Sharh Bab Tawhid al-Rububiyyah min Fatawa Ibn Taymiyyah
شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية
Noocyada
حكمة تسمية الله ﷿ بالدليل
قال رحمه الله تعالى: [وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ [الحجر:٤٢]، وقال: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النحل:٩٩]، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران:١٠١]، ونحو ذلك من النصوص.
وفي الدعاء الذي علمه الإمام أحمد لبعض أصحابه: يا دليل الحيارى! دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين؛ ولهذا كان عامة أهل السنة من أصحابنا وغيرهم على أن الله يسمى دليلًا].
ليس المقصود أن من أسماء الله (الدليل)، ينبغي أن نفهم هذا جيدًا؛ لأن السلف لهم في مسألة الأسماء اصطلاحات، فأحيانًا في مثل هذا السياق لا يقصد السلف -وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية - التسمية هنا بمعنى أنه اسم لله، لكن قصدهم وصف الله ﷿ من باب الخبر أو الدعاء ونحو ذلك.
هذا ينبغي أن يفهم جيدًا؛ لأني لاحظت في بعض أسئلة طلاب العلم عندما يسمع من يقول من السلف: إن هذا يسمى به الله، أو هذا مما يسمى به أفعال الله أو نحو ذلك، أو هذه التسمية أو نحو ذلك مما يطلق على سبيل التجوز، تجده يستغرب، فنقول: هنا قصد الشيخ الوصف لله في مثل هذا الدعاء: يا دليل الحائرين، وهذا كثير، مثل: يا ناصر المظلومين، وليس من أسماء الله الناصر، ومع ذلك يقال: إنه اسم لله، حتى في التسمية عند التعبيد لله، فيقال: عبد الناصر مثلًا، هذه من الأمور التي اختلف فيها أهل العلم، لكن ومع ذلك ما قالوا: إنها من أسماء الله، إنما هي من أوصاف الله، والأوصاف أحيانًا إذا أخذت رسم الاسم جاز نسبة التعبيد لله بها، وإن كان محل خلاف، لكن الراجح أنه جائز.
قال رحمه الله تعالى: [ومنع ابن عقيل وكثير من أصحاب الأشعري أن يسمى دليلًا؛ لاعتقادهم أن الدليل هو ما يستدل به، وأن الله هو الدال، وهذا الذي قالوه بحسب ما غلب في عرف استعمالهم من الفرق بين الدالِّ والدليل.
وجوابه من وجهين: أحدهما: أن الدليل معدول عن الدالِّ؛ وهو ما يؤكد فيه صفة الدلالة، فكل دليل دال وليس كل دال دليلًا، وليس هو من أسماء الآلات التي يُفعل بها، فإن فعيلًا ليس من أبنية الآلات كمفعل ومفعال].
كأن الشيخ يقول: إن وصف الله ﷿ بالدليل هنا لا يعني به أن استخدام اسم الجلالة كاستخدام الآلات، ولا استخدام هذا الدليل كاستخدامنا للأدلة الشرعية مثلًا، أو الأدلة المادية، إنما المقصود بالدليل هنا الهادي، فالله ﷿ هادي الخلق بما فعله من أسباب الهداية، فالله ﷿ هنا وصف بالدليل من باب أنه الهادي والمعين، من باب أنه ﷿ الذي هيأ للعباد الدلالة، لا أنه دليل يستخدم للدلالة كما تستخدم الأدوات أو تستخدم الأدلة، هذا مفهوم كلام الشيخ.
وقوله: (إن الدليل معدول عن الدالِّ) يعني: أن الدليل عدل به عن دلالة الدال الفاعل المستخدم عند الخلق إلى معنى دلالة الدال الذي هو بمعنى الهادي والموفق.
والدلالة بين الخالق الخلق لا تكون إلا باستخدام واحد لآخر، بينما بين الخالق والخلق لا يكون ذلك إلا من باب توفيق الله وهدايته لأوجه الدلالة بالأسباب وبغير الأسباب، بما يهيئه الله ﷿ للعبد.
ثم فرق أيضًا بين الدليل والدالِّ، فالدليل هو الموصل جزمًا لليقين، بينما الدال قد يوصل وقد لا يوصل، بمعنى أن الدالَّ لا يسمى دليلًا إلا إذا صدقت دلالته، فإذا لم تصدق دلالته لا يسمى دليلًا.
قال رحمه الله تعالى: [وإنما سمي ما يستدل به من الأقوال والأفعال والأجسام أدلة؛ باعتبار أنها تدل من يستدل بها، كما يخبر عنها بأنها تهدي وترشد وتعرف وتعلم وتقول وتجيب وتحكم وتفتي وتقص وتشهد، وإن لم يكن لها في ذلك قصد وإرادة، ولا حس وإدراك، كما هو مشهور في الكلام العربي وغيره.
فما ذكروه من الفرق والتخصيص لا أصل له في كلام العرب.
الثاني: أنه لو كان الدليل من أسماء الآلات التي يفعل بها، فقد قال الله تعالى فيما روى عنه نبيه في عبده المحبوب: (فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يعقل، وبي ينطق، وبي يبطش، وبي يسعى)، والمسلم يقول: استعنت بالله واعتصمت به.
وإذا كان ما سوى الله من الموجودات: الأعيان، والصفات، يستدل بها، سواء كانت حيةً أو لم تكن، بل ويستدل بالمعدوم، فلأن يستدل بالحي القيوم أولى وأحرى، على أن الذي في الدعاء المأثور: يا دليل الحيارى! دلني على طريق الصادقين، واجعلني من عبادك الصالحين، يقتضي أن تسميته دليلًا باعتبار أنه دال لعباده، لا بمجرد أنه يستدل به، كما قد يستدل بما لا يقصد الدلالة والهداية من الأعيان والأقوال والأفعال.
ومن أسمائه: الهادي، وقد جاء أيضًا: البرهان؛ ولهذا يذكر عن بعضهم أنه قال: عرفت الأشياء بربي، ولم أعرف ربي بالأشياء.
وقال بعضهم: هو الدليل لي على كل شيء، وإن كان كل شيء -لئلا يعذبني- عليه دليلًا.
وقيل لـ ابن عباس
3 / 7