Sharh Al-Waraqat fi Usul Al-Fiqh - Al-Daddu
شرح الورقات في أصول الفقه - الددو
Noocyada
تعريف خبر الآحاد وأنواعه
فهذا القسم الثاني من أقسام الخبر وهو: الآحاد.
والآحاد جمع أحد وهو الواحد، والمقصود بخبر الآحاد في اصطلاح الأصوليين: ما رواه آحاد من الناس لا يصلون إلى درجة التواتر.
ولهذا عرفه المصنف بقوله: [والآحاد: هو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم]، فقد قسم الخبر إلى قسمين: إلى متواتر، وآحاد، فالآحاد هنا على حذف مضاف تقديره خبر الآحاد، وهو الذي يوجب العمل ولا يوجب العلم، والمقصود هنا بإيجاب العمل، أي: على فرض صحته واقتضائه الوجوب، فالآحاد ليس بالضرورة صحيحًا حتى يوجب العمل.
وقوله: [ولا يوجب العلم] أي: ما لم يحتف بالقرائن، فقد يحتف خبر الآحاد بالقرائن فيقتضي العلم الضروري كذلك، كما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر، وما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم من أخبار الآحاد، فقد احتف به من القرائن ما يقتضي الثقة به حتى يكون كالمتواتر، فيحصل به العلم، وهذا العلم نظري لا ضروري، لأن الآحاد يبحث في عدالتهم وضبطهم، وينقسم خبر الآحاد من ناحية العدد إلى: غريب، وعزيز، ومشهور، ومستفيض.
فالغريب: ما انفرد به واحد في طبقة من الطبقات ويسمى فردًا، فإن كان المنفرد في أصل الإسناد سمي فردًا حقيقيًا، وإلا سمي فردًا نسبيًا لدى المحدثين.
والعزيز: ما انفرد به اثنان في طبقة من الطبقات.
والمشهور: ما انفرد به ثلاثة إلى تسعة في طبقة من الطبقات.
والمستفيض: ما انفرد به عشرة فصاعدًاَ ولم يصل حد التواتر.
وقيل: المستفيض هو المشهور، فهذا التقسيم هو تقسيم الآحاد باعتبار أفراد الناقلين واعتبار عدد الناقلين، وذكر المصنف تقسيمًا آخر، فقال: [وينقسم إلى مرسل ومسند]، وهذا التقسيم للخبر مطلقًا لا بقيد كونه للآحاد، بل هو للخبر مطلقًا ينقسم إلى مرسل ومسند، فالمرسل هو: ما سقط منه الصحابي، وقد عرفه هو هنا بأنه ما لم يتصل إسناده، والمسند هو: ما اتصل إسناده من مخرجه إلى نهاية إسناده، قال ﵀: [فالمسند ما اتصل إسناده، والمرسل ما لم يتصل إسناده]، وهنا عمم المرسل فأطلقه على المنقطع مطلقًا، وهو أنواع: فمنه المعلق وهو: ما حذف أول إسناده مما يلي المخرج ولو استمر ذلك إلى منتهاه.
ومنه المنقطع وهو: ما سقط منه واحد في الوسط أو أكثر على غير التوالي.
ومنه المعضل، وهو ما سقط منه اثنان على التوالي.
ومنه المرسل وهو ما سقط منه الصحابي فنسبه التابعي إلى النبي ﷺ.
فهذه هي أقسام المنقطع الواضح الانقطاع، ويبقى الانقطاع الخفي وهو: التدليس، وهو نوع آخر من الانقطاع، محتمل لأن يكون قد حصل انقطاع، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة، ومراسيل الصحابة حجة، وهي أن يحدث الصحابي عن النبي ﷺ بحادثة لم يشهدها، كحديث ابن عباس ﵄ عما قبل فتح مكة، فإنه في تلك الفترة كان بمكة، ولم يكن مع النبي ﷺ بالمدينة، وقد هاجر العباس بأسرته قبيل الفتح، فلقي رسول الله ﷺ بمر الظهران فاستكمل أفراد أسرته الهجرة، ورجع هو مع رسول الله ﷺ في غزوة فتح مكة، وقد ختمت به الهجرة فكان آخر المهاجرين، كما ختمت النبوة بمحمد ﷺ، ولهذا فـ ابن عباس من المهاجرين؛ لأنه من آخر الأسرة التي هاجرت من مكة إلى المدينة، بعد ذلك ختمت الهجرة فلا هجرة بعد الفتح، كما بين ذلك النبي ﷺ وقال: (مضت الهجرة لأهلها)؛ فرواية ابن عباس للهجرة وما بعدها من الأحداث إلى فتح مكة كلها من مراسيل الصحابة؛ لأنه لم يشهده، ومثل ذلك: رواية عائشة لبدء الوحي وهو قبل مولدها، فهي تروي بدء الوحي فكانت تقول: (أول ما بدأ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح)، وهي لم تشهد ذلك، لكن هذا من مراسيل الصحابة، فالصحابة لا يروون إلا عن الصحابة، فمراسيلهم مقبولة قطعًا، فإذا حدثوا عن النبي ﷺ ونسبوا إليه الخبر فذلك كالمتصل ولا فرق.
قال المصنف: [فإن كان من مراسيل غير الصحابة، فليس ذلك بحجة]؛ لأن التابعين يحدث بعضهم عن بعض وفيهم العدول وغير العدول، كما يحدثون عن الصحابة، قال: [إلا مراسيل سعيد بن المسيب؛ فإنها فتشت فوجدت مسانيد عن النبي ﷺ]، فـ سعيد من سادة التابعين ومن كبارهم، ومراسيله كلها فتشت -أي: بحث عنها- فوجدت مسندة من طريق آخر، وكان سعيد من أخص أصحاب أبي هريرة، ولـ أبي هريرة أصحاب آخرون يروون عنه، فربما أرسل سعيد ما أسنده غيره من أصحاب أبي هريرة، وقيل: إلا مراسيل كبار التابعين من أمثال سعيد بن المسيب وفقهاء المدينة الستة الآخرين، وككبار التابعين من أهل العراق كـ طارق بن شهاب وزر بن حبيش وعبيدة السلماني وعامر الشعبي، فهؤلاء لا يروون إلا عن الصحابة فمراسيلهم تعتبر حجة؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، وأما صغار التابعين من أمثال: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ويحيي بن سعيد الأنصاري، فمراسيلهم ليست بحجة، ومثل ذلك أواسط التابعين، فمراسيلهم ليست بحجة كـ الحسن البصري وإياس بن معاوية بن قرة ومحمد بن إبراهيم التيمي، فهؤلاء مراسيلهم أيضًا ليست بحجة عند جمهور الأصوليين، والسبب أنهم يروون عن الصحابة وعن غير الصحابة، وقد جهل من رووا عنه فيما بينهم وبين النبي ﷺ، فإن كان صحابيًا فلا يضر، لكن من المحتمل أن يكون من غير الصحابة، فإذا كان من غير الصحابة فلا بد من تسميته ومعرفة عدالته وضبطه، ولهذا قال ابن سيرين: والله ما كنا نبالي عمن نأخذ هذا العلم، حتى ركب الناس الصعب والذلول، فقلنا: سموا لنا رجالكم، فمن كان مقبولًا قبلناه، ومن كان مردودًا رددناه.
4 / 38