60

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

Noocyada

افتقار العبد إلى التوكل على الله والاستعانة به قال رحمه الله تعالى: [والعبد مفتقر دائمًا إلى التوكل على الله والاستعانة به كما هو مفتقر إلى عبادته، فلا بد أن يشهد دائمًا فقره إلى الله، وحاجته في أن يكون معبودًا له، وأن يكون معينًا له، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ من الله إلا إليه]. هذه المسألة من المسائل التي كثيرًا ما يغفل عنها الناس، ولذلك ينبغي بل يجب على طلاب العلم وخاصة من يتصدون للخطابة والتعليم والوعظ والإرشاد أن يركّزوا على هذه القضية، ألا وهي الاستعانة بالله ﷿، إذ هي من أعظم أبواب إصلاح القلوب، لا سيما والناس قد بدأت عندهم بعض مظاهر القلق والأمراض النفسية والشعور بالخوف ونحو ذلك، مما جعلهم يلجئون إلى الوسائل غير المشروعة، كالدجل والدجالين وغير ذلك من الأمور التي قد تكون مظهرًا من مظاهر ضعف الاستعانة بالله ﷿. لذا ينبغي على الوعاظ والمرشدين والدعاة أن ينبهوا الناس ويربوهم على مسألة الاستعانة بالله ﷿ دائمًا في كل شيء، وأن يبدأ كل مسلم باللجوء إلى الله ﷿ والإلحاح عليه عندما يطرأ عليه أي أمر من الأمور، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، ولا يحقرن في ذلك شيئًا، وقد نجد ممن يتنبه ويتفطن لهذه القضية، لكن هذا قليل، وهذا القليل أيضًا قد لا يتفطن إلا بعد أن يصل إلى اليأس والشعور بالإحباط، وخاصة الذين يعانون شيئًا من الأمراض النفسية والجسمية، فإذا لم يجدوا فائدة عند الأطباء أو الرقاة أو الدجالين تفطنوا باللجوء إلى الله ﷿، وهذا خير، لكن أعظم منه أن يلجأ الإنسان إلى الله ﷿ في كل أمر صغير أو كبير بالدعاء والاستغفار والتوبة، وعمل الصالحات التي تنجيه وتنفعه وتصله بالله ﷿. ولذا أقول: ينبغي لكل من يعلم الناس ويربيهم ويرشدهم أن ينبه على هذا الأمر كثيرًا، لا سيما مع كثرة الظواهر المزعجة في الآونة الأخيرة، وكثرة لجوء الناس إلى غير الله ﷿ واللجوء إلى الأسباب، مع أن بذل الأسباب مطلوب لا شك، لكن لا يعني ذلك الإعراض أو الغفلة عن اللجوء إلى الله ﷿، فيحسن التنبيه لهذه المسألة العظيمة. قال ﵀: [قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ﴾ [آل عمران:١٧٥]، أي: يخوّفكم بأوليائه، هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور، كـ ابن عباس وغيره وأهل اللغة كـ الفراء وغيره. قال ابن الأنباري: والذي نختاره في الآية: يخوّفكم أولياءه. تقول العرب: أعطيت الأموال، أي: أعطيت القوم الأموال، فيحذفون المفعول الأول. قلت: وهذا لأن الشيطان يخوّف الناس أولياءه تخويفًا مطلقًا، ليس له في تخويف ناس بناس ضرورة، فحذف الأول لأنه ليس مقصودًا. وقال بعض المفسرين: يخوف أولياءه المنافقين، والأول أظهر؛ لأنها نزلت بسبب تخويفهم من الكفار، فهي إنما نزلت فيمن خوّف المؤمنين من الناس، وقد قال: ﴿يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ﴾ [آل عمران:١٧٥] الضمير عائد إلى أولياء الشيطان، الذين قال فيهم: ﴿فَاخْشَوْهُمْ﴾ [آل عمران:١٧٣] قبلها، والذي قال الثاني فسرها من جهة المعنى، وهو أن الشيطان إنما يخوف أولياءه؛ لأن سلطانه عليهم، فهو يدخل عليهم المخاوف دائمًا، وإن كانوا ذوي عَدَد وعُدَد، وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله لا يخوّفهم الكفار، أو أنهم أرادوا المفعول الأول، أي: يخوّف المنافقين أولياءه، وهو يخوّف الكفار كما يخوف المنافقين، ولو أُريد أنه يجعل أولياءه خائفين لم يكن للضمير ما يعود عليه، وهو قوله: «فَلا تَخَافُوهُمْ». وأيضًا فإنه يعد أولياءه ويمنيهم، ولكن الكفار يلقي الله في قلوبهم الرعب من المؤمنين، والشيطان لا يختار ذلك، قال تعالى: ﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر:١٣] وقال: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [الأنفال:١٢]، ولكن الذين قالوا ذلك من السلف أرادوا أن الشيطان يخوّف الذين أظهروا الإسلام وهم يوالون العدو فصاروا بذلك منافقين، وإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ [التوبة:٥٦]، وقال: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ﴾ [الأحزاب:١٩] الآية، فكلا القولين صحيح من حيث المعنى، لكن لفظ (أولياءه) هم الذين يجعلهم الشيطان مخوفين لا خائفين كما دل عليه السياق، وإذا جعلهم مخوفين فإنما يخافهم من خوّفه الشيطان منهم. فدلّت الآية على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين، ويجعل ناسًا خائفين منهم. ودلّت الآية على أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان، ولا يخاف الناس، كما قال: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾ [المائدة:٤٤]، فخوف الله أَمَر به، وخوف أولياء الشيطان نهى عنه، قال تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُو

5 / 8