Sharaxa Diwaanka Mutanabbi
شرح ديوان المتنبي
Noocyada
وهنا أخذت النفرة بين الرجلين مظهرا واضحا، فقد سكت الشاعر عن المديح، بعد أن كان يواصل قصائده غير وان ولا متمهل، ثم يضطر بعد ذلك لإنشاده، وذلك أن كافورا كان قد ولى شبيبا العقيلي الخارجي عمان والبلقاء وما يليها، فخرج على كافور وسار إلى دمشق في جيش كثيف ودخل المدينة، وفي غمرة من الهرج والمرج ألفى شبيب ميتا، فارتاع جيشه، وهرب جنده وتفرقوا، ولم يعرف الناس كيف مات، وجاءت الأخبار مصر فطالب كافور أبا الطيب بأن يذكر هذا في شعره؛ فقال قصيدته التي مطلعها:
عدوك مذموم بكل لسان
وإن كان من أعدائك القمران
وذلك في جمادى الثانية سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وإنك لواجد - من قراءة القصيدة - أن الشاعر الذي سكت عن مدح أبي المسك ثمانية أشهر، ثم لقيه في هذه القصيدة، لم يكن مادحا، وإنما كان كمن يقصد الهجاء، وكأنما أراد أن يؤبن القتيل ويرثيه بدل أن يغتبط لمقتله.
ثم انقطع المتنبي بعد هذه القصيدة المريبة عن مدح أبي المسك سنة وأربعة أشهر، وأصابته في أثناء ذلك حمى فقال قصيدته:
ملومكما يجل عن الملام
ووقع فعاله فوق الكلام
وقد عرض فيها بكافور، وبخله، ومنعه عن الرحيل عن مصر، وأعجب بها أهل مصر برغم أنها ساءت كافورا لما بلغته.
وفي أثناء ذلك أيضا اتصل المتنبي بأبي شجاع فاتك الملقب بالمجنون، وقد كان روميا، وأسر وربي في فلسطين، ثم اغتصبه كافور من سيده بالرملة بلا ثمن فأعتقه صاحبه، فكان معه في عدة المماليك، كريم النفس، حر الطبع، بعيد الهمة، ويقول المعري: إنه كان في أيام كافور مقيما بالفيوم، أنفة من الأسود، وحياء من الناس أن يركب معه، وأنه مرض وأحوجته العلة إلى دخول مصر فدخلها، وأن أبا الطيب لم يتمكن من عيادته على أن فاتكا كان يسأل عنه ويراسله بالسلام، وأنه لما لقي أبا الطيب في الصحراء أهداه هدية قيمتها ألف دينار ذهبا، ثم أتبعها هدايا بعدها، ويقول ابن خلكان: إن الفيوم كان إقطاعا لفاتك، وإن أبا الطيب كان يسمع بكرمه وشجاعته، ولا يستطيع أن يقصده خشية كافور، ثم استأذن كافورا في مدحه فأذن له، ويروى أن ذلك كان بعد استقرار ما بين فاتك والأستاذ كافور.
ويظهر أن الشاعر لم يرغب في مدح فاتك - مع ما بينه وبين كافور من المنافسة - إلا ليأسه من أبي المسك، وقد مدح أبو الطيب فاتكا في جمادى الثانية سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة بقصيدته:
Bog aan la aqoon