Sharh Bulugh al-Maram - Abdul Karim al-Khudair
شرح بلوغ المرام - عبد الكريم الخضير
Noocyada
«لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم -أي للكفار- في الدنيا» والضمير يعود إليهم، وإن لم يجرِ لهم ذكر، فإن السياق يفيد أنهم هم المقصودون بالخبر، «لهم في الدنيا» هم الذين يباشرون مثل هذه الأشياء، وهم الذين يستعملونها؛ لأنهم لا يتدينون بدين، ولا يرجون ثوابًا ولا يخشوع عقابًا «ولكم في الآخرة» لكم أيها المسلمون الذين التزمتم ما أمرتم به، واجتنبتم ما نهيتم عنه، جزاءً وفاقًا امتنعتم عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة فأبيحت لكم وخصصت لكم في الآخرة، كما أن من شرب الخمرة في الدنيا لم يشربها في الآخرة، من سمع الغناء في الدنيا، لم يسمع غناء الحور العين في الآخرة، وهكذا جزاءً وفاقًا.
«فإنها لهم في الدنيا» هذا إخبار وليس بحكم، ليس معنى أن هذا مباح لهم، لكن هذا إخبار عن حالهم وعن واقعهم، فلأنهم لا يتدينون بدين، ولا يخشون عقاب، ولا يرجون ثواب يستعملونها، وإلا فهم ممنوعون حكمًا من استعمالها، على القول الراجح من أقوال أهل العلم في مخاطبة الكفار بفروع الشريعة، الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كمخاطبتهم بأصولها عند جمهور العلماء.
ومنهم من يقول: هم غير مخاطبين مطلقًا، ومنهم من يقول: هم مخاطبون بالكف عن المحرمات دون فعل الواجبات والمأمورات؛ لأن فعل المأمورات يحتاج إلى نية، وهم ليسوا من أهل النية، أما الكف فيحصل من غير نية، لكن القول المرجح عند جمهور أهل العلم: أنهم مخاطبون.
يقول الله ﷾: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [(٤٢ - ٤٤) سورة المدثر] .. إلى آخره، فذكروا في أول ما ذكروا فروع من فروع الشريعة، كان سببًا في دخولهم النار، ومعنى أنهم مخاطبون بالفروع أنهم يعاقبون عليها، ويزاد في عذابهم في الآخرة إضافة إلى عذابهم على عدم الإيمان بالله ﷾.
3 / 14