240

Sharh Cala Muwatta

شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك

Tifaftire

طه عبد الرءوف سعد

Daabacaha

مكتبة الثقافة الدينية

Daabacaad

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1424 AH

Goobta Daabacaadda

القاهرة

يُبْعِدُ وُقُوعَ الْوَهْمِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: " «إِذَا أَذَّنَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ، وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا يَطْعَمَنَّ أَحَدٌ» " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ.
وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّهَا كَانَتْ تُنْكِرُ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ وَتَقُولُ: إِنَّهُ غَلِطَ، أَخْرَجَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا مَرْفُوعًا: " «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ» " قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ بِلَالٌ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يُبْصِرَ الْفَجْرَ، قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: غَلِطَ ابْنُ عُمَرَ انْتَهَى.
وَهَذَا مِمَّا يَقْتَضِي مِنْهُ الْعَجَبَ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ» " وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ جَاءَ عَنْهَا فِي أَرْفَعِ الصَّحِيحِ مِثْلُ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَكَيْفَ تُغَلِّطُهُ؟ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْحَافِظُ عَقِبَ مَا مَرَّ وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالصِّبْغِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ نَوْبًا بَيْنَ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْلِمُ النَّاسَ أَنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ مِنْهُمَا لَا يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ شَيْئًا، وَلَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُبْدِهِ احْتِمَالًا، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الضِّيَاءُ وَغَيْرُهُ، قَالَ السُّيُوطِيُّ قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّتِي تَقُولُ وَكَانَتْ حَجَّتْ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: " «إِنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بِلَالٌ، وَإِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ". انْتَهَى.
قَالَ الْحَافِظُ: وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَوْبًا وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمَا حَالَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ يُؤَذِّنُ وَحْدَهُ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ: " كَانَ بِلَالٌ يَجْلِسُ عَلَى بَيْتِي وَهُوَ أَعْلَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى الْفَجْرَ تَمَطَّى ثُمَّ أَذَّنَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
وَرِوَايَةُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ: " «أَنْ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ ﷺ بِلَالًا فَأَذَّنَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ» " الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ثُمَّ أَرْدَفَ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَكَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَاسْتَمَرَّ بِلَالٌ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى، وَعَلَى ذَلِكَ تَنْزِلُ رِوَايَةُ أُنَيْسَةَ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ فِي آخِرِ الْأَمْرِ أَخَّرَ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ لِضَعْفِهِ وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يُرَاعِي لَهُ الْفَجْرَ، وَاسْتَقَرَّ أَذَانُ بِلَالٍ بِلَيْلٍ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا أَخْطَأَ الْفَجْرَ فَأَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِهِ وَأَنَّهُ أَخْطَأَهُ مَرَّةً فَأَمَرَهُ ﷺ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولَ: «أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ» يَعْنِي إِنَّ غَلَبَةَ النَّوْمِ عَلَى عَيْنَيْهِ مَنَعَتْهُ مِنْ تَبَيُّنِ الْفَجْرِ، وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ، لَكِنِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ، وَأَنَّ

1 / 290