Sharh Al-Iqtisad fi Al-I'tiqad - Al-Rajhi
شرح الاقتصاد في الاعتقاد - الراجحي
Noocyada
شبه المنكرين للصوت والحرف والتدليل على بطلان شبههم
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقول القائل بأن الحرف والصوت لا يكون إلا من مخارج باطل ومحال قال الله ﷿: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق:٣٠].
وكذلك قال الله ﷿ إخبارًا عن السماء والأرض أنهما: ﴿قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:١١] فحصل القول من غير مخارج ولا أدوات.
وروي عن النبي ﷺ أنه كلمه الذراع المسموم.
وصح أنه سلم عليه الحجر وسلمت عليه الشجرة].
هذه شبه المنكرين للحرف والصوت من كلام الله ﷿، فقد بين المؤلف ﵀ شبههم ورد عليها.
ومن شبههم أنهم يقولون: الحرف والصوت لا يكون إلا من مخارج، ومعروف أن الإنسان إذا تكلم فلا بد أن يتكلم من مخارج، ومخارج الحروف معروفة فهناك حروف من أطراف اللسان، وحروف من حافة اللسان، وحروف من إطباق الشفتين، وهذا يلزم منه أن يكون الرب له مخارج حروف، فيكون له لسان، ويكون له شفتين، ويكون له أضراس، وهذا محال.
يقول المؤلف ﵀: هذا محال، أي: كلام باطل لا وجه له؛ لأن هذا فيه تشبيه الخالق بالمخلوق الآدمي، والله نفى عن نفسه ممثالة المخلوقات قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:١١].
قال سبحانه: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٧٤].
قال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:٤].
قال سبحانه: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ [مريم:٦٥].
فيرد عليهم أولًا بأن التمثيل باطل، فالله ليس له مثيل، وهذا تمثيل والتمثيل باطل، فلا يمكن أن يماثل الخالق بالمخلوق.
والجواب الثاني: أنه يوجد بعض المخلوقات تتكلم من غير مخارج، من غير أسنان، من غير أضراس، من غير شفتين، ومن غير لسان، وإذا كانت المخلوقات يمكن أن تتكلم من دون مخارج حروف، فإمكان ذلك في حق الرب أولى، فقولكم: أنه لا بد أن يكون مخارج باطل، وذكر أدلة على جواز التكلم بغير مخارج منها: الدليل الأول: أن النار تكلمت، حيث قال الله ﷿: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق:٣٠] فقوله: (وتقول) يدل على أن جهنم تكلمت، وجهنم ليس لها لسان، ولا أضراس، ولا أسنان، ولا شفتين، فإذا أمكن أن تتكلم بعض المخلوقات من دون مخارج فإمكان ذلك في حق الرب من باب أولى.
الدليل الثاني: قال الله تعالى للسماء والأرض: ﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:١١] والسماء والأرض ليس لهما أضراس أو أسنان أو شفتين، أو مخارج؛ ولهذا قال المؤلف: (فحصل القول من غير مخارج ولا أدوات).
أي: حصل قول من السماء والأرض، ومن جهنم من غير مخارج، ولا أدوات؛ لا أسنان ولا أضراس، وإذا أمكن هذا في المخلوق أمكن في الخالق من باب أولى.
الدليل الثالث: حديث روي عن النبي ﷺ: أنه كلمه الذراع المسموم.
والمؤلف يشير إلى حديث أبي هريرة في قصة الشاة المسمومة التي أهداها اليهود للنبي ﷺ يوم خيبر، حيث أهدت يهودية للنبي ﷺ ذراعًا مشويًا وكانت الذراع تعجبه، فنهس منها نهسة ثم نطق وتكلم الذراع بأنه مسموم، وهذا رواه البخاري ﵀ في كتاب الجزية والموادعة، ورواه البيهقي في دلائل النبوة.
فهذا الذراع الذي تكلم ليس له أضراس أو أسنان، وليس له مخارج أو أدوات، فإذا أمكن هذا في المخلوق أمكن في الخالق من باب أولى.
الدليل الخامس: قال: (وصح أنه سلم عليه الحجر).
كذلك حديث تسليم الحجر على رسول الله ﷺ رواه مسلم في صحيحه، والترمذي في سننه، قال ﵊: (إني لأعلم حجرًا كان يسلم علي في مكة).
والحجر ليس له أضراس ولا أسنان، ولا مخارج وأدوات.
الدليل السادس: قوله: (وسلمت عليه الشجرة).
وهذا ورد في حديث علي ﵁ عند الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد.
فالشجرة سلمت على النبي ﷺ، وسمع الكلام منها وليس لها مخارج ولا أدوات، ولا أضراس ولا أسنان وإذا أمكن هذا في المخلوق أمكن ذلك في الخالق من باب أولى، ولهذا رد الإمام أحمد ﵀ على أهل البدع وقال: وأما قولهم: إن الكلام لا يكون إلا من جوف وفم وشفتين ولسان، أليس الله قال للسماوات والأرض: ﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت:١١].
وقال: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ [الأنبياء:٧٩] أتراها سبحت بجوف وفم ولسان وشفتين؟ والجوارح إذا شهدت على الكفار فقالوا: ﴿لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [فصلت:٢١] اليد والرجل تشهد وليس لها أضراس ولا أسنان، أتراها نطقت بجوف وفم ولسان؟ ولكن الله أنطقها كيف يشاء من غير جوف ولا فم ولا شفتين ولا لسان، وبهذا تبطل شبهة هؤلاء المنكرين للحرف والصوت في كلام الله ﷿.
8 / 13