديث أخر من فعله صلى الله عليه وسلم منها ما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره
وفيه ثم غرف غرفة فمسح بها رأسه وأذنيه
وبوب عليه النسائى باب مسح الأذنين مع الرأس
Bogga 28
وأما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء جديدا فيجب حمله على أنه لفناء البلة قبل الاستيعاب توفيقا بينه وبين ما ذكرنا وإذا انعدمت البلة لم يكن بد من الأخذ كما لو انعدمت في بعض عضو واحد ولو رجحنا كل ما رويناه أكثر وأشهر فقد روى من حديث أبي أمامة وابن عباس وعبد الله بن زيد كما ذكرنا وأبي موسى الأشعرى وأبي هريرة وأنس وابن عمر وعائشة رضى الله عنهم بطرق كثيرة والله سبحانه أعلم قوله جائز عند أبي حنيفة في غير نسخه من كتب الرواية سنة عند أبي يوسف رحمه الله مستحب عندهما وأمثل حديث فيه ما رواه الترمذى وابن ماجه من حديث عامر بن شقيق الأسدى عن أبي وائل عن عثمان أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته
وقال الترمذى توضأ وخلل لحيته وقال حسن صحيح وصححه ابن حبان والحاكم وقال احتجا بجميع رواته إلا عامر بن شقيق ولا أعلم فيه طعنا بوجه من الوجوه وله شاهد صحيح من حديث عمار بن ياسر وأنس وعائشة رضى الله عنهم ثم أخرج أحاديثهم أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وخلل لحيته وزاد في حديث أنس بهذا أمرنى ربى
وتعقب بأن عامرا ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بالقوى وحاصل الأول طعن مبهم وهو غير مقبول على ما عليه العمل لم يقبله الترمذى
والثانى لا يخرجه إلى الضعف ولو سلم فغاية الأمر اختلاف فيه لا ينزل به عن الحسن
قال الترمذى في علله الكبير قال محمد بن إسماعيل يعنى البخارى أصح شيء عندى حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى
وكيف وله شواهد كثيرة جدا من حديث عمار وأنس كما رواهما الحاكم والترمذى وابن ماجه رأيته عليه الصلاة والسلام يخلل لحيته وإن ضعف بالانقطاع وحديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلل لحيته
رواه البزار وابن ماجه وحديث أبي أيوب نحوه رواه ابن ماجه وهو ضعيف
Bogga 29