15

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

Noocyada

أمر الله بطهارة القلوب والأبدان وذلك أن الله أمر بطهارة القلب، وأمر بطهارة البدن]. قوله: (أن الله أمر بطهارة القلب) إشارة إلى أعمال القلوب من المحبة لله ﷿ والخشية، ورجاء الثواب منه واليقين ونحو ذلك من الأعمال القلبية. وقوله: (وأمر بطهارة البدن) تشمل الطهارة الحسية التي هي التنزه والتطهر بالماء، وتطهير الثياب والظهور بالمظهر اللائق في العبادة كما أمر الله ﷿، كما أنها أيضًا تشمل طهارة الأعمال، أعني: كون الأعمال تكون صادقة ومبنية على البر والتقوى، وهذا من علامات الطهارة الظاهرة. قال ﵀: [وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه، قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة:٦]. وقال: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة:١٠٨]. وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [البقرة:٢٢٢]. وقال: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة:١٠٣]. وقال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ﴾ [المائدة:٤١]. وقال: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة:٢٨]. وقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:٣٣]. فنجد كثيرًا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط، ويزيد فيها على المشروع اهتمامًا وعملًا، ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابًا أو استحبابًا ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك، ونجد كثيرًا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتمامًا وعملًا، ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابًا أو استحبابًا. فالأولون يخرجون إلى الوسوسة المذمومة في كثرة صب الماء، وتنجيس ما ليس بنجس، واجتناب ما لا يشرع اجتنابه، مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسد والكبر، والغل لإخوانهم، وفي ذلك مشابهة بينة لليهود. والآخرون يخرجون إلى الغفلة المذمومة، فيبالغون في سلامة الباطن حتى يجعلون الجهل بما تجب معرفته من الشر الذي يجب اتقاؤه من سلامة الباطن، ولا يفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهي عنه، وبين سلامة القلب من معرفة الشر المعرفة المأمور بها، ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات، ويقيمون الطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى].

2 / 5