Sharh Bab Tawhid al-Rububiyyah min Fatawa Ibn Taymiyyah
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية
Noocyada
بطلان حديث: (كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين)
قال رحمه الله تعالى: [وأما ما يرويه هؤلاء الجهال كـ ابن عربي في الفصوص وغيره من جهّال العامة: (كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين، كنت نبيًا وآدم لا ماء ولا طين) فهذا لا أصل له ولم يروه أحد من أهل العلم الصادقين، ولا هو في شيء من كتب العلم المعتمدة بهذا اللفظ، بل هو باطل؛ فإن آدم لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الله خلقه من تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طينًا، وأيبس الطين حتى صار صلصالًا كالفخار فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والطين، ولو قيل: بين الماء والتراب لكان أبعد عن المحال، مع أن هذه الحال لا اختصاص لها، وإنما قال: (بين الروح والجسد)، وقال: (وإن آدم لمنجدل في طينته)؛ لأن جسد آدم بقي أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه، كما قال تعالى: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ [الإنسان:١] الآية.
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ﴾ [الحجر:٢٨] الآيتين.
وقال تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة:٧] الآيتين.
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ﴾ [ص:٧١] الآية.
والأحاديث في خلق آدم ونفخ الروح فيه مشهورة في كتب الحديث والتفسير وغيرهما، فأخبر ﷺ أنه كان نبيًا، أي: كتب نبيًا وآدم بين الروح والجسد، وهذا -والله أعلم- لأن هذه الحالة فيها يقدر التقدير الذي يكون بأيدي ملائكة الخلق، فيقدّر لهم ويظهر لهم ويكتب ما يكون من المخلوق قبل نفخ الروح فيه].
نخلص من هذا بنتيجة هي الفارق بين فهم أهل الحق وبين فهم كثير من الباطنية والفلاسفة والصوفية في مسألة النبوة، فهؤلاء الذين اعتقدوا الباطل في النبوة زعموا أن نبوة النبي ﷺ حاصلة فعلًا قبل خلق آدم، وأخذوا بظواهر هذه النصوص، وبنصوص أخرى ضعيفة ومكذوبة، وما علموا أن مسألة تقدير الله ﷿ للأشياء غير مسألة الحصول، بما في ذلك نبوة النبي ﷺ، والدليل على هذا نصوص أخرى، فإنه فرق بين تقدير النبوة وبين حصولها، أما التقدير والكتابة لنبوة النبي ﷺ فهي كغيرها من المقادير، قدره الله ﷿ قبل خلق آدم، لكن حصولها لم يحدث إلا بعدما قدر الله ﷿ للنبي ﷺ أن يكون نبيًا، واصطفاه بعد أن بلغ أربعين سنة، والنبي ﷺ قبل ذلك لم يكن نبيًا، نعم قدر الله في القدر السابق أنه سيكون نبيًا إذا جاء وقت نبوته، ولذلك يجب أن نفرّق، وهذا في كثير من التوهمات التي عند الصوفية خاصة في الولاية والنبوة والوحي وأشياء كثيرة، لذلك اعتقدوا للمشركين الولاية؛ لأنهم يعتقدون أن سلسلة النبوة تسلسلت بالوراثة والولادة من آدم إلى محمد ﷺ، وحكموا على كل هذه السلسلة بأنهم لا بد أن يكونوا من أهل الجنة وأن يكونون أولياء، بل يكونون أنبياء، بل إن الرافضة وحتى الصوفية جعلوا النبوة تورث حتى بعد النبي ﷺ على وجه آخر، هؤلاء يسموها الإمامة، وهؤلاء يسموها الولاية، بناء على فلسفة كل طائفة، وأن القداسة موروثة لا بد أن تورث، فجاء هذا المذهب ودخل على الأدباء ودخل على الفلاسفة، ودخل على الفرق، ودخل على الصوفية، ودخل على كثير ممن ينتسبون للإسلام من فرق المسلمين، وذلك أنهم لم يفرقوا بين التقدير السابق وبين حصول القدر، التقدير السابق أن الله ﷿ قدّر للنبي ﷺ النبوة كما قدّر جميع أقدار الخلق قبل خلق آدم، لكن حصول النبوة لم يكن للنبي ﷺ إلا حينما اصطفاه الله ﷿، ولذلك الله ﷿ وصف النبي ﷺ قبل النبوة بصفات: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ﴾ [الشورى:٥٢] ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى:٧] يعني: ما كان النبي ﷺ يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فلو كان مشتملًا على النبوة لعلم، لكن ما اشتمل على النبوة إلا بعدما اصطفاه الله ﷿ وكذلك بقية الأنبياء.
إذًا: يجب أن نفرق بين تقدير النبوة قدرًا، وبين حصولها فعلًا كسائر المقدرات في أقدار الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كما أخرج الشيخان في الصحيحين وفي سائر الكتب الأمهات حديث الصادق المصدوق، وهو من الأحاديث المستفيضة التي تلقاها أهل العلم بالقبول، وأجمعوا على تصديقها، وهو حديث الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود ﵁ أنه قال: (حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله الملك فيؤمر بأربع كلمات فيق
7 / 5