قال:
هيهات أبدى اليقين صفحته ... وبان نبع الفخار من غربه
فيقول: لما قرعنا أصلهم بأصلنا أبت العيدان من التكسر. والمعنى أن كلامنا أبى أن ينهزم عن صاحبه. فالعيدان مثلٌ للرجال، والنبع مثلٌ للأصل.
ولما لقينا عصبةً تغلبيةً ... يقودون جردًا للمنية ضمرا
يقال تغلبيٌ وتغلبيٌ والكسر أكثر، ومن فتح فلتوالي الكسرات والياءين. وهذا كما قالوا: نمريٌ فردوا من فعلٍ إلى فعلٍ. يقول: لما لقينا جماعةً من بني تغلب يقودون للحرب خيلًا ضمرًا قصار الشعور. وجواب لما فيما بعد، وهو سقيناهم. وإنما احتاج إلى الجواب متى كان علمًا للظرف، لأنه يجيء لوقوع الشيء لوقوع غيره. وجعل الخيل جردًا لأن العراب منها تكون كذلك. واللام من قوله للمنية يجوز أن يتعلق بيقودون، ويجوز أن يتعلق بقوله ضمرًا، أي ضمرت لها.
سقيناهم كأسًا سقوها بمثلها ... ولكنهم كانوا على الموت أصبرا
يقول: قابلناهم بمثل ما بدءونا به من سقي كأس الموت، لكن القتل كان فيهم أعم، ولهم أشمل. وجعل ذلك فيهم كالصبر منهم عليه. ويقرب أن يكون قول الله تعالى: " فما أصبرهم على النار " على هذا الوجه. كأن النار حقت عليهم ووجبت، بما كان منهم من المعصية، فجعل ذلك فيهم كالصبر منهم عليه، ولذلك قال بعض المفسرين في معناه: ما أعملهم بعمل أهل النار. كأن إصرارهم على ذلك العمل كالصبر منهم على النار. ورد الآية إلى البيت وإجراء القول فيها على هذا الحد غريبٌ حسنٌ. وقوله: أصبر أي أصبر منا، وأفعل الذي يتم بمن يحذف منه من في باب الخبر دون الوصف. وساغ ذلك لأن الخبر كما يجوز حذفه بأسره لقيام الدلالة عليه يجوز حذف بعضه أيضًا له.